الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

اليوم السابع إنتصرنا سايكولوجيا وفي الثامن نخشى بيولوجيا

نشر بتاريخ: 12/03/2020 ( آخر تحديث: 12/03/2020 الساعة: 15:19 )
اليوم السابع إنتصرنا سايكولوجيا وفي الثامن نخشى بيولوجيا
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
في اليوم السابع على بيت لحم تحت الحظر ، إعتاد السكان على هذا الحال ، وربما يألف الناس مشهد الشوارع خالية من المارة ومن المركبات . إعتادوا عدم الذهاب الى العمل وإعتادوا تعطيل الجامعات والمدارس ,,, سيارات النقل العمومي باللون الأصفر غابت عن الطرقات وهذه حالة نادرة جدا ، فهم بالعادة لا يستسلمون بسهولة ولا يردعهم أي خوف .

في ساعات النهار تجد بعض المركبات الخصوصية تسير وسط دوريات الامن الوطني ، وربما تشاهد بعض التجمعات لأقل من خمسين شخصا .. ولكن في الليل تبدو المدن الثلاثة في محافظة بيت لحم موحشة جدا ، ولولا وجود حواجز الأمن الوطني وشبان الشرطة والاجهزة الأمنية لكان المشهد أكثر سوءا .

شاهدت بعض الأصدقاء والمعارف يرتدون الكمامات ، عرفت بعضهم بسهولة وتطلب الأمر وقتا أكثر لأتعرف على الباقيين . قلت في نفسي الحمد لله أنها مجرد كمامات ، ولو كان الأمر يقتضي أقنعة كيماوية وبيولوجية لما عرفنا بعضنا البعض . لم أتعرف على بعض جيراني الا من خلال أصواتهم حين نطقوا . ولكن لو كانت أقنعة بيولوجية لما عرفنا بعضنا البعض .
 قائد المخابرات في بيت لحم العقيد سليم القيسي يتابع مع الغرفة التجارية بالخليل صناعة كمامات متطورة لمواجهة الكورونا . قلت له أعجبني دور المخابرات الجديد ،في حديثي مع قائد المخابرات الوزير ماجد فرج " وهو من بيت لحم أيضا " لفت إنتباهي أن مخابراتنا تتابع القسم البيولوجي مع دول العالم من خلال العلاقات غير المرئية. وقلت له : يخطر ببالي للحظة أن عالم فلسطيني من الأرض المحاصرة وتحت الاحتلال يكتشف علاجا للكورونا ..

 أعتقد أن نتانياهو سيموت بالجلطة حينها من شدة الغيظ  .
الخليل أثبتت خلال هذه الازمة أنها الشقيقة الكبرى لبيت لحم من دون منازع .. رجال مقام وليسوا مجرد رجال مقال .

لاول مرة ألاحظ أن أهل البيت قلقون من وجودي بينهم لأنني اخرج كل يوم وأقترب من الاطباء والمرضى وأصحاب الفنادق . إشتقت لحفيدتي وطلبت منهم إحضارها فورا كي أغمرها بلهفة . لكن أولادي نصحوني ان أشاهدها من بعيد دون عناق , لم أتخيل أن اكون في هذا الموقف أبدا ,, دارت مفاوضات شاقة وأعربت فيها عن موافقتي على شروطهم الظالمة . ولكنني حين شاهدتها ومدت يديها الصغيرتين نحوي وضحكت ، نقضت الاتفاق وإنقلبت على بنوده وإستخدمت قوتي ونفوذي في المنزل لفرض مفاوضات جديدة ,, عانقتها وسط إستهجان عائلتي .. ولكنني لم أكترث على طريقة أن ( القوي عايب ) . إستعادوها من بين يدي قبل أن " أشبع "منها .. أخذوها من بين يديّ بطريقة كوميدية ، لكنني أعرف انها تراجيديا ولا يمكن أن تكون كوميديا .

في اليوم السابع المعنويات عالية ونحن نشاهد ابراهيم ملحم عبر شاشة تلفزيون فلسطين يعلن أنه لا اصابات جديدة .. ذهبنا الى النوم ونحن نعتقد اننا سبقنا الصين والهند والسند وايطاليا وفرنسا وتل أبيب .

صباح اليوم الثامن ومثل كل يوم . أبداه بإتصال هاتفي مع رئيس جمعية الفنادق الياس العرجا للإطمئنان على سلامة المصابين داخل الفندق والاخبار مطمئنة والحمد لله لم تظهر الأعراض على النزلاء ، محافظ سلفيت الصديق المناضل اللواء عبد الله كميل يرسل 2 طن زيت من أهالي سلفيت الى أهالي بيت جالا ,, شاحنات الدعم تصل من رام الله ، الخليل ( الأخت الكبرى لبيت لحم ) تغطي كافة إحتياجات المحافظة من أدوات التعيم والكمامات وبدلات العزل . ولكن نبأ وقوع إصابة جديدة لفتاة عشرينية من بيت جالا كان نكسة على اليوم السابع .

على الهاتف د. احمد براك رئيس هيئة مكافحة الفساد يطمئن علينا وعلى الاهل ( له منزل في بيت لحم ونتعامل معه على أنه من أبناء البلد ) , وبينما هو يحاول رفع معنوياتنا خطر ببالي لو أنه يستطيع مكافحة كورونا مع الفساد , وأن تصبح هيئة مكافحة الفساد وكورونا !!

الأنباء من داخل اسرائيل تدل على أن الوباء ينتشر ، نحو ربع مليون عامل فلسطيني يعبرون يوميا الخط الأخضر ويعتمدون في رزقهم على العمل اليومي . تعطيل الطيران من أمريكا الى أوروبا . المئات من الاصابات في القارة العجوز .

الانتصار السايكولوجي لا يكفي .. ومن أجل أن ننتصر نحتاج الى إنتصار بيولوجي . دعوات عديدة من كبار المثقفين للسلطة لفرض حظر التجوال على المحافظة وعدم الانتظار أكثر .. السلطة كانت أكثر عقلانية من هذه الدعوات الحادة ، فنشرت الحواجز ومنعت الاختلاط من دون ان تفرض حظر التجوال .

منذ عشرات السنين لا يفرض علينا حظر التجوال الا الاحتلال .... علينا ان نراعي الجانب المعنوي في الأمر ..
الفنان المحبوب يعقوب شاهين يرتدي زيا عسكريا ويقوم بتوزيع الاسناد والهدايا على رجال الامن الوطني على الحواجز .. 

لم تعد الاتصالات من المحافظات الاخرى تصلنا بكثرة مثل الايام الأولى .. يبدو أنهم ينشغلون في هموم كورونا ومع وصوله الى باقي المحافظات ...

ذات يوم كتب محمود درويش وهو في حصار بيروت :

تعال يا جندي حدثني عن الشرطيّ:

هل أوصلت أزهاري إلى الشبّاك ؟

هل بلّغت صمتي للذين أحبّهم و لأول الشهداء؟

هل قتلاك ماتوا من أجلي و أجل البحر ...

أم هجموا عليّ وجرّدوني من يد امرأة

تعدّ الشاي لي و النّاي للمتحاربين ؟

و هل تغيّرت الكنيسة بعدما خلعوا على المطران زيّا عسكريا؟

أم تغيّرت الفريسة ؟

هل تغيرت الكنيسة

أم تغيّرنا؟