الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

تطوير المنظومة التعليمية أساس التنمية الإقتصادية

نشر بتاريخ: 25/05/2019 ( آخر تحديث: 25/05/2019 الساعة: 15:35 )

الكاتب: سامر سلامه

إتخذت الحكومة مؤخرا قرارا إستراتيجيا نحو مؤائمة مخرجات التعليم وإحتياجات سوق العمل ضمن رؤيا إقتصادية واضحة لمعالجة مشكلة البطالة المستفحلة في أوساط خريجي مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني. هذا القرار المتمثل بإنشاء كلية جامعية للتدريب المهني. وبما أن القرار يتقاطع مع عملنا في قطاع التعليم والتدريب المهني والتقني، هذا القطاع الذي أفنينا ما يزيد عن عشرين عاما من البحث في أفضل السبل والوسائل للنهوض به، إلا أننا لم نصل حتى الآن إلى تصور وطني يجمع عليه كافة الخبراء والعاملين في التعليم والتدريب المهني وذلك لأسباب عديدة لا مجال لذكرها الآن. فإنني هنا أردت أن أسترجع بعض ما كتبته سابقا بهذا الخصوص وذلك لإعطاء الموضوع زخمه الطبيعي وأهميته التي نسعى للتأكيد عليها دائما.
فقبل الغوص في عمق الموضوع لا بد من التذكير بأهم المؤشرات الإحصائية المتعلقة بأعداد الطلبة المتقدمين لإمتحان الثانوية العامة (الإنجاز) وخاصة تلك الفئة المنسية دائما والمتمثلة بالطلبة الذين لم يحالفهم الحظ بالنجاح أو أولئك الذين لم يحصلوا على معدلات تؤهلهم لدخول مؤسسات التعليم العالي. ولكن حتى اللحظة لم يكترث أحد للذين لم يحالفهم الحظ بالنجاح في الإمتحان لسبب أو لآخر في حين أن نسبة من لم يحالفهم الحظ في النجاح تصل إلى 33% أضف إليهم من لم يتقدم للإمتحان أو الذين حصلوا على معدل أقل من%65 فإن النسبة تصل إلى أكثر من 50% من مجموع الطلبة. فالسؤال المطروح هنا ما هو مصير هؤلاء الطلبة غير الناجحين أو غير المؤهلين للإلتحاق بالتعليم الجامعي؟! ففي هذا المقال سأركز على هذه الشريحة من الطلبة وخاصة المتسربين من المدارس أو الذين لم يكملوا تعليمهم الثانوي في محاولة لإستقراء مصيرهم وعلاقة تراجع الإقبال على التعليم بمستقبل التنمية في فلسطين.
عند تتبع المؤشرات الإحصائية الخاصة بالتعليم فإننا نلاحظ أن عدد المسجلين للإمتحان في العام 2017 قد وصل إلى 78,585 طالب وطالبة في حين تقدم للإمتحان هذا العام الماضي 70,237 طالبا وطالبة فقط أي بتراجع في الأعداد ليصل إلى 8,348 طالبا وطالبة وإذا قارنا أعداد المتقدمين للإمتحان بأعداد طلبة الصف الأول الإبتدائي قبل 12 عاما فإننا نجد أن هناك تراجع كبير في أعداد الطلبة الذين لم ينهوا المرحلة الثانوية. فكافة الإحصاءات الخاصة بالتعليم تشير بشكل واضح إلى تراجع أعداد الملتحقين بالتعليم على إختلاف المستويات والتخصصات إبتداء من التعليم الثانوي حتى الجامعي وهذا ما يفسره (على سبيل المثال) تخفيض الجامعات لمعدلات القبول بشكل كبير لإستقطاب أكبر عدد ممكن من الطلبة مع بقاء أعداد الطلبة الملتحقين في التعليم الجامعي أقل من قدرة الجامعات الإستيعابية.
وبحسب المسح الخاص بانتقال الشباب من الدراسة إلى سوق العمل للعام 2015 الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإننا نلاحظ أن نسبة الشباب الذين أنهوا المستوى الأساسي من التعليم قد إنخفض من 31.7% في العام 2013 إلى 29.6% في العام 2015. ورافق ذلك أيضا ارتفاع في نسبة الشباب الذين لم ينهوا أي مستوى تعليمي من 20.9% في العام 2013 إلى 21.9% في العام 2015. كما أن معدل ترك المدرسة قد ارتفع بين الذكور من 33.1% في العام 2013 إلى 38.3% في العام 2015 أما الإناث فقد انخفض معدل تركهن المدرسة من 23.5% في العام 2013 إلى 21.8% في العام 2015. ومن الملاحظ أيضا من نتائج المسح أن أكثر من نصف الشباب لديهم تحصيل علمي أقل من المرحلة الثانوية. كما أن نسبة الحاصلين على تعليم ثانوي مهني قد انخفض من 2.4% في العام 2013 إلى 1.4% في العام 2015. أما التعليم الجامعي فإن هناك مؤشر واضح على الارتفاع الملحوظ في عدد الإناث الذين أنهوا الدرجة الجامعية الأولى أو أعلى مع انخفاض واضح في عدد الذكور الحاصلين على نفس الدرجة العلمية.
فأمام هذه الأرقام فإنني أعتقد أننا نواجه مشكلة مركبة والمتمثلة في تراجع أعداد الملتحقين بالتعليم على إختلاف المستويات والتخصصات وزيادة مضطردة في أعداد الشباب غير المؤهلين وخاصة الذكور منهم الأمر الذي يحرم مؤسسات التعليم العالي من مقومات إستمراريتها ويحرم أيضا الإقتصاد الفلسطيني من أهم مقومات بقائه وإستمراريته وتطوره والمتمثل بالموارد البشرية المؤهلة والمدربة. فأمام هذه المشكلة ماذا نحن فاعلون؟!
إنني أعتقد أن هذا الموضوع يجب أن يحظى بشكل أساسي وكبير على إهتمام كافة الأطراف الحكومية والإقتصادية والأهلية للبحث في كيفية التعامل مع الطلبة المتسربين من التعليم أو الذين لم يحالفهم الحظ بالنجاح في إمتحان الثانوية العامة. وإنني أعتقد ايضا أنه في حال إستمر التراجع بالإلتحاق بالتعليم وخاصة الطلبة الذكور فإننا بعد أقل من 5 سنوات سنجد أنفسنا أمام أزمة حقيقية سيصعب التعامل معها مما يضعنا أمام مأزق إجتماعي إقتصادي سياسي لا تحمد عقباه. ولمواجهة هذا التحدي فإنني أقترح التدخلات التالية على المستوى القصير والمتوسط:
1. تطوير منظومة التعليم بشكل عام نحو منظومة متكاملة من المعارف والمهارات والكفايات الشخصية والمهنية والحياتية وتحويل إمتحان الثانوية العامة من إمتحان لمواد محددة (مهما إختلفت طرق تقديم الإمتحان) إلى إمتحان لقياس المعارف والمهارات للطلبة في مواضيع تخصصية مثل العلوم الإجتماعية أو العلوم التطبيقية أو العلوم البحته أو العلوم الإقتصادية والتجارية وهكذا على أن تحدد نتيجة الطالب في الإمتحان المسار المهني للطالب ونوع ومستوى المؤسسة الأكاديمية التي من الممكن الإلتحاق بها ونوع التخصص الذي سيدرسه.
2. تطوير منظومة التعليم لتصبح منظومة جاذبة للطلبة وليست طاردة من خلال تطوير أساليب التدريس والتركيز على التحليل وتنمية التفكير المنطقي والمهارات البحثية
3. ضرورة إعادة تصنيف مؤسسات التعليم العالي والمؤسسات التعليمية الأخرى وربطها بالاطار الوطني للمؤهلات والتصنيف المعياري للمهن
4. تقليص مسارات التعليم إلى مسارين فقط المسار الأكاديمي والمسار المهني على أن يتم فرز الطلبة على هذين المسارين مع نهاية الصف العاشر من خلال إمتحان وطني خاص مع إبقاء الأبواب مفتوحة للتنقل بين المسارات التعليمية وفقا لشروط معينه وتحويل إمتحان الثانوية العامة في نهاية الصف الثاني عشر لإمتحان لقياس المعارف والقدرات لدخول الجامعات وتطوير أدوات قياس محددة مرتبطة بفحص الميول والرغبات لمساعدة الطالب على تحديد التخصص الذي يرغب الإلتحاق به
5. ضرورة إعادة النظر بأنظمة القبول في مؤسسات التعليم العالي والمؤسسات التعليمية الأخرى مع ضرورة عدم التعامل مع نتائج امتحان الثانوية العامة كمعيار أو متطلب وحيد للقبول في تلك المؤسسات
6. بناء وتطوير منظومة التعليم والتدريب المهني والتقني والتوسع بها أفقيا وعموديا وتمكينها من إستيعاب أعداد أكبر من الطلبة وذلك عبر إنشاء مراكز تدريب مهني جديدة والتوسع في التخصصات المهنية وتطوير هذه المراكز لتصبح أكثر جاذبية للطلبة وإستحداث تخصصات جديدة تتوائم وإحتياجات سوق العمل
7. متابعة الطلبة المتسربين من المؤسسات التعليمية وتوجيههم نحو التدريب المهني المستمر
8. تعزيز التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة في مجال الابتعاث الخارجي في التخصصات المهنية وأبرزها " ميكانيكا السيارات والمركبات بشكل عام، صيانة الأجهزة المنزلية، فنّيي البناء والانشاءات، الطاقة المتجددة، وغيرها"
إنني أعتقد أننا قد وصلنا إلى مرحلة حساسة جدا لا بد من الوقوف أمامها بكل مسؤولية والبدء الفوري في عملية تطوير منظومتي التعليم الأكاديمي والتعليم والتدريب المهني بمشاركة كافة الأطراف الحكومية والإقتصادية والأهلية وتحييد عملية التطوير عن جميع المناكفات السياسية والمصالح الحزبية أو الفردية والعمل على عملية التطوير وفقا لرؤى وطنية تأخذ بعين الإعتبار الواقع الفلسطيني والتفكير بعقول مفتوحة بعيدا عن أي من المحرمات الإجتماعية أو الفكرية. فمستقبل فلسطين مرتبط بعظمة شعبها وعظمة شعب فلسطين مرتبط بتفوقه العلمي والثقافي.