السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بين حقيقة اليوم ونتائج الغد

نشر بتاريخ: 14/02/2018 ( آخر تحديث: 14/02/2018 الساعة: 18:19 )

الكاتب: ياسر المصري

في اللحظة التي يَظهر الطبيعي فيها بصيغة الإستثناء اللاطبيعي، فمن المؤكد بأنه يكون وليد ما قد حدث من خلل، وهذا الخلل ليس بالبسيط في قواعد الرؤية والحكم على سياقات ما هو طبيعي وغير الطبيعي، فأساس الحكم على كل ما هو طبيعي هو ذلك المحمول على الكثير من العوامل والركائز، وفي أغلبها ما يسمى بالحق والمنطق السليم الذي يصيغ التوازن ما بين القيمة وجدلية الإعتبار ، كحكم ومقياس لقياس درجات موائمة الطبيعي لكل ما هو منطقي ، ولكن قد يكون هناك شكل آخر من الطبيعي والذي يحمل صيغة من صيغ الإلتباس إذا ما وقع بحدود ما يسمى بغير المألوف ، وهذا الذي يمكن وصفه وتوصيفه بالإستثنائي، والطبيعي ولكنه غير المألوف هو أن تتصدى قوة عربية لغطرسة وعربدة غارات غزو من قبل دولة الإحتلال على سيادة أومقدرات قطرأو دولة عربية كما فعلت الجمهورية العربية السورية، حين أسقطت الطائرة الغازية / إف 16 – اي/ المتطورة.
إن هذا الحدث بكل أبعاده قد تجاوز الحالة الأمنية والعسكرية، ليصل إلى عمق حالة الوعي، بكل ما حمل هذا الوعي من تأثيرات ومؤثرات إستمرت لعدة عقود ، سقطت هذه الطائرة الغازية والمعتدية وسقط معها الكثير، وسقط أيضا معها وتعرى خطاب لدى البعض مما يُسمى جدلا بالنخب المسماة على النخب العربية ، والتي حملت خطاباَ يشابه في أبعاده خطاب دولة الإحتلال.
أن ما تمر به الأمة العربية من حالات إلتباس وخلط وإختلاط ، يعود في أساسه إلى سقوط في دور النخب ، أو نجاح القوى المعادية لهذه الأمة ، في إستبدالها للحقيقي بالمزور ، لا يمكن لأي عربي يؤمن بهويته وإنسانيته أن يقف ليقلل من قيمة حدث إسقاط طائرة الغزو الإسرائيلية المصنعة أمريكياً ، ولا يمكن أن يكون هناك نخب عربية طبيعية تتساوق وتحمل الخطاب التفكيكي ، وهذا الخطاب الصهيوأمريكي المنشأ والمولد ، وهو ما يحمل في طياته إستبدال العدو المركزي (إسرائيل ) بعدو مفترض آخر(صناعة عدو غير حقيقي)، لتحقيق نجاحات التفكك العربي والإنفكاك من المسؤولية والدور الطليعي المتعلق بمصالح ومكانة ودورهذه الأمة ، فلا يمكن ان تكون دولة الإحتلال من أنصار نهضة هذه الأمة إن كان غيرها لا يرغب بذلك ، وليس هناك من عدو يسعى لتقويض هذه الأمة في الدور ، وتعزيز وتعميق ما بها من إشكالية ومخاطر أكثر من دولة الإحتلال ، وهذا التشخيص والتوصيف هو الطبيعي بالنظر إلى ما هو أساس في إطلاق الوصف والتوصيف إذا ما أقترن ذلك بالحاجات والضرورات والتحديات والمخاطر ، مع الأخذ بعين الإعتبار حجم مصالح دولة الإحتلال من تحقيق كل ذلك .
ليس هناك من مستفيد أكثر من دولة الإحتلال من كل حالة مساس بأي قطر أو دولة عربية من المحيط إلى الخليج ، مهما كان هذا المساس بحجمه وعمقه ، فغرق المجتمعات العربية بما تَغرق به الآن هو مصلحة إستراتيجية تصب في صالح دولة الإحتلال .
وعلى الوطنيين العرب من يطلقوا على أنفسهم أو من تسميهم بعض الجهات بهكذا تسمية ، أن يتذكروا جيداً أن دولة الإحتلال لم تصاب قوة تفوقها وتفردها العسكري فقط في هذه المرة (إسقاط طائرة / إف 16 – أي) ، فحزب الله في حرب تموز 2006 ضرب البارجة الحربية الإسرائيلية قبالة السواحل اللبنانية ، وكان هذا أيضاً فعل إستراتيجي نوعي يقوم على أساس كسر قواعد التفوق وقوة الغزو الإحتلالي الإسرائيلي، وما سبقها من تحطيم مساوٍ في الحجم والدلالة للدبابة الإسرائيلية (الميركافا) ، وإذا ما تم التطرق لكل هذا مضاف إليه قدرة هذا الحزب على إختراق منظومة الإتصالات الحربية لجيش الإحتلال ، فإن ذلك بالمحصلة وبقراءة النتائج فقد حسم أمر إسقاط تفوق دولة الإحتلال الحربي .
وعلى كل الذين سقطوا في إلتباس تسمية العدو أن يَعودوا ليعيدوا خطابهم ، فالخطاب التفكيكي العميق الذي يحملوه هو خطاب دولة الإحتلال الذي يعتبر وجود الإحتلال أمر طبيعي وله مبرراته ، وأن يتذكروا أن هذا العدو يبني عداءه ومصالحه على حساب قيمة ومكانة هذه الأمة ، ومازال هذا الإحتلال يصيغ الصراع مع العرب ببعد حضاري وجودي ، وهذا الكيان الغاصب لن يكون وجوده السياسي والكياني طبيعي طالما تمسك بصيغة وجوده كقوة إحتلال غاصبة ومغتصبة للأراضي والحقوق العربية ، وتحديداً بعد أن قدم العرب المدخل السياسي لكي يتحول هذا الوجود إلى طبيعي (المبادرة العربية العام 2002) ، وكل من يأخذ مخرجات هذه المبادرة دون مدخلاتها حتما يكون حاملاً لوهم هذا الإحتلال بقجرته على البقاء بصيغته الحالية .
ولعل صفقة القرن التي يحاول البعض ممن سقط في تيه الخطاب التفكيكي ، سيرى سقوطها بإنتصار سوريا العربية والقوى الحليفة معها في أية حرب قادمة ، كمقدمة لنتائج كل ما يحدث وما سيرسمه الواقع بكل أبعاده ، وبكل هذه الظروف والبيئة الحالية فإن الأمة تعيش ظروف مشابهة لتلك الظروف التي كانت العام 1967 ، بإستثناء وجود من يحمل خطاب دولة الإحتلال ، ويعمل متبرعاً لتشريع وجود هذا الإحتلال ، غير أن النتائج لن تكون كما كانت العام 1967 .