الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

تجليات الغباء الصهيوني

نشر بتاريخ: 17/04/2018 ( آخر تحديث: 17/04/2018 الساعة: 16:18 )

الكاتب: السفير حكمت عجوري

اسرائيل سواء اعتبرها البعض دولة ام كيان حيث لا حدود ولا عاصمه لها الا انها تبقى اختراع بشري غريب كونه كيان استعماري ولد من رحم من لا يملك (الجمعية العامة للامم المتحدة) لمن لا يستحق (الحركة الصهيونية) ونمى هذا الاختراع في كنف الدول الاستعمارية لتكون اسرائيل حارسا وقَيِما على مصالح هذه الدول في منطقة الشرق الاوسط، المنطقة التي تشكل قلب العالم وبالمعنى الوظيفي لهذا العضو البشري ليس فقط بسبب ما تحتويه هذه المنطقة من كنوز (موارد طبيعية) لا يستطيع العالم من العيش برغده الحالي من دونها ولكن ايضا بسبب جغرافيتها التي تختصر التواصل والاتصال بين زوايا العالم الاربعة. وفي هذا السياق فان الدور الذي أُنيط باسرائيل تماهى مع الحلم الصهيوني في السيطره ليس على المنطقه فقط بل وعلى العالم كله وبسبب ذلك لم تتوقف اسرائيل ومنذ قيامها عن ابتزاز كل من له مصلحه في وجودها من الغرب او من العرب ومن ثم المطالبه باثمان احيانا باهظه ولكنها متعددة الاوجه مقابل هذا الدور فهي وبالرغم من كونها كما قال زعيم عربي دوله صغيره ذات اقتصاد قوي الا انها ما زالت تتلقى مساعدات ماليه او بالاحرى اتاوات او خاوات تكفي لبناء دوله اخرى بل وربما دول ، اضافة لمساعدات عسكريه وتكنولوجيه ما زالت تتلقاها اسرائيل مكنتها لتكون واحده من بين الدول الخمسه الاكثر تطورا في العالم في هذين المجالين ومُصَدِره لهما كذلك، وطبعا حدث ولا حرج عن الدعم السياسي والديبلوماسي المباشر وغير المباشر الذي وفر لها حمايه ولو الى حين من سيف القانون الدولي.
الغرابه في اسرائيل كونها ايضا تمارس الديمقراطية بنكهة الفصل العنصري الجنوب افريقي السابق بامتياز وعليه فان هذا الكم من التناقضات في نشاتها و بنيتها والتي يُفترض ان تجعل من اسرائيل مجرد محميه وظيفيه الا انها تمكنت من السطو على مرافق التاثير في العالم تماما مثل فيروس اصاب القرص الصلب للكمبيوتر/الحاسوب وسيطر هذا الفيروس على الحاسوب يلغي ما يشاء ويبقي على ما يشاء.
في اواخر ثمانينات القرن الماضي عاد جورج بوش الاب في حينه نائب للرئيس الاميركي من لبنان الى تل ابيب في طريقه الى اميركا حاملا طلب من قيادات لبنانيه لايجاد حل للاجئين الفلسطينيين هناك ووضع حد لحالة الحرب مع اسرائيل وجاء رد شامير بقوة رد من رئيس وزراء العالم وليس اسرائيل فحسب، ليقول بان اسرائيل لن تسمح بقيام اكثر من حكم ذاتي للفلسطينيين كما ورد في كامب ديفيد الاولى وان لا امكانيه لحل سلمي او سلامي مع العرب قبل تدمير الجيش العراقي.
يقول قائل ان اميركا "الدوله الاقوى في العالم وراعية وجود اسرائيل" أجبرت بعد ذلك هذا الاخير اي شامير للذهاب صاغرا لمؤتمر الارض مقابل السلام في مدريد في سبتمبر 1991 وتمكنت بعد المؤتمر من افشاله في الانتخابات لصالح رابين. ومع ذلك فاٍن واقع الحال يؤكد على ان كل ما اراده شامير في حياته "بما في ذلك التفاوض من اجل التفاوض مع الفلسطينيين " حصل عليه بعد مماته بل وربما مضاعفا فيما الت اليه المنطقه وجيوشها في ايامنا هذه ليس هذا وحسب بل هذه اميركا العظمى تفعل كل ما يُطلب منها من قبل قادة اسرائيل سياسيا وديبلوماسيا وماليا وعسكريا لدرجه انه لم يعد تندرا السؤال بل واقعيا في "من يحكم من". هذه الحقيقه للاسف تتوجت في كل هذه الغطرسة والصلف للقياده الصهيونيه التي تجلت فيما افصح عنه شارون لشيمون بيريز في احد الاجتماعات بقوله "اسرائيل هي من تحكم اميركا وليس العكس " وربما زاد شارون في اعتقاده باكثر من ذلك عندما صرح في مناسبه اخرى من ان نفوذ اسرائيل يصل الى حيث تصل طائراتها الحربيه،
من ناحيه اخرى تمكنت اسرائيل من التاثير على مراكز قوى مختلفه من العالم فهي صديقه لروسيا والهند والصين في الجزء الشرقي من العالم ومهيمنه على الجزء الغربي منه بحجة حمايتها لمصالح هذا الجزء وهو ما يدل على ذكاء خارق يتمتع به قادة الحركه الصهيونيه ولكنه يحمل في ثناياه نذير خطر وجودي لهذه الحركه وكيانها بعد ان خفت ضوء المحرقه النازيه وسيف الساميه بدأ يصدأ .
احد الاسرائيليين المتنورين قال لي في احد الاجتماعات ان الفرق بين العرب واليهود بالرغم من التقارب الاثني بينهما هو في أن اليهود وعلى عكس العرب تماما سلموا امر قيادتهم للخمسه في المائه من اذكيائهم.
في ذلك جزء من الحقيقه مكنت اسرائيل مما هي عليه كما اسلفنا ولكنها اي هذه القياده الصهيونيه اثبتت عكس ذلك في تماديها في غطرستها بتجاهلها الاعمى للشرعيه الدوليه (القانون الدولي والدولي الانساني) هذا على الصعيد الدولي اما على الصعيد المحلي فكان الغباء بعينه جليا في الممارسات الصهيونيه غير الانسانيه بحق الذين يعيشون في خاصرتهم وتحت جلدهم والذين هم اي الفلسطينيين اصحاب الارض الذين وبحتمية استمرار وجودهم غير القابل للفناء تمكنوا من ابطال مفعول النوويه الاسرائيليه (الصهيونيه) واحالوا الجيش الذي لا يُقهر الى جيش مُرتعش و سادي يتلذذ بقتل الابرياء والاطفال والنساء كما اظهرته الفيديوهات اسرائيلية الصُنع.
في عام 2003 استطلعت صحيفة الهيرالد تريبيون الاوروبيين في خمس عشرة دوله و كانت النتيجة ان 59% من الاوروبيين يرون في ان اسرائيل مُهَدِده للامن والسلم الدوليين الامر الذي اضطر رئيس وزراء بريطانيا توني بلير في حينه من التقدم بالاعتذار لاسرائيل وكأن المُستطلعين اطفال في مدرسته تجاوزو حدود الادب مع من هم اكبر سنا.
موقف المنافق بلير هذا ما زال يشكل وقود لغطرسه القياده الصهيونيه كونه ما زال للاسف يمثل نسبه كبيره من اصحاب القرار في الديمقراطيات الغربيه دون ادراك فعلي من هؤلاء لحقيقة ان دولهم انتعشت وتطورت بسبب قيمها التي يتسيدها احترام حقوق الانسان وهو ما اكدت عليه في بندها الثاني اتفاقية الاورومتوسطي التي ترسم العلاقه بين الاتحاد الاوروبي واسرائيل.
أبراهام بورغ رئيس الوكاله اليهوديه ورئيس كنيست أسبق كتب في 15 سبتمبر 2003 في صحيفة الغارديان اللندنيه يطالب يهود الشتات وهم يشكلون ربع قيمة القرار الصهيوني، كتب ليطالبهم "بالوقوف والتحدث باننا لا نستطيع ان نُبقي اغلبية السكان الفلسطينيين تحت بساطيرنا في الوقت الذي ندعي فيه اننا الديمقراطيه الوحيده في الشرق الاوسط, اذ لا يوجد ديمقراطيه بدون حقوق متساويه لكل من يعيش هنا يهود وعرب وعلى رئيس الوزراء ان يقر باحد خيارين عنصريه يهوديه ام ديمقراطيه". هذا النداء الذي وجههه بورغ ابن المؤسسه الصهييونيه قبل خمس عشرة سنه نعيد توجيهه اليوم باسم شهداء وجرحى مسيرات العوده المسالمه والسلميه ليس ليهود الشتات فقط وانما لكل اليهود ولكل من بقي فيه اي احساس انساني لان "من لديه هذا الاحساس لا بد وان يتعاطف مع الفلسطينيين" كما قال وزير خارجية بريطانيا الاسبق دوغلاس هيرد.