السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الصوم مسيرة روحية نحو الالام والقيامة

نشر بتاريخ: 20/02/2018 ( آخر تحديث: 20/02/2018 الساعة: 17:30 )

الكاتب: المطران عطا الله حنا

لقد دخلنا فترة الصوم الاربعيني المقدس وهي فترة تهيئة واستعداد لاستقبال اسبوع الالام العظيم المقدس وعيد القيامة المجيد الذي نحتفي به بانتصار السيد المسيح على الموت وقيامته حيث انبلج نور سماوي سطع من القبر المقدس لكي ينير ويبدد ظلمات هذا العالم .
وهنالك نكهة خاصة للصوم الكبير ولاسبوع الالام والقيامة المجيدة في مدينة القدس بشكل خاص وفي فلسطين بشكل عام ، ذلك لان اهم الاحداث الخلاصية التي نعيد لها ونحتفي بها قد تمت في هذه البقعة المقدسة من العالم.
لقد ابتدأت فترة الصوم المقدس والتي يجب ان تكون مقرونة بالتوبة والصلاة والدعاء ، ففي فترة الصوم الكبير علينا ان نكثف من صلواتنا وادعيتنا ، كما اننا يجب ان نقرأ الكتاب المقدس بشكل يومي وان نكثف من تلاوته وقراءته كما وقراءة كافة الكتب الروحية الاخرى المفيدة والتي تعطي المؤمنين الغذاء الروحي المطلوب في هذه الفترة التي فيها نصوم وفيها نستعد لاستقبال عيد الاعياد وموسم المواسم .
ان الصوم في مفهومنا المسيحي ليس انقطاعا عن الطعام او الشراب فحسب بل يجب ان يكون مقرونا بانقطاعنا عن كل ما يغضب الله واعني بذلك الخطيئة والرذيلة والاعمال الشريرة بكافة اشكالها والوانها ، وهذا بالطبع يجب ان يكون ليس فقط في فترة الصوم وانما في سائر ايام حياتنا ، ولكننا نعتقد بأن الصوم انما هي فترة جهاد روحي في مسيرتنا نحو القيامة .
لقد كان المسيحيون الاوائل في العصور المسيحية الاولى ينقطعون عن الطعام ويصومون لكي يوفروا بعضا من اموالهم لافتقاد الفقراء والمحتاجين والمساكين ، ونتمنى ان يكون هذا التقليد وان تكون هذه الممارسة قائمة اليوم في كنائسنا ، ونحن نرى بأنه من الواجب في فترة الصوم بشكل خاص ان نفكر بأولئك الفقراء المحتاجين والمتألمين والذين يجب ان نعبر عن تضامننا وعن تعاطفنا ووقوفنا الى جانبهم بوسائل عملية .
انني اقترح على ابناء كنائسنا ان يهتموا ايضا بالجوانب الانسانية في فترة الصوم والا يكون الصوم انقطاعا عن الطعام او الشراب فحسب بل يجب ان يكون ايضا افتقادا للفقراء الذين يصفهم الكتاب الالهي بأنهم اخوة يسوع الصغار .
ندعو ابناءنا في فترة الصوم لزيارة بعض المنازل وتفقدها واقامة الصلاة فيها وتقديم ما تيسر من مساعدة ممكنة ، ندعو ابناءنا في فترة الصوم لزيارة المستشفيات ودور العجزة والمؤسسات الخيرية ، فليكن صومنا مقرونا بأعمال الرحمة و الخير والتضامن مع المحتاجين لكي نعزيهم في آلامهم واحزانهم واوجاعهم .
يجب علينا ان نتذكر في فترة الصوم كما وفي سائر ايام السنة بأن فلسطين الارض المقدسة انما قد غيب عنها السلام وحجب عنها العدل بفعل ما يمارس بحق شعبنا من ظلم وانتهاكات وتطاول على الكرامة الانسانية .
نحن فلسطينيون وفي فترة الصوم علينا ان نفكر بشعبنا المتعطش الى تحقيق العدالة والسلام في هذه الارض المقدسة ، علينا ان ننادي بأن ينعم شعبنا بالحرية التي يستحقها ، هذا الشعب الذي يحمل صليب آلامه واوجاعه واحزانه ويسير في طريق جلجلته على رجاء قيامة ملؤها الحرية والكرامة الانسانية .
في فترة الصوم علينا ان نقول بأننا لسنا طائفة في بلادنا ولسنا اقلية في ارضنا المقدسة فنحن مكون اساسي من مكونات شعبنا الفلسطيني فآلام شعبنا هي آلامنا واحزانه هي احزاننا وتطلعه نحو الحرية هو تطلعنا .
نسأل الله في هذا الموسم الشريف المقدس بأن يحمي بلادنا ويصون شعبنا وان تتحقق العدالة المغيبة في هذه الارض المقدسة ، فيحق لشعبنا ان يعيش بحرية وسلام مثل باقي شعوب العالم .
نلتفت في هذا الموسم الشريف الى محيطنا العربي حيث هنالك آلام واحزان ودموع ودماء تحيط بنا ونحن نقف الى جانب كل انسان محزون ومتألم وثاكل .
نتضامن مع سوريا في محنتها ونتضامن مع العراق واليمن وليبيا كما اننا نتضامن مع كافة ضحايا الحروب والعنف والارهاب في منطقتنا وفي سائر ارجاء العالم .
نسأل الله تعالى بأن يتقبل صومنا وان تكون ادعيتنا وصلواتنا كالبخور صاعدة الى السماء مع توبتنا الصادقة وصلواتنا الحارة من اجل فلسطين الارض المقدسة ومن اجل هذا المشرق العربي الذي تسوده حالة اضطراب وعنف وعدم استقرار .
صوما مباركا اتمناه لكل الصائمين واتمنى للجميع في بلادنا وفي كل مكان بأن يؤهلنا الرب الاله لاستقبال اسبوع الالام والقيامة المجيدة وقلوبنا مليئة بالمحبة وعامرة بالايمان والرجاء .
نحن ابناء الرجاء ولن نستسلم للاحباط واليأس والقنوط ونحن ننظر الى القبر الفارغ الذي منه بزغ نورالقيامة ونسأل الله بأن ينير هذا النور الالهي قلوبنا جميعا لكي نكون خداما حقيقيين لكنيستنا ولشعبنا وارضنا المقدسة وللانسانية بأسرها.