الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل الوقائع هي بالفعل كما يراد لنا أن نراها ؟

نشر بتاريخ: 16/04/2018 ( آخر تحديث: 16/04/2018 الساعة: 17:56 )

هل الوقائع هي بالفعل كما يراد لنا أن نراها؟ محاولة لجمع الصورة
الكاتب: محمود التميمي
لا تختلف أساليب الخداع والتمويه في الممارسات السياسية لكثير من الدول عن تلك المتبعة في أعمال الخفة والسحر، من ناحية أن تنفيذ الجزء المهم من الخدعة في نقطة ما ولحظة معينة وجهة من المسرح يعتمد بالأساس على إلهاء الجمهور وتشتيت انتباهه طوال الوقت في عدة اتجاهات أو جذبه للجهة المعاكسة.
ولأن الأشياء قد لا تكون في الحقيقة كما تبدو أو يراد لها أن تبدو، فإن إعادة النظر في الأجزاء التي قد لا يظهر الترابط بينها، لكنها في الواقع شديدة الترابط ولم تحدث عفوا أو دون سياق، ربما سيقودنا للنظر للتفصيلات التالية ليس كأجزاء متناثرة لا صلات بينها بل ككل واحد ولوحة كاملة.
وها نحن هنا نمحص الأجزاء مشهدا مشهدا، وصورة إثر صورة:
( المشهد الأول ) - في 10 / 2 / 2018م أصابت الدفاعات الجوية السورية طائرة إسرائيلية مغيرة من نوع اف 16، سقطت في الجليل شمال فلسطين المحتلة، وحدثت ضجة لما اعتبر في حينه تطورا مهما في نوع التصدي السوري ولطمة للقدرات العسكرية الإسرائيلية، تحديدا سلاح الجو .. لكن ما يعنينا هنا ليس سقوط الطائرة أو مشاهد احتراقها وتهاويها، بل مشهد طواقم الخبراء الإسرائيليين وهم يفحصون حطام الطائرة والأسئلة المهمة الذي تنتظر إجابات: لماذا ارتدى الفنيون والتقنيون أثناء فحص حطام الطائرة بدلات واقية وأقنعة وكمامات وحملوا على ظهورهم اسطوانات اكسجين للتنفس تطابق البدلات الواقية المستخدمة في منشآت الأسلحة الكيمياوية ؟؟!!
ولماذا جرى احراق الحطام بعد فحصه واســـتئصال قطع وبقايا وربما ذخائر غير منفجرة منه ؟!!
هل كانت الطائرة محملة بصواريخ كيمياوية، وما الأهداف التي قصفتها أو كانت على وشك قصفها عند اسقاطها ؟؟ ألا يُحتمل أن الغوطة أو دوما من بينها؟؟
إن مراجعة سريعة لقائمة الدول المنضوية في منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية ستكشف أن الدول العربية التالية أعضاء فيها : ( الجزائر - البحرين - العراق - الأردن - الكويت - لبنان - ليبيا - موريتانيا - المغرب - سلطنة عُمان - قطر - السعودية - السودان - سوريا - تونس - تركيا - الإمارات - اليمن ).
وكذلك فإن إيران وتركيا كدولتين أساسيتين في الإقليم أعضاء فيها، أما "إسرائيل" فتكاد تكون الطرف الوحيد في الاقليم غير العضو، الذي يمتلك الأسلحة ولا يخضع للتفتيش ولا يلتزم بأية شروط أو اتفاقيات للحظر والمراقبة.
( المشهد الثاني ) - في 5 / 3 / 2018م أُعلن في لندن عن تسميم الجاسوس الروسي سيرجي سكريبال وابنته واتهمت روسيا بانتهاك الأراضي البريطانية والقوانين الدولية وبالمسؤولية عن محاولة الإغتيال المزعومة .. أعقب الحادثة طرد بريطانيا وأمريكا وحوالي 20 دولة غربية ومنظمة حلف شمال الأطلسي لقرابة 100 دبلوماسي روسي في حملة واسعة غير مسبوقة منذ أجواء الحرب الباردة ..
الغريب في الأمر هو حجم ونطاق الحملة وأن بريطانيا لم تقدم أي دليل مادي لاتهام روسيا ، والأغرب هو أن أيا من الجاسوس الروسي أو ابنته لم يمت في الأصل، وأن الابنة تماثلت للشفاء وخرجت من المستشفى ووالدها على وشك الخروج أيضا !!!
( المشهد الثالث ) - في 13 / 3 / 2018م عيّن الرئيس ترامب " مايك بومبيو " مدير وكالة الاستخبارات"السي أي ايه"وزيرا للخارجية ،بديلا لريكس تيلرسون، وعيّن "جينا هاسبيل" مديرة لوكالة الاستخبارات "سي أي ايه" .. هناك نقطة مشتركة بين الاثنين هي معارضة الاتفاق النووي الإيراني ( 5 1 ) ودعم الحل العسكري وتأييد التعذيب العنيف ضد المعتقلين في السجون !!!
وفي 22 / 3 / 2018م عين الرئيس ترامب "جون بولتون" المعروف بغلوائه وتشدده مستشارا للأمن القومي خلفا لـ "هربرت ماكماستر " !!!
( المشهد الرابع ) - في 7 / 4 / 2018م زعم أن هجوما بالأسلحة الكيماوية وقع على دوما في ريف دمشق أسفر عن مقتل ما بين 75 - 150 مدنيا، وجرى اتهام قوات النظام بشن الهجوم، رغم أن لا عمليات ومعارك حربية حاليا في الغوطة في ظل عمليات الاجلاء والإخلاء التي تتم باتفاق الأطراف المتنازعة ودون عوائق لمقاتلي المعارضة مع أسرهم باتجاه ادلب.
( المشهد الخامس ) - في الفترة من 7 - 12 / 4 / 2018م ولازالت الأوضاع متصاعدة : الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل على وجه الخصوص وخلفها دول غربية أخرى، كل واحدة على طريقتها أو بتنسيق واتفاق ومداولات بين عدد منها تدفع الأمور باتجاه شن ضربات أو حملة عسكرية على سوريا، بحجة معاقبة النظام على جريمته !!
الرئيس ترامب أعلن أنه خلال ساعات أو ايام سيأخذ قرارا بضرب سوريا .. بريطانيا وفرنسا وبعض الحلفاء أعلنوا استعدادهم للمشاركة في العملية العسكرية ..
حاملات الطائرات والقطع البحرية والأساطيل والغواصات تتجه نحو المنطقة.  
الرئيس ترامب يهدد روسيا بأن صواريخه الذكية قادمة لضرب أهدافها في سوريا .. من الغريب طبعا أن نجد الولايات المتحدة التي تدعم الإحتلال الاسرائيلي وجرائمه وتغطيه بالفيتو في مجلس الأمن، بل تدعم امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وهي التي تسببت بدمار العراق وشيوع الفوضى في المنطقة حريصة إلى هذا الحد على ضحايا دوما ومعنية بالاقتصاص لهم بنفسها، وهي أيضا التي ترفض في مجلس الأمن وتعطل صدور قرار بتكليف لجنة تحقيق دولية لفحص الهجوم الكيمياوي المزعوم ومعرفة مصدره !!!
( المشهد السادس ) - الرئيس ترامب سيحدد موقفه النهائي من الإتفاق النووي الإيراني في 12 مايو القادم، ويرجح أنه سيتنصل وينسحب منه أو أنه سيتخذ اجراءات وخطوات صارمة !!! كما أنه يعمل على صفقة كبرى لإعادة ترتيب المنطقة !!!
.. هل تبدو المشاهد السابقة منفصلة بعضها عن البعض الأخر أم أنها متتابعة ومتشابكة ؟؟
وهل يمكن لجمعها ووضعها في ســــياق واحد أن يكشف عن غاية أو غايات يخطـط لها ؟؟
ألا يبدو معقولا على الأقل من قبيل البحث عن المستفيد من كل ما يجري وتتبع مسوغات الأحداث ونتائجها ودون أن نبرر للنظام في سوريا أفعاله ، أن نستخلص التسلسل التالي :
قصة مختلقة لتسميم الجاسوس ( الميت الحي ) وابنته في لندن لتوتير الأجواء الدولية مع روسيا وعزلها وتكبيل قدرتها على الدخول في حرب وصراع مفتوح مع الغرب قد تكون ساحته سوريا وإيران ، ثم تطلق طائرة إسرائيلية سلاحا كيماويا على دوما تنجم عنه ضجة دولية تطالب بالرد على النظام المجرم ومعاقبته بالتزامن مع تعديلات وتغييرات يحدثها ترامب على مناصب وزير الخارجية ومدير الاستخبارات ومستشار الأمن القومي الأميركي لوضع شخصيات أكثر تشددا تعارض الاتفاق ( 5 1 ) وتؤيد الحلول العسكرية ، ثم اتخاذ قرار بموعد الضربة العسكرية وحجمها بالتنسيق مع الجهات المشاركة فيها وحشد السفن والأساطيل والغواصات في المنطقة ، وأخيرا بدء العمليات الحربية في موعد يتوافق مع التاريخ الذي حدده ترامب لإعلان موقفه النهائي من مصير الإتفاق النووي مع إيران في 12 مايو أو يسبقه ..
ألا يبدو ذلك منطقيا ؟؟
ولو صح لا سمح الله ذلك فهل المقصود ضرب ايران أيضا أم الاكتفاء بسوريا ؟؟
( ملاحظة : حرر هذا الموضوع قبل ساعات من القصف الذي شاركت فيه إلى جانب الولايات المتحدة كل من بريطانيا وفرنسا واستهدف مواقع مختارة .. وزارتي الدفاع الروسية والسورية أعلنتا عن اسقاط 71 صاروخا من أصل 103 وأن باقي الصواريخ ضربت منشآت هي في الأساس خالية ومدمرة )