الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

مجزرة قانا وصمة عار في جبين الإنسانية

نشر بتاريخ: 20/04/2018 ( آخر تحديث: 20/04/2018 الساعة: 10:32 )

الكاتب: عباس الجمعة

نقف اليوم بكل اجلال واكبار امام الذكرى السنوية لمجزرة قانا، الذي ارتكبها الاحتلال الصهيوني بعدوانه على مقر الامم المتحدة عام 1996، فعمد إلى إشباع شهواته الدموية عبر جريمة نكراء بحق الإنسانية من خلال مجازر متنقلة، كانت إحداها مجزرة قانا، التي سقط ضحيتها العشرات من الشهداء حيث ارتوت الأرض بدمائهم التي سالت امام اعين المجتمع الدولي الشاهد العيان على الجريمة، ولم يختلف المشهد كثيراً بين ما ارتكبه العدو الصهيوني من مجازر بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وما يتم اليوم من مجازر ترتكبها عصابات الارهاب التكفيري والتي تأتي ضمن سياق ما خطط للمنطقة.
إن مجازر الكيان الصهيوني أكثر من ان تحصى وتعد، فقد فاقت النازية قتلاً وإجراماً، فمن فلسطين إلى لبنان الى سوريا وبحر البقر، عناوين كثيرة، ليس أولها دير ياسين، وليس آخرها مجزرة قانا الشهيرة، التي تعد محطة من محطات الإجرام الصهيوني ، حيث سبقت مجزرة قانا وعادلتها في هولها، بل فاقتها إجراماً، بالزمن مجزرة صبرا وشاتيلا الشهيرة، وقبلها دير ياسين ومن ثم المجازر التي ارتكبت بقطاع غزة، حيث يذخر تاريخ الصراع العربي الصهيوني بالمجازر الوحشية التي ارتكبت في أية بقعة من بقاع العالم وبشكل خاص تفوق جرائم النازية، فمجزرة قانا ارتكبها العدو بأحدث القنابل الانشطارية عن سابق عمد وتصميم ضد أطفال ونساء وشيوخ هربوا من جحيم حرب الكيان الصهيوني العدوانية على وطنهم لبنان ولجأوا إلى مقر القوات الدولية ، وهنا السؤال اين العديد من العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية التي تحرم الإبادة الجماعية وتعاقب عليها وتعتبرها من أفظع الجرائم ضد الإنسانية.
إن المجتمع الدولي الذي عاقب النازيين على جرائمهم لا يجوز أبداً أن يكيل بمكيالين، فهو يقف متفرجا امام ما يرتكبه كيان عنصري وجيشه من جرائم تجاه العرب، بل يجب على العالم ان يقف ليعاقب هذا الكيان تماماً كما عاقب النازيين على مكانة المفاهيم والمبادئ التي ترسخت في العهود والمواثيق الدولية.
من هنا نقول لقد أنبتت هذه المجازر بعظمة الشهداء، عنواناً لصمودنا وتضحياتنا ووحدتنا ومقاومتنا ، وأيقن شهداؤنا أن اللجوء إلى المحافل الدولية، واستعطاف الدول الكبرى لن يؤدي إلى أية نتيجة سوى إمعان هذه الدول في السيطرة على الارض والانسان، وأن الحل الوحيد هو التمسك بالنضال بكافة اشكاله لاستعادة الحقوق الوطنية المشروعة مهما غلت التضحيات .
من هنا اليوم تتسرع الأحداث في الشرق الأوسط وما يرافقها من توتر وغليان وسفك دماء، يدل بوضوح أننا على أعتاب مرحلة جديدة من الصراع بين حركات التحرر الوطني المدعومة من الدول القوية الصاعدة (روسيا- الصين) من جهة، ومن الجهة الثانية القوى الإمبريالية العالمية سواء المسلحة منها- المتعطشة للدماء (أمريكا) أو التي تركز على مص دماء الشعوب وزيادة فقرها عبر الهيمنة الناعمة (أوربا).
إن التطورات الجديدة في المنطقة أصبحت أكثر تأزماً، إسرائيل تعتدي على سوريا بكل وقاحة، وتسقط سورية طائرة (أف 16)، فتهتز حكومة الكيان الصهيوني وتحسب حساباً للقادم من الأيام، أمريكا تؤكد رغبتها بإبقاء أراضٍ سورية تحت سيطرتها على يد أدوات إقليمية محلية، وتسعى لفرض أجندة سياسية مطابقة لمصالحها ما بعد التسوية، وكيان العدو يهدد لبنان، نفطياً هذه المرة.
الإرهابيون يزرعون الموت في كل مكان على الأرض العربية في تونس، في مصر والعراق وسورية ولبنان وليبيا، تركيا تغزو جزءاً سورياً، (عفرين، أمريكا تعلن استراتيجية جديدة تستند إلى اعتبار روسيا والصين دولتين عدوتين.
العدوان الثلاثي الأمريكي – البريطاني- الفرنسي على سوريا فشل ، فالمنتصر وحده يرسم الخرائط، والسوريون يجددون انتصارهم، بانتظار خرائطهم وإحداثياتهم، ليس في الجغرافيا فقط، بقدر ما هي في السياسة، وفي النظام العالمي الجديد والعلاقات الدولية أيضاً.‏
فهل يستمر العالم بالوقوف متفرجاً أمام حروب جديدة تدمر كل شيء، أم يمارس صلاحياته وإمكانياته لإعادة أجواء السلام إلى ربوع المنطقة.
العدوان الثلاثي الأمريكي – البريطاني- الفرنسي على سوريا فشل ، فالمنتصر وحده يرسم الخرائط، والسوريون يجددون انتصارهم، بانتظار خرائطهم وإحداثياتهم، ليس في الجغرافيا فقط، بقدر ما هي في السياسة، وفي النظام العالمي الجديد والعلاقات الدولية أيضاً.‏
واليوم ما يجري في المنطقة من سياسة عدوانيّة للقوى الامبريالية والصهيونية والرجعية من خلال دعم قوى الارهاب التكفيري وخاصة ما يجري في سوريا ودول المنطقة من جريمة وفق المصلحة والمهمة المطلوبة منها من قبل المشغل والممول،من قبل عصابات الارهاب الذي يجري توظيفها وفق الحاجة والهدف، فهذا المخطط والمشروع يحمل أبعاداً استراتيجية لسوريا ولفلسطين وكل الأمة العربية،مشروع يستهدف فكفكة الجغرافيا العربية واعادة تركيبها من جديد على أسس مذهبية وطائفية ، كذلك ما يحصل في فلسطين منذ ما يقارب سبعين سنة، كلها مجازر وجرائم تضاف لسجلهم الأسود المليئ بصفحات الغدر والأنتقام، ورغم ذلك لابد للحق أن ينتصر وستبقى قوى المقاومة قادرة على المواجهة حتى تحقيق اهداف شعوبها.
لقد صم الجميع آذانهم أمام هول المجازر في لبنان وفلسطين ودول المنطقة وعصبوا عيونهم المفتوحة ، وهذا يؤكد تواطؤ المجتمع الدولي التي تتزعمه قوى الامبريالية في مؤامرة الصمت تجاه انتهاكات كيان العدو المستمرة للقانون الدولي وللشرعة الدولية لحقوق الإنسان في فلسطين، بل يعطي حكومة الاحتلال جرأة بغطرسة القوة الاستعمارية على الاعتداء على نشطاء التضامن الدولي.
إن حماية الكيان الاسرائيلي من قبل الادارة الامريكية وحلفائها بالمحافل الدولية كشف طبيعة الترابط العضوي بين إسرائيل وبين النظام الرأسمالي العالمي حيث أثبتت تجربة الادارة الامريكية أنها لا تستطيع الخروج عن دائرة المؤسسة الحاكمة ذات العلاقة المصلحية باللوبي الصهيوني رغم شعاراتها البراقة عن الديمقراطية وحرية الشعوب ورفض العبودية ، حيث المصلحة المشتركة في السيطرة على الموارد والثروات العربية ومنع استنهاض أي فعل تحرري عربي مقاوم داعم لفلسطين والعمل على تبديد معالم الهوية الفلسطينية وتجزئة التركيبة القومية العربية إلى تجمعات اثنية وطائفية بما ينسجم مع فلسفة الشرق الأوسط الجديد الرامي إلى سيطرة كيان الاحتلال على المنطقة بوصفها دولة امبريالية صغرى تسمى دولة اليهود في العالم ، حيث أصبح من الواضح ان إسرائيل لا تستهدف فقط الشعب الفلسطيني بل ايضاً الشعوب العربية وهويتها القومية الواحدة، وان الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني واخر نظام عنصري وفاشي في العالم يمارس سياسة التطهير العرقي والعنصرية والتمييز العنصري وتزوير وسرقة التاريخ والتراث، باعتبارها قاعدة للامبريالية الاميركية في فلسطين قلب الوطن العربي لا يمكن القبول والاعتراف به والتعايش معه على الاطلاق.
إن ثمة أخطاراً حقيقية تتهددنا جميعاً في هذه المنطقة عنوانها الاستراتيجيا الأميركية ـ الصهيونية الرجعية ومشاريعها الجهنمية المتناسلة من خلال ادوات ارهابيه ، لذلك لا بد من مقاومة المشروع الامبريالي الصهيوني الرجعي من قبل الاحزاب والقوى العربية واحرار العالم .
امام كل ذلك نرى انه لا بد من تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية وعقد المجلس الوطني الفلسطيني من أجل مواجهة الخطر الذي يتهدد الشعب الفلسطيني من خلال صفقة القرن او نقل السفارة الامريكية الى القدس، ومواجهة سياسات الاحتلال ومشاريعه واجراءاته وممارساته العدوانية المتواصلة بحق الشجر والحجر والبشر .
ختاما : تحية وفاء لشهداء مجزرة قانا ولشهداء لبنان وفلسطين وسوريا واليمن وكل شهداء الامة العربية واحرار العالم ، ونحن نحني لهم الهامات إجلالاً وإكباراً لما بذلوه من أجل عزة الاوطان وقدسية ترابها فهم الخالدون في الضمائر ، وهم رمز وعنوان العنفوان والإباءالذين علمونا دروساً في التضحية.