الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

ريم بنّا: الصوت الذي له قلب وأعصاب وجناحان لا يموت

نشر بتاريخ: 02/04/2018 ( آخر تحديث: 02/04/2018 الساعة: 11:25 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

لا أحب أن أعنون مقالات أخص بها مبدعين رحلوا تحت عناوين "النعي"، لأن المبدع الحقيقي لا يموت ويظل أبد الدهر خالداً بما أنتج وأبدع، لذلك وأنا أكتب عن الفنانة ريم بنا أفضل أن أتحدث عنها وأخاطبها بلغة الأحياء، لأن صوتها عشق الحياة والبحر والسماء والفضاء والضياء، فبقي معنا وفينا نعمة ومعنى ونسمة تهب على قلوبنا، تنعشها، تفرحها.
في حلقة "عاشق من فلسطين" عندما استضفت الشاعرة الكبيرة زهيرة الصباغ سألتها عن ريم فقالت " "إنها بخير" وبعد أقل من سنة رحلت ريم، ومع ذلك أعيد ما قالته الأم الشاعرة "إنها بخير"، لأنها فعلاً بخير.
ودليلي هو أن من يقدم لشعبه هذا العدد الكبير من الأغاني والألحان، يرددها الصغار والكبار، يرددها الوطن كل الوطن، بالتأكيد سيكون دائماً بخير، حتى لو توقف نبضه، وحتى لو تسمرت عملياً عقارب الزمن العمري، فإن عمر الأغنية سيتجدد في الزمان والمكان، ويبقى الصوت بدلالاته وإيحاءاته ونبراته وإيقاعه "بخير".
أغنية "ريم" كائن بشري مقاتل أحياناً ولها جناحان حمامة تطير في سماء الوطن أحياناً أخرى. أغنية تتشكل من شبكة أعصاب وإحساس استثنائي وقدرة عجيبة على أن تستمد نبضها دوماً من بحر نبض وطن لا ينضب ولا يستكين.
في العام 1998 حاورتها ساعة من الزمن في برنامجي الثقافي الإبداعي "البيدر" فتحدثتْ مطولاً عن مشاريعها، التي أنجزت فيما بعد جزءاً كبيراً منها، وتحدثتْ أكثر عن حلمها الذي هو حلم شعب بأسره، قالت:- ما دمت قد تشكلت من نسيج هذا الحلم أجوب الوطن على جناحيه، فإن أغنيتي ستستمر مع الناس، لأنها تصبح بعد أن أغنيها هي أُغنيتهم.
وفي هذه المقابلة كما وثقت ذلك في كتابي "البستان يكتب بالندى"، اقتحمت طفلة صغيرة الاستوديو، معلنةً عن مللها من الجلوس بين عدد من التقنيين ترقب أمها عن بعد، فقالت لها أمها: "عودي إلى مكانك يا بيلسان حتى أنهي التسجيل". فالتقطت قلمي وكتبت كلمة "بيلسان"، لماذا؟ - لأنني كنت أبحث عن اسم مناسب لطفلتي التي سترى النور بعد ثلاثة أشهر، فصار اسم ابنتي "بيلسان"، لذلك فإن شكري لـ "ريم" في هذه المقالة هو عام وخاص، العام لأنها أسعدت وطناً، والخاص لأنها قدمت لي اسماً تفوح منه رائحة زهر البيلسان.
الموت في حالة المبدع، هو استراحة محارب، لأن الأغنية ستواصل المسير، حيث صدق الشاعر الفلسطيني حينما قال:

"قدري أن أغنّي/ أن أجوع/ وأبقى أغني/ أن تنَزّ جِراحي/ وأبقى أغني/ وإذا متّ في المعركة/ فالأغاني/ سوف تحتلّ بين الرفاق مكاني/ وتحارب عنّي".
لهذا كله لم أكتب مقالاً لأنعى أو لاعتصر الدمع من عيون كلماتي، بل لكي أوجه الكلام لأذني وعقل وقلب كل أغنية من أغاني ريم، لأقول للأغنية وصاحبتها "لقد اخترت طريق الخلود".
ولأخاطب الشاعرة الصديقة أمها "زهيرة الصباغ" لأقول لها:-
لقد زرعت وسقيتِ وقلمتِ فأثمرت شجرتك التي صارت شجرتنا كلنا، وأن ما زرعت ورويت سيظل مصدراً للخضرة والخصوبة والعطاء الدائم، لا تحزني، بل افرحي كثيراً بزرعك، فنعم ما زرعت، بورك ساعداك وعقلك وخيالك، بوركت قصيدتك التي لا أحد على وجه الأرض يشبهها سوى ريم.