الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاحتلال وعنجهية القفص؟!

نشر بتاريخ: 12/02/2018 ( آخر تحديث: 12/02/2018 الساعة: 16:10 )

الكاتب: وليد الهودلي

هل هناك في هذا العصر من يصنع اقفاصا للبشر؟ عندما يسافر الاسير الفلسطيني عبر البوسطة اللعينة ويدركه المبيت وسط الطريق فانهم يزجّوه فيما يعرف "بمعبار الرملة"، هناك يبيت الاسرى في الزنازين وهم منهكون من سفر مضن يجعلهم جائعين للاكل والنوم وكل شيء، تخور قواهم على ابراش حديدية ليبيتوا ليلتهم في كوابيس البوسطة والامها .. الساعة الرابعة صباحا تأتي زبانية البوسطة وهم شداد غلاظ لا أثر في وجوههم لاي خير .. يخرجون الاسرى من الزنازين الى ساحة تحيطها مجموعة من الاقفاص كل قفص يتسع الى قرابة عشرين أسيرا ..
تنظر الى هذه الاقفاص فلا يتبادر الى ذهنك سوى حديقة الحيوانات "أعزكم الله" .. ثم ما تلبث الى ان تصبح أحد عناصرها .. فكرتهم الجهنمية هذه هي : كيف تكون البضاعة جاهزة لنقليات البوسطة .. البضاعة هم المعتقلون ..إنهم مجرد بضاعة لا أحاسيس ولا مشاعر ولا صلة لهم ببني البشر، يجوز للمحتل أن يفعل بهم ما يشاء، وتتفتق عن عقليته المتحضرة هذه الافعال طالما ان الطرف الذي يدخل ماكينة عذابه ليس من جنسه.
ويمكث الاسير في قفص من هذه الاقفاص ساعتين او ثلاثة وهو مطعون في انسانيته ينزف ألما يترقب الخلاص من هذا الامتهان، فينتقل لتتدافعه الزبانية الى حيث عذاب من لون آخر، الا أنه أقل امتهانا لكرامته من هذه الاقفاص.
ولا بد من التعريف بشرطة البوسطة حيث تجد كتل بشرية تتحرك بصورة آلية ومبرمجة على القمع والتعامل مع الاسرى على أنهم خردة بشرية يراد نقلهم من مكان الى أخر دون اي اعتراض او ادنى نقاش ، متبرمون عاقدوا الحواجب ولا تتحرك ملامح وجوههم الا بقسوة وغلظة .
وتوجد مثل هذه الاقفاص في بعض المعتقلات مثل النقب ومجدو وعوفر منتشرة عند مداخل هذه المعتقلات وعند عيادة السجن حيث ينتظر المعتقل عدة ساعات في القفص يكتوي بنار هذا الامتهان لكرامته وانسانيته . لم يسلط الضوء على هذا الانتهاك الخطير كما حظيت انتهاكات كثيرة ، آن الأوان أن نسلط الضوء على هذا الاسلوب الهمجي في التعامل مع أسرانا وأن نفضح هذه العقلية الاجرامية التي يحتل فيها القفص مكانا عميقا وجوهريا في التعامل مع الفلسطيني .
لا تنظر هذه العنجهية الصهيونية الى الفلسطيني الا وهو داخل قفصهم المقيت ولا تريد له ان يخرج منه ، ليس في السجون فحسب وأنما هو منهجية تفكير تطغى على عقولهم ، لننظر كيف يقولون عن فلسطين والفلسطينيين : "المناطق الفلسطينية" ، مصطلح يدل على عقلية الاقفاص ، معازل عبارة عن اقفاص يتواجد فيها الفلسطينيون ، لننظر الى الحواجز ونقاط التفتيش وتقسيم الضفة بطريقة تنم عن عقلية الاقفاص ، لننظر كيف صنعوا في قطاع غزة حيث تحول الى قفص كبير يعيش فيه الفلسطيني ، لننظر الى الممنوعين من السفر لا يريدون لهذا الفلسطيني ان يغادر القفص ، القدس اصبحت قفصا وزيارة الاقصى للفلسطيني يخضع لاجراءات تضمن خروجه من القفص قبل دخوله اليه ، اتفاقية اوسلو كان لها ان تتمخض أخيرا الى ان يتمدد الاستيطان على حساب حشر الفلسطينيين في القفص السياسي الضيق والاقتصادي الاكثر ضيقا .
الاقفاص هي عنجهية الاحتلال وليست في السجون فحسب وانما هي نمط استعماري يريد فيه المستعمر لنفسه ان يكون مطلق اليد بينما من يقع تحت سطوته فليس له الا القفص .