الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

قراءة سياسيه لوعد بلفور بعد مئة عام وعام

نشر بتاريخ: 08/11/2018 ( آخر تحديث: 08/11/2018 الساعة: 12:06 )

الكاتب: د.ناجي صادق شراب

يقال في السياسة العبرة بالنتائج... وليس بالشعارات والكلام المجوف والعواطف والأمنيات. السياسة قوه وقدرة على الفعل، وتحويل الرؤى والبرامج لمشاريع قابلة للتنفيذ والتحقيق. الصورة بعد مئة عام وعام إسرائيل دولة قوة، وتحولت لدولة إمبراطورية بما لديها من نفوذ وتمدد إقليمي. وقبل مئة عام وعام كانت مجرد وعد على ورق بوطن قومي لليهود في فلسطين أصدره وقتها وزير خارجية بريطانيا بلفور إلى روتشيلد بوعد من بريطانيا الدولة الأقوى في العالم، والمتحكمه في مصائر المنطقة أن حكومة جلالة الملكة تتعاطف مع تطلع اليهود لفلسطين. وبعيدا عن الدوافع الإمبريالية الكامنة وراء الوعد، والمصلحة في قيام إسرائيل القوية في قلب المنطقة العربية. 
يبقى السؤال لماذا نجحت الحركة الصهيونية، وفشلنا نحن. وقت صدور الوعد ظهرت الحركة العربية التي فشلت في وقف تمدد الحركة الصهيونية، وتحولت الإمبراطورية العثمانية لرجل أوروبا المريض ليتم تفتيتها إلى دويلات قومية ضعيفة ووقت صدور الوعد كان الفلسطينيون من يملكون الأرض، ولهم الغلبة سكانيا، ولم يكن لليهود إلا تواجد محدود جدا وكانوا في البداية متعايشين مع السكان المحليين، ولا يملكون الأرض..... سبق وعد بلفور المؤتمر الصهيوني ألأول عام 1897 الذي حدد الهدف وألاليات، الهدف واضح وطن قومي والمقصود دولة يهودية في فلسطين، وألآليات وكالة قومية، ومؤسسات، وحشد وتبني دولي لهذه المطالب، وقتها لم تكن قد أنشئت عصبة الأمم، العلاقات الدولية تتحكم فيها أوروبا التي تسيطر وتتحكم في العالم، وكان الدرس الأول في التحالف والتعامل مع القوة القادرة على ترجمة أهداف المؤتمر لواقع ملموس على الأرض، فكان أولا وعد بلفور، ثم تسخير عصبة الأمم لترجمة أهداف الحركة الصهيونية من خلال وضع فلسطين تحت سلطة إنتداب بريطانيا لتبدأ المراحل الأولى لترجمة اهداف الحركة الصهيونية... من فتح أبواب فلسطين للهجرة، وتسهيل نقل الأرض، وإقامة المؤسسات التعليمية والإقتصادية في فلسطين، وتشكيل مليشيات عسكرية نواة للجيش الإسرائيلي، وصحيح أن بريطانيا قدمت مشاريع كثيرة منها لجنة بيل للتقسيم، وغيرها من اللجان وأصدرت كتبا كثيرة لكن الهدف الإستفادة من عنصر الوقت، لكن هدف الإنتداب فقط تنفيذ وعد بلفور، ثم جاءت الحرب العالمية الثانية ولينتقل مركز القوة العالمية إلى الولايات المتحدة، ولتنقل معها الحركة الصهيونية مركز ثقلها إليها في اعقاب مؤتمر باليتمور عام 1942 والنتائج واضحة بتبني إسرائيل والإعتراف بها، وحمايتها دوليا، ودعمها إقتصاديا وعسكريا وصولا لإدارة ترامب ونقل السفاره إلى القدس والإعتراف بها عاصمة لإسرائيل وتقليص دور وكالة الغوث تمهيدا لشطب قضية اللاجئين. 
وكما إستفادت الحركة الصهيونية من عصبة الأمم إستفادت وسخرت الأمم المتحدة بدعم أمريكي وبريطاني وفرنسي وروسي بالإعتراف بها دولة وصدور قرار رقم 181 ـ الذي سمح بقيام إسرائيل دولة على مساحة تقارب 54 في المائة، وبعدها حرب 1948 وهزيمة الجيوش العربية ولتصل مساحتها حوالي ثمانين في المائه من مساحة فلسطين ثم حرب 1967 لتحتل بقية فلسطين ولم تترك للفلسطينيين إلا مساحة أقل من عشرة في المائة في الضفة الغربية وحديث عن دولة فلسطين على مساحة واحد بالمائة في غزه....
وفي الوقت ذاته زادت من إستيطانها للآراضي الفلسطينية، وليفوق عددهم أو يقارب المليون في الضفة والقدس وأصدرت العديد من القوانين وأخرها قانون القومية اليهودية. ولم تقف الأمور عند هذه الحدود، بل حققت تفوقا في قوتها العسكرية، ونجحت في توظيف تحولات القوة على مستوى المنطقة وخصوصا بعد التحولات بما عرف بالربيع العربي، والإستفادة من إنتشار الإرهاب والعنف، وبروز خطر إيران، لتتاح لها فرصة الإنفتاح عربيا، فنجحت في توقيع معاهدتي سلام مع أهم دولتين عربيتين مصر والأردن، ومحاولات للتطبيع العربي....
وبالمقابل لو عدنا للحالة الفلسطينية منذ صدور وعد بلفور، تراجع في الوجود الفلسطيني، حالة من ألإنقسام الفلسطيني رغم تصدي الشعب الفلسطيني عبر ثورات وإنتفاضات شعبية في العشرينات من القرن الماضي والثورة الكبرى ثورة 1936 التي أجهضت بفعل الإنقسام والتدخل العربي، لكن فشل الفلسطينيون في تفهم الحركة الصهيونية، وفي التعامل مع موازين القوى العالمية وتحولاتها، ورغم بعض الإنجازات التي تسجل لمنظمة التحرير بالحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، وتشكيل كينونة فلسطينية تجمع الكل الفلسطيني، لكننا وبلغة العصر نعاني من إنقسام وتجاذبات وخلافات فلسطينيو بين أكبر حركتين فتح وحماس، وفشلنا في بناء نظام سياسي ديموقراطي جامع، وبلورة رؤية وطنية ملزمة، ولعلي أذكر أن أحد أهم نجاحات إسرائيل في بناء نظامها السياسي، والإلتزم بشرعية سياسية واحده، وبناء عناصر القوة الشاملة والتعامل مع تحولات موازين القوى، ونجاحها في تحويل وعد بلفور لواقع سياسي يجسد نفسه في دولة قوية، تمهيدا لمرحلة الدولة الإمبراطورية. 
هذه هي الدروس والعبر من قراءة هذا الوعد دروس في النجاح والفشل السياسي. ولم يبق أمام الفلسطينيين بعد مئة عام وعام إلا الحفاظ على قوة الشعب الفلسطيني ووحدته، وشرعية قضيتهم، ولا ينتظرون أن يمنحوا وعدا كما منحت الحركة الصهيونية، فالوعود لا تمنح إلا للأقوياء...