الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ام ياسر ربايعة تخترع الحلم في يوم الاسير الفلسطيني

نشر بتاريخ: 17/04/2018 ( آخر تحديث: 17/04/2018 الساعة: 11:14 )

الكاتب: عيسى قراقع

مثل الكثير من الامهات الفلسطينيات، تنتظر ، والانتظار الفلسطيني اصبح حالة صمود تشبه المعجزة ، دائما هناك غد، ودائما هناك امل، ودائما هناك ما يجعل الفرح الفلسطيني غير المألوف مألوفا، وعند كل ام دعاء خاص، صلاتها مختلفة، نظراتها مختلفة، تقف على الارض ، الجنة تحت أقدامها والسماء من فوقها مفتوحة على الحياة القادمة والرجاء.
هي ام الاسير الفلسطيني ياسر ربايعة ، سكان العيزرية المحكوم بالمؤبد ويقبع في السجن منذ 17 عاما، جاءها الخبر المزعج والمؤلم بأن ابنها مريض بورم على الكبد وقد نقلوه الى المستشفى وبدأ رحلة علاج، هرعنا في مساء يوم الاسير الفلسطيني الى بيتها ، كان اولادها من حولها واهل الحارة والاقارب والجيران والصمت والقلق والتوجس والدمع والوجوه العنيدة، صورة ياسر على الحائط الى جانب صورة والده الذي توفي دون وداع او لقاء.
زمن السجن يطحن آلاف الاسرى القابعين في السجون، فمنهم 48 اسيرا مضى على اعتقالهم اكثر من عشرين عاما، تجاوزوا حدود الزمن القادم وصمدوا بشموخ وكبرياء، كبروا بين الحديد وتجددوا جوعا وإرادة وأفشلوا خيبة السجان، انتشرت الامراض الكثيرة في أجسادهم، تنفسوا باليقين واحتملوا الموت مرات مرات.
ام ياسر رباعية سلمتني رسالة الى الرئيس ابو مازن، وخاطبتني بخوف ورعب متمنية ان ترى ياسر وتحتضنه، العمر يمضي يا ابني، وانا امراة عجوز ومريضة، هل من نبوءة تعيد اليّ ابني قريبا قبل ان ارحل عن هذه الحياة؟ قالت ذلك وهي تنظر الى الجالسين في البيت وتقرأ الرسالة الموجهة الى الرئيس قائلة اتمنى ان تفرجوا عن ابني قبل ان يتوفاني الله تعالى لأفرح بعودته وأقبله لكثرة اشتياقي اليه.
إن 1800 حالة مرضية صعبة تقبع في سجون الاحتلال، منها ما يزيد عن مائة حالة خطيرة جدا، اسرى مصابين بالسرطان والاورام والشلل والاعاقات والجروح البليغة، يتعرضون لجرائم طبية واهمال صحي متعمد، معلقون بين الموت والحياة، تتدلى من اجسادهم البرابيش الطبية، اجساد تطفح بالادوية المسكنة، عكازات كثيرة في مستشفى الرملة الاسرائيلي ، غرف ضيقة وآلام واختناق ، لا هواء ولا دواء ولاشفاء.
اسرى عادوا الينا جثثا في أكياس سوداء، قتلوهم هناك بعد ان استفحلت الامراض في اجسادهم، صار الاطباء جلادين والسجون مكان لزرع الامراض، يموتون خلف القضبان او يموتون بعد الافراج بقليل، انهم يعدمون الحياة هنا وهناك.
ام ياسر ربايعة تنظر الى الناس في يوم الاسير الفلسطيني، فعاليات وصراخ وغضب وصور وشعارات ونداءات واستغاثات، تنتظر انفتاح المغلق على النهار، تنتظر من يخفف وجعها، وتنتظر من يجعل حنينها لولدها يقرب المسافات لتسمع صوت ياسر في باحة الدار، يعود الى البلد والعائلة حيا ولن يسمعه أحد سواها.
تقول ام ياسر بانها تحيا لأن ابنها لازال حيا، وأن ابنها ليس في صراع مع الموت والامراض القاتلة بل هو في صراع مع الحرية، ان ارادته هي التي تقاوم الموت، وفي يوم الاسير تراه ينزل عن الصور ويمشي في شوارع القدس جميلا متألقا يبتسم للعائدين الى الصلاة الجماعية.
لقد سقط 59 شهيدا اسيرا منذ عام 1967 بسبب الاهمال الطبي وعدم تقديم العلاج اللازم لهم، لا يوجد فحوصات دورية وتشخيص دقيق للامراض، مماطلات طويلة في اجراء العمليات الجراحية، اطباء غير مهنيين لا مبالين يعتقدون ان حياة الاسرى رخيصة، يكتشف الاسير بعد زمن ان امراضا سرت في جسمه منذ مدة طويلة، لم تستطع اي لجنة دولية من اجراء تحقيقات حول المعاملة الصحية للاسرى ومراقبة واقع السجون واماكن الاحتجاز ودور الاطباء والمستشفيات.
في مستشفى الرملة الاسرائيلي الذي هو أسوأ من السجن تقبع اخطر الحالات المرضية وعددها 15 اسيرا منهم بترت أعضاء من اجسادهم ، واغلبهم يتحرك على كراسي المقعدين، ومنهم من يصرخ طوال الليل، يرتجف فتتحرك الشظايا والرصاصات الباقية في عضلات اجسامهم، جروح مفتوحة ووقت بطيء وثقيل يشبه المقصلة.
ام الاسير ياسر ربايعة تخترع الحلم وترى ابنها، يضمها وينام قربها كأن روحه اعتقت من السجن وهامت وحلقت وجاءت الى البيت، وعندما تستيقظ في الصباح تسقيه الشاي بالنعنع، تمده بطاقة الامومة وسحابة دافئة وخفقات من القلب.
الجرائم الطبية في سجون الاحتلال تتصاعد، وهي جرائم حرب وانتهاكات جسيمة تتنافى مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية، يذهب ضحيتها الاسرى ويصبح المرض اداة للقتل، ويصبح الاستهتار بصحة المرضى منهجا وسياسة تحصد الارواح وتدمرالنفوس، فالاسير والموت وحيدان داخل السجن، السجن منفى والمرض زنزانة معزولة بعيدة عن اعين المؤسسات والمراقبين وفقهاء القانون ونشطاء حقوق الانسان.
ام ياسر تعيش كل التوقعات والاحتمالات، امرأة تعصف بها الانباء والاخبار، اليوم نقلوا ياسر الى مستشفى سوروكا الاسرائيلي، وغدا سيجرون له عملية جراحية، وبعد غد سيبدأون بإعطائه العلاج البيولوجي، وعليها ان تتدرب طوال الوقت على الصبر والتأمل ، فهذا هو شهر نيسان الذي يتباهى بالشهداء وبزهر اللوز وبنشيد الحرية وبزغاريد النساء ، ويستمر الهجوم كما قال الشهيد خليل الوزير ابو جهاد اول الرصاص واول الحجارة.