الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

قانون الضمان الاجتماعي.. معك ومش معك.. (لا للفساد)

نشر بتاريخ: 18/10/2018 ( آخر تحديث: 18/10/2018 الساعة: 16:05 )

الكاتب: المحامية سناء طوطح

"ليسَ العُمّال بمسؤولين عمّا تُعانيه البلاد من مشاكل، فالمسؤولون هم أولئك الذين لم يُحمّلوا أنفسهم عناء الاهتمام بحالة الشعب والعمل على إنصافه ووضع حَدّ لتضليل المُضللين وفساد الفاسدين".
أدولف هتلر.
بعد التفكير مطّولاً بقانون الضمان الاجتماعي والذي يواجه حراكاً ما بين معارض ومؤيد ومحايد، أجد وبحالة غريبة من الانفصام، بأنني معك ولست معك!! ففكرة قانون الضمان نبيلة إن كانت ستطبق بحذافيرها ومعاييرها الحقيقية وأهدافها السامية بتحقيق التكافل الاجتماعي وتأمين فرص عمل – حيث أن نسبة البطالة في فلسطين في تزايد مستمر-فإن كان ما صدر من وزير العمل أبو شهلا حول ضخ الاشتراك المدفوع من قبل العمال وأرباب العمل في الاقتصاد الفلسطيني صحيحاً فأنا بالتأكيد مع هكذا قانون وإن كان على جزء من حساب أشخاص اخرين وذلك في سبيل استثمار تلك الأموال حتى يتم ضخها في السوق الفلسطيني وتوليد فرص عمل جديدة، أنا مع ذلك في حقيقته لأنني أؤمن تماما بأن التكافل خطوة مطلوبة في ظل الوضع السياسي والاقتصادي الذي نعيشه في فلسطين، كما أؤمن تماما بأن التكافل يقضي تماما على البطالة ويقضي على التسول واقصد بالتسول هنا اللجوء إلى المعونات الخارجية أو الدعم الخارجي أو أخذ القروض ......الخ، وبالتالي قانون الضمان الاجتماعي كفكرة أنا معها وأتمنى تحقيقها بما لا يتعارض مع مصالح جميع الأطراف والمستفيدين، ولكن هناك أمور خطيرة تطفلت على القانون فيما لا يتوافق مع المصلحة النبيلة والمثالية لفكرة الضمان، اوردها على سبيل المثال:
أولاً: أن ارباب العمل سيتحملون ما نسبته 9% من الأموال، والتي بدورها ستؤدي إلى رفع تكاليف المنتجات، وبالتالي انخفاض نسبة القدرة التنافسية لمنتوجاتهم، وهذا سيؤثر بشكل سلبي على صاحب المنتج والمستهلك.
ثانياً:أن يكون القانون إجبارياً لا يتلاءم مع موظفي القطاع الخاص في نظري، حيث أن كثير من الأشخاص يدركون مدى أمان الوظيفة العامة -بالرغم من تدني رواتبها ولكن بوجود ضمانات وظيفية أفضل من وظائف القطاع الخاص-، ومع ذلك يفّضل الكثيرون القطاع الخاص لأسباب مختلفة منها عدم الاقتطاع من الراتب وكون رواتب القطاع الخاص أعلى من رواتب القطاع العام.
ثالثاً: وأرى أن النقطة الثالثة مهمة جداً والتي اذكر من خلالها الفرق بين قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني وقانون الضمان الأردني، فهل وصلنا إلى هذه المرحلة التي نتوقف بها عن تطبيق القانون الاردني الذي طبقناه في بلدنا المحتل سنوات طوال، هل أصبحنا دولة بسيادة كاملة حتى نشرّع ونسن القوانين بقرارات من رئيس دولة فلسطين-وهو بالطبع حق ممنوح له بالقانون الأساسي الفلسطيني والذي يعطيه الصلاحيات لإصدار قرارات بقانون وفق نص المادة (43) من القانون الاساسي-هل نحن في حالة ضرورة حتى يتم سن مثل هذا القانون في هذا الوقت! بالنسبة لي لا ادري!
اعتادت مختلف الدول وخاصة الدول العربية أن تنسخ من بعضها البعض الكثير من القوانين، وأن تأخذ في كثير من الاحيان قوانين بالمجمل من الدول الشقيقة وخصوصا الدول التي تشترك مع بعضها في كثير من الامور سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وجغرافيا..............الخ، فلماذا لم تأخذ السلطة الفلسطينية قانون الضمان الاجتماعي الاردني، حتى أنها اختلفت معه في كثير من البنود، على الرغم من أن الاردن دولة عدد سكانها أكثر من سكان فلسطين ولديها ما يكفي من اللاجئين والنازحين الذين في بعض الاحيان يأخذون فرص أبناء الاردن في العمل، ومع ذلك لم تجحف الاردن في قانونها لتمتص أموال لضخها في سوق العمل الاردني ولتوليد فرص عمل، ومع ذلك نراها دولة تقف على أرجلها وكل يوم هناك استثمار جديد ومصانع وفنادق.....................الخ.
وكل هذا في كفة يد وما انتهكه قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني بحقوق المرأة في كفة أخرى أكتبها في مقالة أخرى مستقلة، والتي كفلها القانون الاردني.
ناهيكم عن الاختلافات الكارثية بين كلا القانونين فيما يتعلق بسن التقاعد، وقيمة راتب التقاعد، ومعدل الراتب المحتسب، والزيادة في حال وجود معيلين، وراتب عند التعطل عن العمل،وراتب التقاعد عند الوفاة..................الخ.
حالة الانفصام تلك تجعلني أقول أنا معك يا قانون ضمان لأنني احلم بالمثالية المطبقة في دول الغرب التي تسعى لتأمين كل فرد من أفرادها للعيش برفاهية وأمان ، لأنني أحلم بالنزاهة والشفافية التي تعبق روائح الدول الغربية، لأنني أحلم بأن يكون كل مال يؤخذ من مال موظف مسكين راتبه لا يتجاوز 2500 شيكل سيكون لهدف سامي الا وهو تامين فرصة عمل لغيره، كما هو الحال في دول الغرب، لأنني أحلم بأن تكون تلك الاستثمارات من هذه الاقتطاعات ستعود لنا بالنفع في كثير من الامور(فرص عمل، بنية تحتية، بنية صحية، بنية تعليمية) كما هو الحال في دول الغرب، فأنا معك يا قانون ضمان اجتماعي سنّته السلطة الوطنية على طاولة مكونة من أقطاب المجتمع:حكومي،خاص،مجتمع مدني....الخ، ولأنني أحلم، ولأنني أحلم، ولأنني أحلم، فأنا لست معك......
أنا معك في حال وجود ضمانات، في حال وجود مكافحة فساد حقيقية فحينها انا معك، ولكن لأنني أحلم فلست معك.