الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

من يُبطل "صاعق الانفجار" في الأردن؟!

نشر بتاريخ: 03/10/2019 ( آخر تحديث: 03/10/2019 الساعة: 16:19 )

الكاتب: نضال منصور

لو وقع إضراب المعلمين في الأردن قبل 10 سنوات لاستطاعت الحكومة وأده في الحال، أو في أسوأ الأوضاع تطويقه وإنهاءه بعد أيام.
الزمن تغير، وقواعد اللعبة تغيرت، والحكومات المتعاقبة لا تفهم ذلك، أو لا تريد استيعاب ذلك، ولهذا فإن إضراب المعلمين أوشك أن يكمل شهرا منذ أن تصدت الحكومة وأجهزتها الأمنية لاعتصام المعلمين ومنعت وصولهم إلى مقر رئاسة الوزراء في الدوار الرابع.
في زمن وسائل التواصل الاجتماعي ما عادت الحكومات قادرة على تعبئة الرأي العام وفق رؤيتها ومواقفها، وما عادت قادرة على تضليل، أو تزييف الأحداث بناء على مصالحها، وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي "دولة موازية" تعبأ، وتحشد، وتشتبك، وتبني الروايات للأحداث حتى وإن تناقضت مع الصورة التي تريد تعميمها الحكومة.
هذا ما حدث منذ إضراب المعلمين في الأردن. فمنع الاعتصام "اخترعته" الحكومة لتقول إنه إجراء لحماية المصالح العامة وعدم تعطيلها، فرد النشطاء على السوشيل ميديا ليفندوا قصتها، ويكذبوها، ويظهروا كيف تسببت الحكومة بقرارها في تعطيل و"شل" البلاد واحتجازها ليوم كامل.
مباشرة وزارة التربية إجراءاتها التصعيدية لم يرهب المعلمين
طوال الأسابيع الماضية رصد الناس مفاوضات الحكومة ومجلس نقابة المعلمين، ورغم حرص بعض وسائل الإعلام على إظهار أن الحكومة تقدم التنازلات، والتركيز على "تعنت" مجلس النقابة، وإيهام الناس بوجود أجندة سياسية خفية، فإن الاصطفاف المجتمعي خلف مطالب المعلمين والمعلمات كان كبيرا جدا، ولم تنجح الحكومة بكل وسائل ضغطها في إقناع أولياء أمور الطلبة والطالبات بإرسال أبنائهم وبناتهم للمدارس.
يعيش الأردن منذ إضراب المعلمين حالة من الشلل في الحياة العامة، فالحكومة منشغلة في هذا الملف، والبرلمان يسعى ليكون وسيطا نزيها يقدم المبادرات ويسعى للتوفيق لإيجاد تفاهمات، والنقابات عالقة وسط حالة الشد والضغط، والبحث عن التوازن والمصالح، والأحزاب السياسية غائبة في معظمها، ومنظمات المجتمع المدني التي تقف في غالبها في صف نقابة المعلمين تأثيرها محدود، والقناعة الراسخة أن الأزمة تدار خارج مجلس الوزراء، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني باستثناء إشارته الى ضرورة الحوار للوصول الى تفاهم، مع الحفاظ على مصالح الطلبة والعملية التعليمية لم يدخل على المشهد بقوة، ولم يتدخل بشكل مباشر للوصول إلى تفاهمات وإنهاء الأزمة التي تقلق الناس، وكل ذلك يؤشر إلى احتمالية تزايد الغضب والاحتقان السياسي والاجتماعي.
لم تنجح الحكومة في إدارة ملف التفاوض مع نقابة المعلمين، ولم تستطع بقرارها الأحادي بإقرار علاوات محدودة للمعلمين والمعلمات كسر الإضراب، والواقع الآن أن الأزمة تعمقت ودخلت في نفق مجهول.
اليوم لا يُحسد أحد في الأردن على الوضع الذي وصلنا إليه، فالحكومة بعد قرارها الأحادي الجانب بالعلاوات المحدودة لم تنزع فتيل الأزمة، وقرار المحكمة الإدارية بوقف الإضراب لحين البت في الدعوى لم يخفف الاحتقان، بل زاد منسوب القلق من مواجهة قادمة، ومباشرة وزارة التربية بإجراءات تصعيدية ضد المعلمين بدأت بخصومات من رواتبهم، وتواصلت في الحديث عن الاستغناء عنهم، واستبدالهم، لم يرهبهم ولم يثر حالة من الفزع بينهم.
الأسوأ من الإجراءات الإدارية التي يمكن أن تتخذها وزارة التربية بحق المضربين مظاهر التنمر والتهديد والاعتداء التي تتعرض لها بعض المعلمات، وهو ما دفع حملات مناصرة للإضراب إلى دعوة الناس لتوثيقها وتقديم الشكاوى بحق مرتكبيها.
لو كانت الحكومة تملك الولاية والقرار في التعامل مع الاضراب لامتلكت الشجاعة وجرأة الاعتذار عن منع الاعتصام والتجاوزات التي وقعت في 5/9/2019، واستطاعت إدارة مفاوضات ناجحة تنتهي بالاتفاق على جدولة علاوة الـ 50 بالمئة التي طالبت بها النقابة، أو الاتفاق على تغطية جزء منها، لكنها للأسف ـ أي الحكومة ـ اعتمدت المماطلة، والتسويف، وشراء الوقت، وتقديم عروض مبهمة، والأهم شيطنة النقابة ومطالبها والتحشيد ضدها.
حسمت المحكمة الإدارية العليا الجدل القانوني وأكدت على ضرورة وقف الإضراب، وهو قرار واجب التطبيق ولا يستطيع مجلس نقابة المعلمين التنصل منه، أو الاعتراض عليه، وهذا يعني أن استمرارهم في حث المعلمين والمعلمات على الاستمرار بالإضراب يعرضهم للمساءلة والملاحقة القانونية.
وفي الاتجاه الآخر ماذا ستفعل الحكومة لمواجهة أطول إضراب بتاريخ الأردن، وماذا ستفعل الحكومة إذا كان استطلاع ـ غير علمي ـ لقناة المملكة بنهاية يوم 30 سبتمبر 2019 يؤكد أن 18 في المئة فقط من أهالي الطلبة والطالبات أعلنوا أنهم سيرسلون أبنائهم وبناتهم للمدارس، في حين أن 82 في المئة يصرون على عدم إرسالهم؟
الأردن يعيش منذ إضراب المعلمين حالة شلل والقناعة الراسخة أن الأزمة تدار خارج رئاسة الوزراء
كيف ستواجه الحكومة مجلس نقابة المعلمين المتماسك بخطاب مطلبي واضح ويلتف حوله مئات الآلاف من المعلمين والمعلمات؟ ماذا لو أصر مجلس نقابة المعلمين على رفضه تنفيذ القرار القضائي؟ هل تستطيع جهات إنفاذ القانون حبسهم؟ ولنفترض أنها فعلت ذلك، فكيف ستجبر المعلمين والمعلمات في الميدان أن يعودوا لمدارسهم؟ وإن لم يفعلوا واستمروا في "عصيانهم" هل تستطيع وزارة التربية أن تستبدل غالبية المعلمين والمعلمات المضربين بطاقم جديد؟
لم يعد "إضراب المعلمين" أزمة بين الحكومة والنقابة، بل أصبحت معركة تخوضها قوى مجتمعية باعتبارها عنوانا للكرامة والعدالة الاجتماعية، وعزز هذه التوجهات والاتجاهات كلام نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة "نجوع معا أو نشبع معا"، وباتت الأزمة المتصاعدة فرصة لكل خصوم الحكومة لتوجيه لكماتها على أمل أن يطاح بها.
47 مؤسسة مجتمع مدني وحزب سياسي ونقابات عمالية أصدروا بيانا رفضوا فيه النهج الحكومي في معالجة مطالب نقابة المعلمين، واعتبروا أن الحكومة ترتعب من أي تحرك سلمي منظم، ولم تدر الأزمة بالحكمة المطلوبة، وإنما بمعالجة أمنية صرفة.
البيان أكد أن أي تحرك من شأنه كسر هيبة المعلم أو هدر كرامته لا يتيح إلا مزيدا من الحنق محذرين من انفجار شعبي.
القراءة الواضحة أن الدولة لا تحتمل استمرار الإضراب لوقت أكثر من ذلك، وأن الضغوط على النقابة لم تنجح في إضعافها "وفصم" دعم قطاع واسع من المجتمع لها، وإجبار المعلمين والمعلمات على تعليق الإضراب بقوة القانون وبالقرارات القضائية ليس مضمون النتائج، ويزج بمرفق العدالة في تجاذبات سياسية غير محمودة العواقب.
إذن يواجه الأردن اليوم استعصاء سياسي اقتصادي اجتماعي، و"إضراب المعلمين" الذي يرفع شعارات مطلبية بحتة، قد يتحول إلى "لغم" قد ينفجر في أي لحظة فيهدد الاستقرار والسلم الأهلي، ويعيد سيناريو "اعتصامات الرابع" التي أطاحت بحكومة الرئيس السابق هاني الملقي، خاصة إذا ما ضيقت الحكومة بإجراءاتها التصعيدية الخناق على المعلمين والمعلمات واتخذت تدابير قاسية بحقهم.
إضراب المعلمين قد يتحول إلى "لغم" يهدد الاستقرار والسلم الأهلي
ما الحل؛ هو السؤال الذي يبحث عن إجابة؟
خطير أن تغلق الحكومة باب الحوار والمفاوضات والتسويات وتدفع نقابة المعلمين نحو الحائط، وخطير أن تتحول الحكومة لـ "محاسب"، فتدخل في "مفاصلة" مالية مع المعلمين والمعلمات، والجميع يفهم أن القصة والمعضلة أبعد من 112 مليون دينار سنويا لا تستطيع الدولة أن تتدبرها لطي هذا الملف المقلق، والعقدة ـ وهذا الأهم ـ أن من يدير المشهد لا يريد لنقابة مهما كانت أن تفرض إرادتها وقوتها، و"تعصي" أوامر الدولة خوفا من تكرار المشهد في المستقبل.
كلما مضى يوم جديد والاعتصام مستمر تعقدت القضية، وأصبحت معركة "كسر عظم" هي السيناريو الماثل أمامنا، فكيف الطريق لحل ثالث ينصف المعلمين، ولا يظهر أن الحكومة هزمت.
الفرصة الأخيرة والحل البسيط أن يتدخل رأس الدولة الملك عبد الله لنزع فتيل الأزمة، وإبطال "صاعق الانفجار" بمبادرة تحمي الأردن، والنتيجة لا غالب ولا مغلوب، بدلا من إعادة المعلمين والمعلمات "مخفورين" ومجبرين إلى المدارس بقوة القانون.