الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الكورونا في زمن الاحتلال

نشر بتاريخ: 28/03/2020 ( آخر تحديث: 28/03/2020 الساعة: 20:22 )

الكاتب: السفير حكمت عجوري

التعامل مع جائحة الكورونا في فلسطين يعكس حالة من الابداع في التفكير القيادي الفلسطيني تُرفع له القبعات حيث مكن فلسطين من التغلب على الاعاقات التي قد تسببها الامكانيات الصحيه المتواضعه المتوفره لفلسطين كدوله ترزح تحت احتلال عنصري احلالي ابدع هو ايضا (الاحتلال) ولكن في مجال خداع العالم بالادعاء المتواصل بما ليس فيه.

من هنا نرى ان الابداع القيادي الفلسطيني في محاصرة الفيروس ولجم انتشاره يشجعنا ويثير فينا رغبة في تحفيز هذا الابداع في مجال اخر وهو انهاء الاحتلال بخلق وسائل ناجعه لتعرية هذا الاحتلال امام العالم بطريقه تجبره على الرحيل مستغلين بذلك هشاشة البنيان الاخلاقي لهذا الاحتلال الذي اثبت انه وجه اخر لفيروس الكورونا .

استمرار السكوت الفلسطيني على الامر الواقع بعد ان اصبح مزيج ما بين مرحلتيين، ما قبل اغتيال رابين وما بعدها وتحديدا مرحلة حكم النتن ياهو منح الاخير ادوات استمرار في الحكم بالرغم من ظلامية برنامجه الانتخابي المدمر لعملية السلام كما جاء في كتابه "مكان تحت الشمس" سنة 1993 ، الذي اصبح برنامجه الانتخابي الدائم الذي أعاد انتخابه لمره خامسه بالرغم من تجريم المحكمه له بثلاثيه وسخه انظفها الفساد، بدليل تمكن حزبه من الحصول على اعلى نسبة تصويت في انتخابات الثاني من اذار، اضافة الى تمكنه ايضا من الانتصار في معركة الحنكه السياسيه التي اشتعلت وعلى طوال العام المنصرم بينه وبين منافسه الوحيد غانتس الذي اثبت بغباءه من ان العسكر لا يصلحون للسياسه مهما بلغ عدد النياشين التي يزينون بها صدورهم، بالرغم من نجاح الحاله الرابينيه الذي يبدو انها كانت طفرة سياسيه في عالم العسكر .

ما سبق يؤكد على ان النتن وغانتس ليس وجهان لعمله واحده وانما هما مكملين لبعضهما البعض من اجل تعزيز نظام الفصل العنصري على ارض فلسطين التاريخيه.

وقوع غانتس في فخ النتن ياهو منح الاخير فرصه اكبر في العودة لفتره حكم خامسه وربما سادسه والاهم في انه منح النتن طوق نجاه من براثن المحكمه التي كادت ان تطبق على رقبته وتنهي حياته السياسيه التي قضاها في بناء حائط من الخوف سجن خلفه كل الاسرائيليين مستخدما بذلك كل مواد غسيل الدماغ كالمحرقه النازيه مضيفا عليها مادة الاغيار وسم العنصريه.

عودة النتن لاتعني فقط دوام الحال الماساوي في فلسطين من احتلال واستيطان وامتهان لكرامة الشعب الفلسطيني وانما في استشراء الخوف وسيطرته داخل المجتمع اليهودي في اسرائيل وبالتالي توسيع جبهة الرفض الاسرائيليه لاي امكانيه لقيام دوله فلسطينيه كما ارادت لها وكما اقرتها الشرعيه الدوليه.

ما ذُكر انفا يشجعنا للعودة لموضوعنا في تحفيز الابداع الفلسطيني من اجل الخروج على الامر الواقع والبحث عن بدائل لاسلحة اضعف الايمان المتمثله بالسباب والرفض اللفظي غير المشفوع بفعل كونها تتماهى مع القبول في فلسفة التحرير، اضافة الى انها جُرِبَت وفشلت في زحزحة النتن ياهو قيد انمله عن مواصلته في مخططه في بسط سيطرته على البلاد والعباد في اطول مدة قضاها في الحكم اي رئيس وزراء اسرائيلي اخر متذرعا بالتفاوض كسلاح سحري اجمع عليه العالم كله كممر وحيد واجباري نحو انهاء نزاع كان وما زال سببا في عدم استقرار المنطقه ، دون ادراك من هذا العالم بتمكن النتن من تفريغ هذا التفاوض كما اوسلو من اي محتوى ذو قيمه تفضي لانهاء هذا النزاع حتى ولو بعد مائة سنه.

ما نقوله ليس رفضا ولا استعداءا للمفاوضات كمبدأ وانما رفضا لمرجعية اية مفاوضات لا تلتزم بضوابط الشرعيه الدوليه وقوانينها فما بالنا هذه المره بمفاوضات مرجعيتها صفقة ترمب وهو ما يجعل من هذا التفاوض املاء من اجل التبعيه والعبوديه.

التفاوض اسلوب حضاري معتمد انسانيا لانهاء اي نزاع مهما طال ومهما كبر ولكن نجاح التفاوض يعتمد على النديه بين الاطراف المتنازعه وهذا ما افتقر له المفاوض الفلسطيني طيلة مراحل التفاوض مع زبانية النتن ياهو وذلك على عكس ما حصل زمن الانتفاضه الاولى التي عبدت الطريق لانسحاب اسرائيل من المدن الفلسطينيه وعودة اكثر من نصف مليون فلسطيني الى حضن الوطن تمهيدا لقيام الدوله المستقله التي منع قيامها تغييب رابين بالاغتيال لننتهي بدلا من ذلك بانتفاضه ثانيه لم تحقق شيء كونها انفجرت كردة فعل سريعه غير مدروسه بسبب ادراك متاخر من قبل القياده الفلسطينيه في حينه بان اسرائيل دوله مارقه لا تحترم اي اتفاق حتى ولو كان العالم كله شاهد عليه.

عسكرة الانتفاضه الثانيه وعلى عكس ما اعتقد البعض افرغها من اهم ادوات نصر الانتفاضه الاولى وهي النديه التي اختفت بمجرد محاولة عسكرتها لان عسكرة الانتفاضه حولتها الى حرب كلاسيكيه خاليه من اي ابداع، جنود مقابل جنرالات وكلاشنكوف مقابل ميركافا وطائرات اف 16 ولم تكن حرب عصابات كونها داخل سجن مغلق برا وبحرا وجوا .

كما ان تزويدنا لاسرائيل باكثر من مائه وخمسين الف يد عامله فلسطينيه حتى وان كنا مكرهين احال النديه الى تبعيه كونه تعويض عن غياب نفس العدد من الجنود الصهاينه الذين يعملون كادوات جريمه احتلاليه تقتل وتجرح وتهين الفلسطينيين وتعزز من تغول الاستيطان الذي ما زلنا نشكوا امره لمنظمة الامم المتحده.

الابداع الفلسطيني اصبح اكثر ضرورة ازاء هذا التجديد لحكم الفصل العنصري في اسرائيل ، ابداع من اجل وقف البناء الاستيطاني وتنمية الاقتصاد الاسرائيلي بادوات فلسطينيه. ما حصل مؤخرا بحق العمال الفلسطينيين وطردهم بعد اصابتهم بكورونا اسرائيليه دون ادنى مبادره انسانيه لفحصهم او علاجهم بالرغم من كل ما يقدموه لتنمية الاقتصاد الصهيوني ، هو ما يجب ان نضعه نصب اعيننا شعبا وقياده ونحن نواجه هكذا احتلال غير انساني.

الانتصار الابداعي لشباب فلسطين في جبل العرمه كان مدعاه للفخر و لا بد من ان يكون منارة نستنير بها ومادة للبحث في مجال الابداع الفلسطيني من اجل فك قيود الامر الواقع كافراز اوسلوي بعد ان اصبح امر الغاء هذا الاتفاق وعلى ما يبدو ليس بالامر السهل لما في ذلك من تبعات لا يمكن تحملها على الصعيدين المحلي والدولي. هذا الابداع اصبح ضروره بغض النظر عن من يحكم في اسرائيل طالما هناك احتلال واستيطان وضم. وكما تم طرد المستوطنين وجيشهم من الجبل سيتم بمشيئة الله وبهكذا اراده طردهم عن كل شبر اقرته الشرعيه الدوليه لدولة فلسطين.