الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الانقسام بين الايمان المزيف والفساد

نشر بتاريخ: 13/02/2018 ( آخر تحديث: 13/02/2018 الساعة: 19:49 )

الكاتب: السفير حكمت عجوري

بعد مرور اكثر من 10 سنين على حكم حماس لقطاع غزة علّق المهندس انطونيو غوتيرش امين عام الامم المتحدة وهو الاكثر اطلاعا بحكم مسؤوليته الاممية بقوله ان غزة ستصبح غير قابلة للحياة بعد اربع سنين او في عام 2022 واعتقد ان قوله هذا على درجة عالية من الدقة بدليل أن اسرائيل التي دمرت غزة بثلاثة حروب ونيف واستمرارها في حصارها غير الانساني شرعت مؤخرا في جمع التبرعات لاهلنا هناك بعد ان اصبح الذين يعيشون تحت خط الفقر اكثر من 80% والمعروف ان سياسة اسرائيل تجاه غزة هو الابقاء عليها حيه ولكن على حافة الموت.
وعلى ضوء الحديث عن حرب رابعة او بالاحرى خامسة على غزة والتصعيد في الجبهة الشمالية جاء رد فعل احد اخواننا في غزة بعد ان بلغ به اليأس ما بلغ قال "حرب تشيل البدري والوخري وتغير الحال للاحسن" (معا).
الحال في الضفة ليس افضل بكثير مع ان الناس هناك يعيشون زهوة التحرر والسيادة والانتعاش الاقتصادي ولكن في احلامهم فقط اما في الواقع فحال الغالبية هناك اكثر مرارة مما هو عليه في غزة خصوصا وان جنود الاحتلال يدوسون على كرامتهم في كل يوم وكل ليلة وحالة الفقر ربما افضل ولكن بسبب قروض البنوك.
هذا النوع من الانتعاش الاقتصادي الوهمي في الضفة المحتلة خلق حاضنة للفساد بدلا من ان تكون حاضنة للنضال اذ ان حديث الشارع في الضفة يدور حول الفاسدين وسارقي اموال الشعب ويراهم الناس يصولون ويجولون وعلى عينك يا تاجر وان المبالغ التي يتم الحديث عنها صادمة. (على ذمة الشارع).
هذه حصيلة اكثر من خمسين سنة من النضال بكل اصنافه وايدولوجياته من اليسار واليمين والوسط ليضاف اليها بعد ذلك ايدولوجية اخرى في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي وهي الاسلامية التي جاءت وكلها عزيمة لتكون بديلة عن كل ما ذكر على اعتبار انها ايدولوجيات علمانية.
طبعا هذه الايدولوجيات اختصرت في ايامنا هذه في حركتي فتح وحماس وكنت اتمنى ان اقول انهما الافضل الا أن واقع الحال يمنعني بعد ان ثبت ان هاتين الحركتين هما المسؤولتين عن هذا الوضع المزري الذي وصلنا اليه بسبب عشق الحركتين للحكم حتى لو كان تحت بساطير الاحتلال.
حماس كما قال خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي السابق استهوت الاستفراد بالحكم "مزهوة بالقوة وشرعية الاغلبية" علما انها حصلت على هذه الاغلبية ليس حبا بحماس ولكن كرها بفتح وبأصوات المغلوبين على امرهم من ابناء فتح بعد ان بلغ سيلهم الزبى من ممارسات خاطئة لبعض من الفتحاويين او من المنضوين تحت لوائها الذين وجدوا انفسهم في مواقع قيادية أساؤوا ادارتها .
الامر الذي ولد كرها ليس لفتح فقط وانما لكل العائدين الذين اصبح ينظر لهم من اهل المدينة وكأنهم صهاينة جدد وليس من المهاجرين العائدين. كل ذلك بسبب الفساد الذي مارسه هؤلاء من رشى واختلاسات الامر الذي وجدت فيه حماس حصان طروادة الذي مكنها من شرعية الاغلبية في الانتخابات الثانية في عام 2006 بعد ان رفضت المشاركة في الانتخابات الاولى في عام 96 بدعوى انها انتخابات اوسلوية بينما الحقيقة ان حماس كانت تعلم انها لن تحصل على ما تريده من تلك الانتخابات وهي اغلبية البديل لان قانون اوسلو حكم كل شيء وليس الانتخابات فقط والى يومنا هذا.
بايمان مزيف حلل بعض من قادة حماس باسم الاسلام ما حرمه الاسلام وهو قتل الفلسطينيين من ابناء فتح بحيث قتلت منهم اكثر مما قتلت من الصهاينة سارقي ارض فلسطين ولست هنا بصدد ان اخوض في كم ونوع الجرائم التي ارتكبت باسم الاسلام والكل ما زال يذكرها وبالخصوص اهلنا في غزة وذلك من اجل الاستفراد في الحكم.
في حديث مصور لاحد قيادات حماس البارزين يقول انه طلب من شيمون بيريز ومن رابين بعد ان التقى بهما في ايام ما قبل قيام السلطة ان تخرج اسرائيل من غزة والضفة تكون وديعة لمدة ستة اشهر بيد اي كان الا منظمة التحرير علما انها كانت في حينه تحوز على اعتراف العالم كله بتمثيلها للفلسطينيين. زيف ايمان هذا الرجل وامثاله لم يوقفهم عند هذا الحد بل تمادوا في غيهم حتى بعد ان ثبت له وامثاله ان ما طلبه من زعماء اسرائيل هو ما كانت ستحصل عليه منظمة التحرير من خلال اوسلو لولا سلسلة العمليات التفجيريه التي خططوا لها في تسعينيات القرن الماضي من اجل افشال المنظمه وفتح على امل ان يكونو بديلا, فشلوا في حينه ولكنهم نجحوا في افشال اوسلو بعملياتهم التي مهدت الطريق لليمين الصهيوني للوصول للحكم بعد ان تم التخلص من رابين الذي كان مكتبه بالنسبة للمذكور وقبل اوسلو آمنا كبيت ابي سفيان (اعترف بذلك صوتا وصوره).
من الناحية الاخرى لا بد وان نعترف ان حركة فتح العمود الفقري لمنظمة التحرير وصاحبة الطلقة الاولى كانت قد ارتكبت خطيئة النزول عن جبل احد بتسلمها زمام الحكم وادارة شؤون دولة وهمية وتحمل مسؤولية شعب باكمله قبل ان تكمل مهمتها كحركة تحرير وطني في ظل استمرار الاحتلال وكشف اليمين الصهيوني عن انيابه بانتخاب النتن ياهو عام 1996 .
وبالتالي كان لخلط فتح بين الحكم والتحرير كان وما زال بمثابة عصي في دواليب التحرير وكانت النتيجة كما نراها ان لا تحرير ولا دولة بل على العكس وصفة كراهية وانقسام وطاقة كامنة للتفرقة وانفصام وطني وربما وصفة لدفن قضية العصر بصفعة من صفقة العصر.
هنا وبينما اقر وأعترف بالفضيلة للسيد خالد مشعل لاعترافه بخطأ استفراد حماس بالحكم ونظرية البديل وتشديده على ضرورة الشراكة والتوافق وبالرغم من خروج مشعل من دائرة القرار الحمساوي الا انني اتوقع ان الحال سيصلح وبدرجة كبيرة عندما نسمع باعتراف اخر من فتح .
اعتراف يشكل نقطة انطلاقة جديدة لفصل التحرير وادواته الفصائلية عن ادارة الدولة (السلطة) على ان تعنى هذه الادوات في اعادة بناء منظمة التحرير البيت الفلسطيني ومن ثم تعنى بالفساد والفاسدين واعداء الشعب وانهاء دور اصحاب الايمان المزيف الذين جعلونا نعشق ذنوبنا كما قال دوستويفسكي, هذا ان اردنا فعلا لمنظمة التحرير ان تحقق ما قامت من اجله الا وهو التحرير وليس الحكم لاجل الحكم.
التحرير لفلسطين الارض وألانسان بعد ان تخلى عنها ذوي القربى واصبح الافضل والانبل ما فيها اما قابعين في سجون الاحتلال ثمنا لكرامة شعبهم او تحت الارض في قبورهم بعد ان ضاق ما فوق الارض بهم ولم يعد يتسع لكرامتهم التي رهنوها بكرامة شعبهم.
الدولة (السلطة) تحت الاحتلال ليست بحاجة الى وزارات سيادية ولكن بحاجه الى وزارات خدمية فقط.
كما هي ليست بحاجة لالاف المدراء وانما بحاجة لالاف المنتجين وليست بحاجة الى عشرات وزراء خارجية وانما عشرات سفراء وايضا وهو الاهم فهي بحاجة الى من يخاف الله ويتقيه في الناس في غزة والضفة لان من يتق الله لا بد وان يجعل له مخرجا.