الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

التّواصل الإعلامي ما بين المواجهة والتّبعية؟!

نشر بتاريخ: 17/11/2018 ( آخر تحديث: 17/11/2018 الساعة: 14:01 )

الكاتب: د. سهير قاسم

إن دور الإعلام الفعليّ في المجتمعات أن يكون قياديّاً رياديّاً، لا تابعاً أو مقاداً لجهات عديدة، ذلك هو الدور المنوط به في الأزمنة والعصور جميعها، فماذا لو كان ذلك الإعلام واقع تحت احتلال إسرائيليّ بغيض؟ كيف سيمكنه أن يقود ولا يُقاد ما بين هبة من هنا أو هناك في ظلّ كبر الهم، وجسامة حجم المسؤولية في تحمّل تبعات صغائر الأمور وقضايا المجتمع الوطنية وهمومه التي تزداد يوماً بعد يوم وتختلف باختلاف مراحل النّضال؟
وتقع مسؤولية الاعلام على عاتق الأفراد والجماعات، فهناك الإعلام العام الذي يقوده المواطن، وهناك الإعلام المتخصص الذي يقوده الإعلامي صاحب الرسالة، الذي قضى سنوات من عمره وبحثه في الدرس والتّقصّي الإعلاميّ، وتتوزّع المسؤولية على الجميع بغض النظر أكانوا أفراداً أو مختصين، ولا يصحّ تحميل الهم والأمانة لجهة بعينها؛ فكل كلمة محسوبة ومرصودة علينا أمام جيل نسعى إلى تربيته ورعايته، باعتبارهم أمل المستقبل وقادته.
فالكلمة المعبّرة قد تكون مساراً لطفل أو لمواطن، قد تكون وجهته ومنهج حياة له، فالتّعليم والتّعلم تراكميّ من خبرات الحياة والإنسانية، وما نشاهدُه ونلاحظُه ونراه ونسمعُه، ترقبه عيونهم، إن شاكسنا قلدونا، وإن انتقدنا كانوا ناقدين، وإن تحدثنا عن حبّ الوطن تحدثوا، وإن كرهنا كرهوا، الكلمة الطيبة قد تخرج طيباً، والكلمة السيئة قد تضرّ مجتمعاً بأسره، فهلا تهذّبت الكلمات والسّلوكيات، خاصة أننا نواجه ونُناضل ضد محتل إسرائيليّ فقط، وفي الوقت نفسه فإن تربية جيلاً والتأثير فيه تكون من مسؤولياتنا، فما بالك لو كنت مسؤولاً أو قائداً أو إعلامياً أو معلماً، دون شك فإن المسؤولية تزيد، والهم حتماً سيكبر.
في ظل هذه الظروف التي تحاصرنا من كلّ اتجاه، كيف لنا أن نقع فرائس في براثن الاحتلال بغض النظر كنا مواطنين أو إعلاميين متخصصين؟ الأمر سهل على المحتل الذي لا يحتاج إلى كثير من التخطيط، فسرعان ما نقع في شراكه، ودون تفكير أو روية منا نقدّم المساعدة والمعونة بقصد ودون قصد، ونحمّل أنفسنا الإساءة، ويُهاجم بعضنا بعضاً، نغوص في مواقعهم ناقلين للخبر المصوّر، والخبر المكتوب وحدث ولا حرج دون تدقيق أو تمحيص حتى للسّياق أو حتى التفكير لمصلحة من يكون ذلك؟ وهنا يقع اللوم على الجميع، وإن كنت أخص الإعلامي المتخصص بالمسؤولية أكثر، إذ يتوقّع أن يكون متحصناً ومتسلحاً بالمهارة والحنكة التي تجنبه الوقوع في مثل هذه المصائد.
تلك السّطور تقودني إلى التساؤل الكبير: هل يسبق الإعلام الحدث أم يسبق الحدث الإعلام؟ ولا أستغرب الخلط من المواطن العاديّ، لكن الإعلامي والمسؤول لا عذر لهما، فالتّسرع في النقل أو الخطأ سيزيد الأمور تعقيداً باعتباره صاحب الرسالة والثّقة للجمهور. فما بال اللاموضوعية رانت على العقول، وأثرت المصالح الخاصة والشخصية على النّقل والبث، ذلك لا يعني عدم الاعتراف بالأخطاء، وليس من باب الإخفاء والطمس للممارسات اللامسؤولة، فالديمقراطية مطلب وحاجة، ووضع الأمور في نصابها عين الصّواب، أما أن تلبس الديمقراطية ثوب الفوضى، وعدم القدرة على التفريق بين المصطلحين، فتلك مصيبة مجتمعنا والمجتمعات العربية بأسرها، حتماً ذلك سيؤدي إلى الدمار، كما تدمرت مدننا ودولنا العربية، حيث تحوّلنا إلى مجرد ناقدين للقضايا جميعها، وغابت القراءة الصحيحة للأحداث، نكتفي بتوجيه السهام، والكلّ في زنزانة الاتهام، والنتيجة ضياع القضية ما بين القيل والقال، وحينها ماذا سيتبقّى لنا، هل نقول بأن الاحتلال الإسرائيليّ بريء؟!
إن الأحكام المسبقة في البحوث والدراسات من أهم المشكلات في عصرنا الحالي في مجالات الحياة جميعها، وبالتالي فالأحداث مجرد أفكار لخدمة نتيجة وضعها الباحث وصاحب الفكر نصب عينيه بصورة مسبقة بعيداً عن الموضوعية، ولا أعرف لصالح مَن؟ أو ما الذي يريد أن يتوصّل إليه؟ ربما يطغى الجهل في الأحكام لدى ذوي القراءة السريعة، فلا يحتكمون إلى الواقع المُعاش، فيصبّ جلّ غضبهم الذّاتي على القضية دون دراسة للتبعات أو للمخططات الاحتلالية للعقول، وهنا استميح العذر في استخدام مصطلح العقول الضيقة، فهل هذه العقول قادرة على قيادة المرحلة والتطلعات الجسام لشعب يرزح تحت نير الاحتلال؟ بطبيعة الحال ستعم الخسارة على الجميع، وسنكون عرضة للمزيد من الويلات، لا قدر الله.
الجرأة صفة المواطن الفاعل والمناضل والمكافح، لكن الخيط رفيع ما بين حرية الرأي والجرأة من جهة وبين التّشهير من جهة أخرى، قضية من هنا أو هنا تحوّل صفحاتنا الإعلامية إلى اتهامات، دون تريّث أو حتى التفكير قليلاً، كلمات تترامى دون شعور بالمسؤولية، وفي الوقت ذاته تغيب هذه الكلمات المترامية عن قضايا أهم يؤمل أن تكون حديث الساعة، لم يبالي بها الإعلام، ولم تلق الاهتمام نفسه، وعلى سبيل التّمثيل لا الحصر، فهناك قضايا جديرة بالحديث وبالمصارحة أكثر وهي بحاجة إلى توضيحها وإعلانها للجمهور ومقاومة أصحابها، فماذا عن قضية بيع الأراضي والعقارات؟ وماذا عن تجارة العقول والفكر التي داهمتنا منذ سنوات عديدة، وهي في تزايد يوماً بعد يوم في كلّ ركن من أركان الوطن؟! ماذا عن أؤلئك المارقين الذين يقتاتون على عقولنا، وينهبون الأموال ولو حساب أجيالنا، ماذا عن سارقي الفكر، وطامسي الإبداع! ماذا عن أؤلئك الذين يهدمون القيم الأصيلة، ويستبدلونها بالدخيل الفاسد؟ لماذا تصمت الألسنة، وتغيب عن الانتقاد في هذه المحطات الخطرة، فهل من باب الخوف أو الصمت عن تجار العقول والأرض الذي يعملون لصالح خطط الاحتلال الإسرائيلي الممنهجة، بعفوية أو بقصد، فكلاهما خطر داهم!
نعيش مرحلة حرجة ومفصلية في تاريخ قضيتنا، ومن الضّروري مقاومة ومحاسبة كل من تسوّل له نفسه العبث بالوطن، لكن علينا إلى مصفقين أو منافقين أو مشجعين لكل مارق سبيل أو فيسبوكي على هذه الصفحات، فنهرع كالسيل الجارف، وتغيب العقول وتشتعل النيران ضد الجميع دون تفريق ما بين الصواب والخطأ، ننسى أو نتناسى أن التّاريخ يسجّل ، وأن أعين أجيالنا القادمة علينا، كيف لا وهم أمل المستقبل لوطن ينتظرهم وينتظرونه، فهلا سارعنا الخُطى إليه.