الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

صفقة القرن والرهان على الوقت

نشر بتاريخ: 20/02/2020 ( آخر تحديث: 20/02/2020 الساعة: 13:21 )

الكاتب: حسين سليمان رداد
لا يمكن قراءة بنود صفقة القرن بمعزل عن الفهم الاستراتيجي لطبيعة الصراع المتبلور بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فرغم ان هذا الصراع يحمل صبغة قومية عالمية ودينية نظرا للخصوصية التي تتميز بها فلسطين، الا ان هذه الصفقة لا تقدم حلولا وسطية تحمل في ثناياها تنازلات من قبل طرفي الصراع لتحقيق حل على قاعدة ( رابح ..رابح ) وان هذه الصفقة حسب ادعاء الامريكان تقدم أفكارا خلاقة ليست مطروقة وانها جاءت بعد ان ثبت فشل كافة المبادرات السابقة بذريعة ان كل الأفكار والخطط السابقة لم تكن واقعية ولم يـتم الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الملحة والوجودية لكلا الطرفين.
الصورة التي حاول مهندسو ومروجو الصفقة الصاقها بالفلسطينيين: " أنهم لا يضيعون فرصة في إضاعة الفرص"، يفرض سؤالا مدخليا، خاصة ان ما تعرضه هذه الصفقة هو اقل بكثير مما قدم من خطط وأفكار لحل هذا الصراع؛ هل تعتبر صفقة القرن فرصة يجب على الفلسطنيين التقاطها؟ فمجرد طرح السؤال قد يبدو للوهلة الاولى انه خروجا عن الاجماع الوطني ونمط من التفكير خارج السرب، لكن من وجهة النظر الواقعين، فان البيئية الداخلية الفلسطينية هي في اضعف حالتها وخاصة في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني والمحيط الاقليمي معقد ما يميزه ان كل دولة مهتمة بمشاكلها الداخلية وتحدياتها الخارجي وواقع دولي " احادي قطبي " ميهمن عليه من الولايات المتحدة الامريكية صاحبة الصفقة والحليف الاستراتيجي لاسرائيل، ومن وجهة النظر الاستراتيجية عندما يجتمع عنصر ضعف في البيئة الداخلية ومهدد في البيئة الخارجية فان هذه الحالة هي اخطر ما يمكن ان يعصف الدولة ويشكل خطرا عليها، في ظني: " ان صفقة القرن ستستمر قافلتها، رغم ان هناك تعويلا كبيرا من الأطراف على عامل الوقت في استمرار او رفض الصفقة، فلكل مبرراته وهواجسه.
مبررات الفلسطينيون في المسارعة برفض هذه الصفقة مستندة الى القناعة بأن هذه الصفقة لا تحقق الحد الأدنى من الحقوق التاريخية والتي اكدت عليها كافة الشرائع الدولية، اما الإسرائيليون فقد انفرجت اساريرهم لهذه الصفقة معتبرين أنها فرصة وتاريخية.
في دراسة متأنية لدوافع الأطراف من الصفقة، لا بد من الوقوف على جدلية الوقت خاصة في ضوء الفهم العميق للعقلية السياسية الإسرائيلية التي تعتمد استراتيجة الصراع الصراع الصفري والذي يرى انه لا دولة غير دولة واحدة غربي النهر، ونمطية التفكير عند الفلسطينيين وادراكهم ان ما يعرض عليهم في كل وقت لا يحقق العدالة وهي اشبه بشروط المنتصر على المهزوم.
يراهن الفلسطينيون على توقعات إيجابية يمكن ان تفرزها الانتخابات الإسرائيلية المزمع عقدها في الثاني من مارس من العام الحالي 2020 واحتمال تغيير الخارطة السياسية الإسرائيلية التي من شأنها ان تبعد نتن ياهو بحكومته اليمينية عن صدارة المشهد السياسي او نتيجة التحقيقات بقضايا الفساد ضد نتن ياهو والتي ستبدأ أولى جلساتها في السابع عشر من شهر مارس، مع التذكير ان المرشح الاخر ( غانتس ) قد اعلن قبوله بتطبيق صفقة القرن في حال تشكيله الحكومة، كما ينظر الفلسطينيون بعين من الترقب الى الانتخابات الامريكية التي سيتم اجراؤها في الثالث من نوفمبر من عام 2020 وما يمكن أن يرشح عنها من نتائج والتي لن تأتي بأسوء حالتها على الأقل بمواقف أكثر قساوة على الفلسطيينين مما تبديه الادارة الحالية برئاسة ترامب ،أما الرهان الأكبر الذي يعول عليه الفلسطينيون في رفض بنود الصفقة استمرار حالة توحد الشعب الفلسطينيين في كافة أماكن تواجده خلف قيادته السياسة والتي تخوض معركة دبلوماسية في المؤسسات الدولية رغم الانقسام السياسي والجغرافي في الأراضي المحتلة عام 1967، والرفض الشعبي العربي والإسلامي لخطوات بعض الأنظمة الناشزة والتي تهرول نحو التطبيع المجاني مع حكومة الاحتلال، أضافة الى عدم قدرة الولايات المتحدة وإسرائيل اقناع الفواعل الدولية الوازنه بتأييد هذه الصفقة، خاصة ان هذه الصفقة تخالف القانون الدولي والقررات الدولية والتي تحاول ان تخلق بديلا للمرجعيات السابقة التي اجمع عليه المنتظم الدولي، وربما يكون لكلمة " لا " هي كلمة السر والتي تمثل السلاح الاستراتيجي الذي يمكن أن يتسلح به الفلسطينيون بهذه المرحلة.
الامر الواقع هو ما اهم الاعتبارات التي يراهن الامريكان والإسرائيليون باجبار الفلسطينيين على قبول صفقة القرن، حيث تسعى اسرائيل وبشكل حثيث وممنهج وبدعم الامريكان على تكريس بنود الصفقة على الأرض، ليصبح امرا واقعا، حيث يتوقعون أن تبدأ المفاوضات بأي مرحلة لاحقا آخذة بعين الاعتبار هذا الثابت تحت شعار " نبدأ المفاوضات من النقطة الحالية "، ففي ظل عدم قدرة الفلسطينيون القيام بمبادرات تفرض امرا واقعا على الارض فان إسرائيل سوف تستمر بتنفيذ صفقة الوقت تدريجيا سواء قبل الفلسطينيون ام لم يقبلوا، وهذا ما قامت به - فعلا - أمريكا بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة في 6 ديسمبر 2017ونقل سفارتها اليها ، وقد ذكر ذلك الرئيس الأمريكي صراحة حين اعلن الصفقة في الثامن والعشرين من يناير 2020، من انه اذا لم يقبل الفلسطينيون الصفقة فان الحياة سوف تستمر، وهذا ما تؤكده مسارعة تشكيل لجنة رسم الحدود الامريكية الإسرائيلية والتي تبحث اليات ضم الاغوار والمستعمرات لإسرائيل.
انهيار الاسانيد التقليدية للفلسطينين هو اخطر ما يواجهه الفلسطينيون في صراعهم ، فعلى مدار سنوات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تبلور فسطاطين أيديولوجين احدهما مناصر للقضية الفلسطينية ويمثله الدول العربية والإسلامية وبعض القوى الحرة، وفسطاط أخر شكل السند والمناصر والحليف الاستراتيجي لاسرائيل متمثلا بالمسيحية الصهيونية والذي تحمل لواءه الولايات المتحدة الامريكية وخاصة الادراة الحالية، ومن الملاحظ ان أمريكا وإسرائيل تحاولان تغيير قواعد اللعبة باستغلال التغيرات الدولية والإقليمية وخلخلة السند التقليدي للفلسطينين من خلال إقامة علاقات اقتصادية او أمنية او حتى لقاءات مفاجئة او مبرمجة مع رموز هذه الدول، مما يدخل الإحباط في صفوف الفلسطينيين وهذا الامر من شأنه حسب توقعاتهم ان يجعلهم يقبلون بما يعرض عليهم، وهم ما دأب الإسرائيليون عبر ابواقهم الإعلامية والسياسية من كي الوعي الدولي والإقليمي عبر مقولة ان الفلسطينيون لا يحسنون استغلال الفرص وانهم في كل مرة يرفضون عرضا مضطرون لمناقشة عرض اقل، حيث تم أعادة انتاج مقولة أبا ايبان التي قال فيها: ان الفلسطينيون لا يضيعون فرصة إضاعة الفرص.
استراتيجية الضربات المتتالية ضد الفلسطينين التي تتبناها أمريكا في الآونة الاخيرة والتي بدأت باغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ووقف الدعم المالي ومنع المعونات المقدمة للمستشفيات في القدس وإيقاف تنفيذ المشاريع في البنى التحتية والاعتراف بالقدس موحدة لإسرائيل وإيقاف الدعم للانوروا، واستمرار الضغط السياسي والاقتصادي على الفلسطينيين وتعزيز الانقسام بطريقة مباشرة عبر التعامل مع غزة وكأنه كيان منفصل وغير مباشرة عبر وكلائها المحليين والاقليميين تحقيق الوحدة السياسية والجغرافية باستمرار النفث في كير الانقسام، كل هذه الإجراءات وغيرها لا تعطي الفرصة للفلسطينيين التقاط الأنفاس وهذا من شأنه حسب اعتقادهم ان يقبلوا الصفقة كرها ان لم يقبلوها طوعا.
صفقة القرن وغيرها من محطات الصراع مع اسرائيل تؤكد على حقيقة مهمة : ان العرب عموما والفلسطينيون خصوصا يديرون الازمات ويتعاملون ورد الفعل وافتقار المبادرات وقد يكون عذرهم محدودية الخيارات والبدائل؛ في حين يعتمد اطراف الصراع الاخرى على البناء الاستراتيجي، وهذا يستدعي الاهتمام ببناء الاستراتيجيات الذكية؛ فالصراع الفلسطيني- اسرائيلي هو صراع استراتيجي يجب ان تكون ادواته استراتيجية، " فهناك فرق كبير بين من يخطط ومن يخطط له".