الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الامة النائمة وخيانة العصر

نشر بتاريخ: 22/05/2018 ( آخر تحديث: 22/05/2018 الساعة: 17:08 )

الكاتب: السفير حكمت عجوري

عندما أُحرق المسجد الاقصى على يد متطرف مسيحي صهيوني استرالي بتاريخ 21 /8/69 ادعت جولدا مائير انها لم تنم تلك الليلة خوفا من العرب وقالت "عندما احرقنا المسجد الاقصى لم انم طوال الليل كنت خائفة من ان يدخل العرب اسرائيل افواجا من كل مكان ولكن عندما اشرقت شمس اليوم التالي علمت ان باستطاعتنا ان نفعل اي شيء نريده فنحن امام امة نائمة".
في هذا الاعتراف ما يثلج الصدر كون رئيسة وزراء اسرائيل خافت من ردة فعل عربية الا انه في نفس الوقت يبعث على التشاؤم والاحباط لانه في حقيقة الامر يُبطِن غير ما يُظهِر في كون هذا الاعتراف يحمل في ثناياه مكر صهيوني في لعب دور الضحية وهو ما تعودنا عليه من كل قادة بني صهيون وفي نفس الوقت فيه الكثير لرفع المعنويات لعامة الاسرائيليين من اجل ان يفعلوا حقا كل ما يشاؤون.
اعتراف مائيري ماكر يأتي بعد انتصارين حققتهما اسرائيل على العرب في عامي 48 و67 وهما اللذان مكنا اسرائيل من الوجود بقوة السيف في محيط كان من الممكن ان يجعل من وجود اي كيان استعماري كاسرائيل مهمة مستحيلة لو كان هذا المحيط فعلا امتدادا لمحيط الانتصارات التي حققها العرب والمسلمون في سالف الايام والتي وصلت بهم الى اطراف العالم القديم.
من هنا كان ضم القدس الشرقية وبناء المستوطنات على اراض فلسطينية احتلتها اسرائيل في سنة 67 واسكنتها مئات الاف المستوطنين مهمة تحد سافر ليس للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني فحسب بل ايضا للامة التي ما زال معظمها يغط في سبات عميق. 
واستنادا الى هذا الواقع العربي المتردي الجديد القديم الذي هو امتداد لتحالف نشأ بين العرب وبريطانيا في العقد الثاني من القرن الماضي ضد الدولة التركية او بالاحرى ضد الامبراطورية العثمانية، والذي تم استبداله لاحقا بتحالف مع اميركا، اصبح الامر سهلا على تاجر العقارات ترمب ان يعلن عن بيع القدس اولى قبلتي مليار وسبعمائة مسلم او ربما تنازل عنها كواحده من ابراجه بمزاعم دينيه لاتباع الحركه الصهيونيه الذين هم اصلا لا يؤمنون بالله.
ليس هذا فحسب بل انه وبفضل امتنا النائمة وعشق حكامها لكرسي الحكم وبأي ثمن تمكن ترمب من ان يتحول الى تاجر دول وليس عقارات فقط فهاهو يشتري دول بثمن رخيص ويعيد بيعها لاهلها باثمان باهظه بحجة حماية هذه الدول من بعضها البعض أو من اعداء وهميين.
ما دفعني للخوض في هذا المستنقع اللزج الذي اصبح من الصعب الولوج فيه لصعوبة الخروج منه بامان هو ما اصبحت تتناقله وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن مواقف بعض الحكام العرب غير المعلنة والتي انعكست بشكل سلبي على بعض الابواق المحليه الجاهله التي اصبح همها الوحيد جلد فلسطين واهلها والتي لا اجد لهذه الابواق وصفا غير التصهين.
احدهم يصف قضية الشعب الفلسطيني بالقضيه القذره واخر يقول من باعوا ارضهم وغيرهم ممن قال ما هو اسوأ وذلك انسجاما مع حالة التصهين العلني التي اصبحت تتفشى عربيا والتي لم يعد بالامكان تجاهلها بالرغم من كل ما سمعناه وما زلنا من اخواننا العرب في مؤتمر الزعماء في الظهران وما تلاه في اجتماع الوزراء في الجامعه العربيه، كلام وقرارات تثلج الصدر لها وقع موسيقي تطرب لها الاذان وتصح على ايقاعها الامراض ولكن للاسف الامراض النفسيه فقط التي والحمدلله اننا كفلسطينيين لا نعاني منها وانما نعاني من نزيف متواصل من الاف الجرحى والشهداء الذين ارتقو دفاعا عن قبلة المسلمين الاولى ومنذ اليوم الاول لبيع القدس على يد ترمب وربما منذ سنة النكبه ، هذا النزف لم ولن تتمكن كل هذه الموسيقى العربيه من وقفه.
ما زلنا كفلسطينيين نعتقد باننا جزء من امه سادت الدنيا في يوم مضى وما زلنا نقول واهلي ولن ضنو علي كرام ونعرف القدرات العربيه والاولويات العربيه التي اصبحت فلسطين في قاعها وبالتالي لم ولن يجرؤ اي فلسطيني مسؤول كان او من عامة هذا الشعب ان يطالب الجيوش العربيه بتحرير قبلتهم الاولى خصوصا وان تسليح هذه الجيوش كان وما زال مشروطا بمحاربة اي كان الا اسرائيل القوه القائمه بالاحتلال.
الا اننا وبالرغم من اننا لا نصدق ولا نستمع لوسائل الاعلام الصهيونيه المغرضه التي تقول ان صفقة العصر هي صناعه اميركيه اسرائيليه عربيه الا انه اصبح من غير المعقول ان تكون كل هذه التقاطعات في تناقل المعلومات ونشرها ومن مصادر عربيه وغربيه متعدده ان تكون كلها كاذبه مع اننا نتمنى ان تكون كذلك.
علما بان الشهيد الراحل عرفات عندما كان يفاوض في كامب ديفيد الثانيه في عام 2000 اتصل ببعض القاده العرب لمشورتهم فيما كان معروضا عليه وكان افضل بكثير مما تحمله صفقة العصرالتي هي فعلا خيانه للعصر وخيانه لكل العرب والمسلميين الا انه لم يجد في حينه مِن مُوافق.
ما حصل في عام 48 ومشاركة جيوش عربيه كان في ظاهره انتصارا للفلسطينيين من قبل الاخوه العرب و في هذا السياق لا بد من الاقرار بان الدماء العربيه الطاهره التي سالت على ارض فلسطين ستبقى دينا في اعناق كل الفلسطينيين والى يوم الدين.
الا ان هذا لا يمنع انها كانت مؤامره ولا بد ان تُكشُف خيوطها كما كانت مؤامرة استبدال الحكم التركي بالحكم البريطاني والفرنسي والذي كانت نتيجته تقسيم العرب وخلق حدود للعداوه والتفرقه وهو ما نعاني منه كعرب الان ولكن الاهم من كل ذلك كان ضياع 78% من ارض فلسطين.
في نهاية الحرب العالميه الاولى عهدت عصبة الامم الى بريطانيا العظمى ببسط انتداب من الدرجه أ على فلسطين بمقتدى الفقره 4 من البند 22 من ميثاق عصبة الامم الذي ينص،
"بعض المجتمعات التي كانت تتبع الامبراطوريه التركيه سابقا قد بلغت مرحله من النمو بحيث ان وجودها بصفتها امما مستقله يمكن الاعتراف به مؤقتا شريطة ان تخضع لانتداب يسدي لها النصيحه الاداريه ويقدم العون الى الوقت الذي تكون فيه قادره على ان تقوم بنفسها وتتدبر امورها".
هذا كان حال فلسطين ازدهارا ونموا قبل النفط وقبل ان تدوسها ارجل المهاجرين اليهود الذين أصبحو بقناعة بعض المسؤولين العرب اصحاب حق في الوجود في فلسطين وحق في الدفاع عن انفسهم. هذه القناعات الجديده او بالاحرى التنازلات الجديده هي في الواقع امتداد لتنازلات تعود الى عشرينات القرن الماضي المذكوره انفا والتي تم من خلالها المقايضة بفلسطين من اجل العروش التي ومن اجلها ايضا وكانما التاريخ يعيد نفسه ، تتم المقايضه الان ببقية فلسطين من خلال صفقة القرن.
وختاما لهذا الفصل من تاريخ امه تتناسى تاريخها لابد وان نذكر من افقدهم الله البصيره بان نجاح الماضي كان بسبب افتقار الفلسطينيين للقيادات الواعيه ولكن في زمن خيانة العصر الذي نعيشه الان هناك 12 مليون قائد فلسطيني واعي يقابلهم عشرات ملايين من العرب والمسلمين والذين هم قادرين على اعادة تصويب البوصله التي يصر هؤلاء على بقائها منحرفه.