الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مصر وقطاع غزة بين حتمية التحرك وضرورة النجاح

نشر بتاريخ: 19/07/2018 ( آخر تحديث: 19/07/2018 الساعة: 19:54 )

الكاتب: اللواء محمد إبراهيم وكيل المخابرات المصرية الأسبق

يبدو أن هناك كثيرين ممن لا تزال لديهم أسئلة متعددة حول طبيعة الاهتمام المصري بقطاع غزة ولماذا تركز مصر تحركاتها تجاه القطاع وتتابع الأوضاع فيه عن كثب وتتدخل بين الحين والآخر لضبط البوصلة هناك كلما كان الأمر ضرورياً؟ ولذا سوف أحاول في هذا المقال معالجة هذا الموضوع بتركيز شديد من خلال ثلاثة عناوين رئيسية الأول حول محددات التحرك المصري والثاني حول محاور هذا التحرك والمحور الثالث حول متطلبات المرحلة المقبلة.

أولاً: محددات التحرك المصري: المحدد الأول أن قطاع غزة بحدوده البالغة 14 كم مع الحدود المصرية في الاتجاه الشمالي الشرقي يدخل فيما نسميه بدائرة الأمن القومي المباشر مثله مثل الحدود المصرية مع ليبيا في الغرب وإسرائيل في الشرق والسودان في الجنوب وهي دائرة تتعامل معها مصر بإستراتيجية محددة وجادة لا تهاون فيها. المحدد الثاني أن مصر تتعامل مع القطاع في إطار تعاملها مع القضية الفلسطينية ككل، فمصر لم ولن تتعامل مع القطاع ككيان منفصل عن كل الجسم الفلسطيني، حيث إن القطاع والضفة الغربية يمثلان معا ـ وليس إحداهماـ الدولة الفلسطينية المستقلة المنتظرة. المحدد الثالث أن مصر لم ولن يكن لها أي أطماع أو مصالح خاصة في القطاع ولذا فهي تتحرك بكل شفافية وجدية بل إن دورها أصبح مطلوباً ومرغوباً بقوة من جانب كل الأطياف الفلسطينية.
المحدد الرابع أن الامتداد الجغرافي بين سيناء وقطاع غزة يمثل اهتماماً أمنياً خاصاً لمصر، حيث إن استقرار الأوضاع في غزة يؤثر على استقرار الأوضاع الأمنية في سيناء والعكس ولنا في مسألة انتشار الأنفاق وأنشطة الجماعات الإرهابية في سيناء خير دليل على ذلك.

ثانياً: محاور التحرك المصري: المحور الأول ويتعلق بالمجال الإنساني، حيث اتخذت مصر قراراً بفتح معبر رفح البري من أجل تسهيل تحركات سكان القطاع إلى العالم الخارجي مع إغلاقه على فترات لاعتبارات أمنية ولوجستية. المحور الثاني ويرتبط بالوضع الإقتصادي حيث تتبنى مصر مبدأ ألا تتدهور الحياة اليومية لسكان القطاع في ظل طبيعة حصار الجانب الإسرائيلي والإجراءات التي يتخذها ولاسيما إغلاق معبر كرم أبو سالم على فترات ولذا تتدخل مصر من جانبها سواء لإدخال بضائع ومساعدات ضرورية للقطاع أو تضغط على إسرائيل لتخفيف إجراءاتها التعسفية. المحور الثالث ويتعلق بالتدخل العاجل لتحجيم أي إحتمالات لانفجار الوضع العسكري بين إسرائيل والقطاع، حيث تسارع مصر بالتدخل من أجل التوصل إلى تهدئة بين الجانبين كلما تصاعد التوتر بينهما سواء بالقصف الإسرائيلي للقطاع أو إطلاق صواريخ وغيرها من القطاع فى إتجاه إسرائيل، ومن المؤكد أنه دون الجهود المصرية لم تكن هناك أي فرصة للوصول إلى هذه التهدئات المتكررة والتي كان آخرها منذ أيام قليلة، ولا يمكن لأحد أن ينكر الدور المصري في إقرار التهدئة عقب الحروب الإسرائيلية الثلاث على القطاع أعوام 2009 و2012 و2014. المحور الرابع وهو فتح قنوات اتصال دائمة مع كل الفصائل والتنظيمات الفلسطينية الموجودة في القطاع دون استثناء من أجل تنفيذ اتفاق المصالحة الذي تم التوصل إليه في الرابع من مايو عام 2011. المحور الخامس وهو التواصل الدائم مع السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس أبو مازن من أجل تنسيق الخطوات الضرورية في كل التحركات التي تتم.
ثالثاً: متطلبات المرحلة القادمة: المتطلب الأول يتمثل في حتمية استمرار الدور المصري في غزة دون فترات انقطاع مع شمول هذا التحرك كل المجالات الممكنة من أجل المشاركة الفعالة في ضبط الأوضاع في القطاع مع التركيز على جوانب ثلاثة وهي ضبط الحدود وتحقيق المصالحة الفلسطينية وعدم تدهور الوضع الاقتصادي. المتطلب الثاني هو التنسيق المصري مع السلطة الفلسطينية حتى تكون كل التحركات في إطار متوافق عليه ثنائياً على الأقل في خطوطه الرئيسية، على أن يتمثل الهدف النهائي في عودة القطاع إلى الجسم الفلسطيني. المتطلب الثالث أن تكون كل من حركتي حماس وفتح أكثر مرونة فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق المصالحة حيث إن كل هذه الجهود ستكون قاصرة ومؤقتة ما دام الانقسام اللعين جاثماً بقوة فوق الأرض الفلسطينية. المتطلب الرابع أن تحرص كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي على عدم وصول الوضع العسكري مع إسرائيل إلى مرحلة التفجر التي لا يمكن العودة عنها حتى لا يتعرض الوضع في القطاع لمزيد من التدهور مع ضرورة التزام كل الفصائل بـ محددات الرؤية المصرية للتهدئة مادام هناك التزام من الطرف الآخر. المتطلب الخامس: ستظل مصر بثقلها الإقليمي والدولي مؤهلة لأن تتحرك بالتوازي مع كل الجهود الكبيرة التي تقوم بها من أجل إعادة الحياة إلى المسار السياسي لحل القضية الفلسطينية في إطار مبدأ حل الدولتين حتى لا تفرض علينا أي أطراف أخرى تسويات مؤقتة أو صفقات دائمة تنال من حقوق الشعب الفلسطيني ومن المؤكد أن القيادة السياسية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي لن تقبل مطلقاً بأقل مما يمكن أن يقبله الجانب الفلسطيني وهذا أمر مؤكد ونهائي أجزم به تماماً.