السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

سؤال التنمية والتطور: السبب والمعيقات

نشر بتاريخ: 16/07/2018 ( آخر تحديث: 16/07/2018 الساعة: 11:33 )

الكاتب: عوني المشني

تستغفلنا الغرب لسنوات بمقولة ان الفكر الديمقراطي الغربي هو سبب التطور والمحرك له، وهو الوصفة السحرية لإزالة لعنة التخلف، ذهبنا لجامعات اوروبا وتعلمنا هناك واحضرنا معهم ثقافتهم ونظمهم وأخلاقهم وملابسهم وماكينات حلاقة الذقن وكاميرات التصوير ولكن بقينا في حضيض التخلف ولم نتقدم قيد انملة وكانت مفاجئتنا بل مفاجئة العالم الصادمة ان الصين وبثقافة كونفوشيوس قد سبقت اوروبا على درب التطور بل وتصدرت العالم باجمعه وبدون ثقافة الغرب الديمقراطية، سقطت نظرية الثقافة الغربية كمسبب للتطور لنذهب في البحث عن حبل غسيل اخر نعلق عليه قصورنا وتراجعنا وهزائمنا وتخلفنا، وهنا بدا ان جلد الذات كان هو المهرب، ذهبنا لنقول ان الدين هو سبب تخلفنا، المجتمع الديني والثقافة الدينية والأحزاب الدينية والإرث الديني، وبدأنا نحارب طواحين الهواء لنتخلص من إرثنا وحضارتنا وثقافتنا عسى ان نتطور، ولكن قبل ان ننهي حربنا الهوجاء تلك فاجئتنا تركيا وماليزيا، دول بثقافة اسلامية وارث إسلامي شبت عن الطوق وقفزت درجات سلم التطور برشاقة وثقة، تركيا يحكمها حزب إسلامي، وتصبح الاقتصاد رقم ١٤ عالميا، تركيا قبل حزب الرفاه والتقدم كانت دولة بمديونية تزيد عن مئة وخمسون مليار لتصبح الان دائنة للبنك الدولي بعشرات المليارات، في اوروبا من بين كل ثلاث اجهزة كهربائية بيتية جهاز منشأه تركي ، تركيا ارتفع دخل الفرد في عهد الحزب الاسلامي مئة وخمسون ضعفا ، تركيا صعدت سلم التطور بنظام إسلامي وماليزيا صعدت سلم التطور بثقافتها الاسلامية.
اذن ما المبرر الذي سنسوقه بعد لتبرير تخلفنا ؟!!!
قال بعضهم بلادنا فقيرة !!!! لكن اليابان اكثر فقرا بالمواد الخام والامكانيات، وكوريا الجنوبية اكثر فقرا !!!! النفط عَصّب الصناعة ومحرك المصانع والطائرات بمعظمه في بلادنا وليس في اليابان ومع ذلك لم نتطور !!!!
بنظرة اعمق واكثر شمولية نجد ان القاسم المشترك الأكبر بين تلك الدور التي صعدت على سلم التطور ووصلت الى مراحل متقدمة هو : نظام غير فاسد يمتلك مشروع تنموي. فقط هذه هي كلمة السر التي تفتح الابواب الموصدة بوجه التطور، نظام ماركسي كالصين او نظام إمبراطوري كاليابان او ديني مثل تركيا او ديمقراطية غربية مثل المانيا او حتى نظام هجين مثل ماليزيا، نظام يتوفر لديه مشروع تنموي واضح وببرنامج جاد ومحاربة جادة وقاطعة للفساد، لا يهم الأيدلوجيات ولا الثقافات ولا الأديان ولا الامكانيات ولا المواقع ولا التاريخ. نظام كهذا سيقهر التخلف ويقضي على المجاعة وينهي الجهل ويضع الشعوب امام دورها ، نظام كهذا يرتقي بالبلاد الى قمة التطور.
في عالمنا العربي نمتلك النفط والتاريخ والإرث الحضاري والدين الذي يشكل منبع الأخلاق ونقع في ذيل العالم من حيث النمو والتطور لا لسبب الا لان انظمتنا فاشلة فاسدة مفسدة لا مشروع لديها سوى الكسب الغير مشروع وترسيخ نظام الحكم.
من هنا البداية، من هنا نبدأ، لا تبسيط ولا تسطيح للامر، لا تعقيد ولا ترف فكري ولا نظريات، المسألة واضحة والحقائق عنيدة، أعطني نظام جيد غير فاسد بمشروع تنموي اعطيك بلدا متطورا وانسان معطاء ورفاهية مجتمعية.
ربما ان هناك من يريد ان يحمل الاستعمار مسئولية الفشل، لكن استمرار وجود وتدخل الاستعمار مرتبط بالانظمة الفاسدة وغياب المشروع، مرتبط جدليا، بمعنى الاستعمار يساعد على اطالة عمر الأنظمة الفاسدة بالمقابل الأنظمة الفاسدة تستقدم الاستعمار وتعزز وجوده، وفِي النهاية تتهاوى الأنظمة او تستنسخ نفسها من جديد.
امام هذه الحقيقة على النخب الفكرية والاقتصادية والسياسية ان تراجع دورها، تراجع أولوياتها، تراجع برامجها، وتضع في مقدمة أهدافها انشاء نظام له برنامج وخالي من الفساد، وعندما نقول خالي من الفساد نعني الفساد بمفهومه الشمولي الذي يعني المحسوبية والواسطة والقبلية والجهوية والاستزلام وشراء الولاء وتبذير المال العام وانعدام المعايير، فالفساد ليس السرقة فحسب بل هو منظومة متكاملة بدون اجتثاثها لا تطور ولا نمو.
من هنا، من هنا فقط نبدأ، والزمن لا ينتظر احد.