الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

ستة أفلام عربية تعرض في القدس المحتلة جسر ثقافي ام تطبيع؟

نشر بتاريخ: 23/02/2020 ( آخر تحديث: 23/02/2020 الساعة: 14:45 )

الكاتب: د. علي الأعور

لم ينحصر الصراع السياسي بين الفلسطينيين والحركة الصهيونية في الحدود والأرض بل تعداها الى صراع ثقافي حضاري وقد لمسنا ذلك عام 1948 عندما هدمت ودمرت إسرائيل ما يزيد على 418 قرية ومدينة فلسطينية وهذا باعتراف موشيه ديان نفسه في تصريح له مع صحيفة هارتس عام 1969 قائلا " كل كيبوتس او مستعمرة إسرائيلية تم اقامتها على انقاض قرية عربية ولا وجود لكتب الجغرافيا"
وفي الآونة الأخيرة شاهدنا كيف يتم ممارسة الدبكة الشعبية الفلسطينية من قبل فرق موسيقية إسرائيلية على اعتبار ان الدبكة الفلسطينية هي جزء أيضا من الثقافة اليهودية و كذلك الثوب الذي لبسته وزيرة الثقافة الإسرائيلية ( ميري رغيف ) في مهرجان كان السينمائي ومرسوم عليه قبة الصخرة المشرفة يعكس مدى أهمية وقوة الصراع الثقافي بين إسرائيل والفلسطينيين .
وفي الأشهر الأخيرة رصدت وزيرة الثقافة الإسرائيلية مبلغ ثماني مليون شيكل لإنتاج أفلام سينمائية في المستوطنات في الضفة الغربية من اجل دمج المستوطنات ومنحها الشرعية السياسية في الإنتاج الثقافي الإسرائيلي.
وبعد اعلان صفقة القرن المشؤومة في البيت الأبيض ايقنت إسرائيل بان الثقافة هي الجسر السياسي الذي يمكن بناءه لربط إسرائيل بالوطن العربي من المحيط الى الخليج وبدأت في رسم سياسات وانشطة لتطبيق صفقة القرن مع الدول العربية .
وعبر صفحة وزارة الخارجية الإسرائيلية الرسمية باللغة العربية نشرت الوزارة منشورا أفادت فيه يوم العاشر من شباط الجاري "بانه سيتم عرض أفلام عربية من مصر والسودان وتونس والمغرب والجزائر ولبنان في مهرجان سينما الشرق الأوسط الذي سيقام في مدينة القدس المحتلة وأضافت الخارجية الإسرائيلية في بيان لها وزعته على وسائل الاعلام " ان هذا المهرجان يمثل جسر ثقافي سوف يربط بين إسرائيل ودول الشرق الأوسط " في إشارة الى الدول العربية ودول المنطقة العربية لان مصطلح الشرق الأوسط في العلوم السياسية يشمل الدول الواقعة من ايران وتركيا الى مصر و العراق ودول الخليج ومصر و دول المغرب العربي وربما يصل الى الباكستان حسب تعريف بعض الفلاسفة السياسيين الذين يرتبطون بالاستشراق وخلفياته الاستعمارية.
وهنا يبرز السؤال المركزي: هل فعلا عرض الأفلام الستة من الدول العربية وبحضور عدد من المخرجيين والمخرجات السينمائيين العرب يمثل جسر ثقافي يربط إسرائيل بالدول العربية؟ ام ان عرض الأفلام العربية والمهزلة الفنية التي حصلت تدور في اطار تطبيق صفقة القرن وتمثل التطبيع العربي مع إسرائيل من نوع اخر يتمثل في الثقافة والفنون والآداب واللغة؟؟
اعتقد ان الإجابة تدور وتتمحور في اطار هذا التحليل والعرض للأفلام العربية وأسماء المخرجيين والمخرجات الذين يهرولون الى القدس المحتلة واستهتارا بالشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية والثقافة الفلسطينية والهوية الفلسطينية على الرغم من اعلان الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية التي تؤكد على ان القدس الشرقية هي إقليم محتل ويمنع على إسرائيل اية نشاطات من شأنها ان تغير المعالم الثقافية والحضارية والهوية العربية الفلسطينية للقدس المحتلة.
وبينما كانت اول طائرة إسرائيلية تعبر فوق الأجواء السودانية نحو التطبيع تم عرض يوم اول امس ضمن مهرجان سينما الشرق الأوسط في القدس المحتلة فيلم " حديث عن الأشجار" للمخرج السوداني " صهيب عبد الباري " وعلى الرغم انكار المخرج بمعرفته عن عرض الفيلم في القدس المحتلة واعلانه انها عملية قرصنة تمت ضده وتم عرض الفيلم بدون معرفته، الا انه في النهاية تم عرض الفيلم بواسطة وتنسيق مع جهات سودانية فنية أخرى.
و قام عدد من المخرجيين السينمائيين في الدول العربية بعرض افلامهم في المهرجان وخاصة عرض الفيلم المصري " المومياء والذي يحتل المرتبة الثالثة بين افضل 100 فيلم مصري ويتحدث عن الاثار المصرية وفترة الفراعنة وسرقة تلك الاثار وهو من اخراج " مصمم الديكور المعماري شادي عبد السلام ، وتم عرض الفيلم الجزائري " مازلت اختبئ لكي ادخن" للمخرجة من أصل جزائري ريحانة أبريمار " وهومن إنتاج شركة ”كيجي” الفرنسية و المخرج ميشال غافراس" ومن المعروف ان هذا الفيلم ساقط وينقل مشاهد جنسية وتعري في الحمام وبعيد عن الثقافة والهوية العربية وهو مستمد من حياة المخرجة الجزائرية التي ولدت وعاشت في فرنسا ولا علاقة لها بالهوية الجزائرية ومن المعروف ان الفيلم يمنع عرضه في الجزائر .
وشارك أيضا في المهرجان الفيلم السوري بعنوان " في سوريا" "للمخرج فيليب فان لو " بالإضافة الى الفيلم التونسي " بلوز عربي " للمخرجة منال العبيدي " وفيلم اللبناني زياد الدويري بعنوان " القضية 23 " والذي تمنى هذا المخرج اللعين " ودعا الرب بان يمحو شارون الفلسطينيون عن وجه الارض"
وقد شارك في مهرجان سينما الشرق الأوسط في القدس المحتلة بإشراف وزارة الخارجية الإسرائيلية عدة مخرجين ومخرجات سينمائيين عرب اشهرهم المغربية " مريم بن مبارك" والجزائرية ريحانة والتونسية منال العبيدي والى جانبهن من الذكور المخرج السوداني " صهيب جاسم الباري " واللبناني " زياد دويري"
انا باعتقادي ان هذه الأفلام العربية والمخرجيين والفنانين الذين حضروا مهرجان سينما الشرق الأوسط في القدس المحتلة بإشراف وزارة الخارجية الإسرائيلية جاءوا بشكل فردي وبمبادرة منهم وبدون تنسيق مع دولهم وحكوماتهم وبالتالي يبحثون عن جائزة هنا او هناك او يبحثون عن صكوك غفران من تل ابيب لحصولهم على جوائز مالية او وجودهم في تل ابيب والقدس المحتلة يمنحهم الشهرة على حساب القدس والشعب الفلسطيني والثوابت الوطنية الفلسطينية وقرارات الشرعية الدولية .. من هنا فإنني اعتقد بان هذه المهزلة الفنية تدور في اطار صفقة القرن وتمثل تطبيع ثقافي وفني مع إسرائيل لتحقيق مكاسب فردية ومصالح شخصية.
اعتقد بان الجسر الثقافي الذي يربط إسرائيل بالمنطقة العربية ومنظومة الشرق الأوسط هو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني السياسية والثقافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقا لما اقرته هيئة الأمم المتحدة ومحكمة لاهاي الدولية عام 2004 عندما اقرت بان الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية هي أراضي محتلة ويمنع فيها أي تغييرات سياسية او ثقافية او ديموغرافية وبالتالي فان الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية في حدود الرابع مع حزيران عام 1967 الى جانب إسرائيل هو تأشيرة الدخول لإسرائيل الى المنطقة العربية وليست صفقة القرن وليسوا بالتأكيد مجموعة من المخرجيين السينمائيين العرب.