الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

إلى عُربان أمريكا: انتهى الدرس يا أغبياء

نشر بتاريخ: 18/04/2018 ( آخر تحديث: 18/04/2018 الساعة: 11:24 )

الكاتب: د.وليد القططي

عندما أنشد كارم محمود أُغنيته الوطنية التي مطلعها أمجاد يا عرب أمجاد.. في بلادنا كرام أسياد أثناء المد الثوري القومي في مرحلة بزوغ نجم الناصرية بعد ثورة يوليو 1952 لم يكن يتوّقع حتى في أسوأ كوابيسه أن العرب أو بعضهم على وجه الدقة سيهوي في الدرك الأسفل من الضعة والامتهان، وسيتردّى في القعر الدنيء من الخِسّة والإذعان، وأن أمجاد العرب ستتحوّل إلى هوان وخنوع، وأنهم في بلادهم أذلاء عبيد بعد أن كانوا كراماً أسياداً. وأن العربان من آل سعود وآل ثانٍ وآل خليفة وغيرهم قد هوت بهم ريح التبعية لأمريكا في مكان سحيقٍ فأعلنوا فرحهم وتأييدهم للعدوان الثلاثي على سوريا، وكأنهم لم يدركوا بعد أن الدرس قد انتهى في سوريا، وأن أمريكا و(إسرائيل) وحلفاءهما في الغرب والإقليم يلعبون في الوقت الضائع بعد أن صفّر الحكم بانتهاء المباراة، فالمشروع الأمريكي- الإسرائيلي أو الصهيوأمريكي في طريقه إلى الهزيمة، والمشروع المُضاد في طريقه إلى النصر، ولم يقل لهم أحدٌ بعد: انتهى الدرس يا أغبياء!.
وعودٌ على بدء، ففي البدء كانت الثورة التي انتشرت في القطر السوري انتشار النار في الهشيم؛ والسبب في ذلك أن النظام الحاكم لم يُحسن قراءة الواقع ولم يتعامل مع المطالب المشروعة للشعب السوري المنادي بالحرية والعدالة الاجتماعية وتداول السلطة، ولم يُدرك أن دعم المقاومة والانتماء إلى محورها من أهم حسنات النظام ولكنه لا يعطيه صك غفران يعفيه من استحقاقات التغيير الديمقراطي والإصلاح السياسي وتطهير البلاد من الفساد والاستبداد. 
ولم يطلْ الأمرُ كثيراً حتى انقطع الخط الفاصل بين الثورة والحرب الأهلية التي التهمت الثورة في جوفها وهضمتها ثم لفظتها شكلاً جديداً ومخلوقاً مشوّهاً يجمع بين أسوأ ما في الثورة من إراقة الدماء، وأبشع ما في الحرب الأهلية من تفريق للشعب الواحد، وأقبح ما في الصراعات الإقليمية والدولية من تقسيم للبلاد... فكانت ناراً لا تشبع وقودها الناس من الشعب السوري والحجارة من آلاف أشباه البشر المتوّحشين الذين لفظتهم مجتمعاتهم وألقت بهم قوى الشر في وجه السوريين ليكونوا وقوداً لمشاريعهم الخاصة وفي مقدمتها وأهمها المشروع الصهيوأمريكي في سوريا .
المشروع الصهيوامريكي في سوريا هو جزء من مشروعهم الكبير في المنطقة الذي يتمركز حول محورين هما: ضمان وجود وأمن واستقرار وامتداد (إسرائيل) في المنطقة العربية والإسلامية، وضمان تدفق النفط لأمريكا وأوروبا ونهب ثروات العرب تحت عناوين ومُسميات مختلفة، وما يحدث في سوريا له علاقة بالمحورين لاسيما ضمان وجود وأمن (إسرائيل)، فتدمير الدولة السورية والجيش السوري سيضعف (محور المقاومة) وقد يؤدي إلى انهياره والقضاء عليه باعتبار سوريا ركيزة أساسية فيه، واستنزاف الجيش السوري وصولاً إلى تدميره سيقضى على آخر جيش عربي يُمكن أن يشكل تهديداً على الكيان بعد إخراج مصر والأردن من الصراع وتدمير الجيش العراقي، وهذا بالطبع يخدم المصلحة الإسرائيلية في ضمان وجودها وأمنها ومن ثم الانطلاق نحو تصفية القضية الفلسطينية نهائياً والتطبيع مع الأنظمة العربية وإقامة تحالف مع بعضها خاصة الدول العربية الخليجية التي أيدت العدوان الثلاثي على سوريا. أما الدول الأخرى التي أيدت العدوان غير (إسرائيل) مثل تركيا والسعودية وقطر فمشاريعها الخاصة في سوريا تدور جوهرياً في فلك المشروع الصهيوأمريكي فقد وظفت حساباتها الصغيرة لتصنع وهمها الكبير لتصطدم بمشروعٍ آخر مُضاد يُبطل أوهامها.
المشروع المقابل المُضاد محوره الحفاظ على وجود الدولة السورية – النظام والشعب والجيش والأرض- من خلال تثبيت وجود النظام السوري ودعم الجيش العربي السوري في حربه ضد جماعات المعارضة المُسلّحة ذات الطابع الوهابي التكفيري في مجملها المدعومة من الدول المؤيدة للعدوان الثلاثي. ويقف على رأس المشروع قوة دولية مهمة هي روسيا تدعمها الصين سياسياً، وقوة إقليمية فاعلة هي إيران، وكل منهما له منطلقات وأهداف مختلفة من دعم النظام والدولة السورية، وقوة محلية مؤثرة في مسار الحرب السورية هي حزب الله... هذا المشروع حقق ولا يزال انتصارات على الأرض كان أبرزها طرد المُسلحين من مدينة حلب ومعظم شرق سوريا وكثير من ريفي حمص وحماة وأخيراً الغوطة الشرقية لدمشق أحدثت تغييرات كبيرة في موازين القوى على الأرض لصالح النظام السوري بحيث أصبح الحسم العسكري مسألة قرار ووقت، ولم يعد أحد يتكلم عن إسقاط النظام، وأمسى جُلَّ اهتمام رعاة الجماعات المسلحة هو إطالة أمد الحرب لاستنزاف الدولة والجيش والبقاء في المساحات المقتطعة من الدولة السورية أطول فترة زمنية ممكنة لتحسين ظروف المفاوضات السياسية حين حدوثها.
والخلاصة إلى أن يفهم عربان أمريكا الدرس، وكي لا يتجرعوا المزيد من الخيبة والفشل في المراهنة على محور مهزوم لا محالة، وكي لا يستمروا في تبديد ثروات الأمة في إنفاقها على مشاريع خاسرة في سوريا وغيرها أو دفعها إتاوة وجزية لأمريكا ضريبة للذلة والمهانة ثم تكون عليهم حسرة فيما بعد، كان من الأوّلى توفير هذا الجهد والمال لبذله وإنفاقه في مشاريع التنمية في بلادهم وبلاد العرب والمسلمين ودعم القضية الفلسطينية- قضية العرب والمسلمين الأوّلى، وكان من الأفضل العمل على تجفيف منابع الفكر التكفيري في بلادهم، وإغلاق مصانع التكفير والتفجير الذي حوّل الصراع بين الأمة وأعدائها إلى صراعات وفتن وحروب داخل الأمة الواحدة، وحرف بوصلة الجهاد والمقاومة بعيداً عن القدس وفلسطين.