الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف
خبر عاجل
جيش الاحتلال يعتقل جهاد نواجعة رئيس مجلس قروي سوسيا بالخليل

نحن لسنا نقديين.. وإنما مجرد نمامين

نشر بتاريخ: 19/11/2018 ( آخر تحديث: 19/11/2018 الساعة: 16:54 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

منذ القدم تواجه مجتمعاتنا العربية مشكلة كبيرة في التعامل مع النقد، لأن النقد مُرادفه كما هو شائع معارضة الحاكم أي الوقوف في موقع معادٍ من الذي مارس الناقد النقد ضد فعله أو سلوكه أو إنتاجه.
وكم من شعراء أو مثقفين أو رجال دين قد نبذوا ونكل بهم، لأنهم عارضوا خليفة أو حاكماً أو تناقضوا مع سلوك خاطئ لأفراد أو مجتمع، ومن يريد أن يبحث في تراثنا سيفاجأ بمعاقبة منتقدين حتى الموت.
لذلك حرمنا طويلاً من الروح النقدية البنائية في مجتمعاتنا العربية، وحتى عندما يتوافر متنفس لذلك ننتقد بشكل متطرف أو تدميري عكس النقد الذي دافعه في الأساس البناء، أي النقد الذي يُمارس في إطار عملية تقويمية بنائية تطويرية.
في مقابل ذلك فإن المجتمعات الغربية تتعاطى مع النقد البنائي كأسلوب حياة في الدين والثقافة والفكر والعلوم الإنسانية بل وفي العلوم كافة، واستطاعت أن تعدّل وتصوّب وتغيّر جذرياً أساليب وممارسات مختلفة، فالناقد عندما يتعامل مع نص أدبي فإنه ينتهج أساليب علمية ويعتمد نظريات، ويتخلص من الانطباعات والخلفيات الشخصية وتصفية الحسابات، فلا يجامل أو ينافق إذا كان الكاتب صديقه أو يرتبط معه في مصالح ما، ولا يستبدل قلمه بسكين لذبح صاحب النص إذا كان الناقد والكاتب على خلاف.
إنه النقد الذي لا يكفرّ أو لا يجرّم، وكذلك لا يدخل الناقد في دروب مبتذلة من المديح الرخيص والتطبيل والتزمير نحن لا نتقدم لأننا لسنا نقديين لا في حياتنا العامة ولا في بحوثنا ودراساتنا، وإنما نميل في كل شيء إلى استغابة بعضنا بعضا، وحتى في أوساط الكتاب والمثقفين ومن تجاربنا اليومية الخاصة، فإننا عندما نتناول نصاً معيناً في حضور صاحبه نجامل وننافق ونأخذ بعين الاعتبار مزاجه وعدم الاصطدام معه، وعندما ننتقد في غيابه نشرّح ونهزئ وننفي وتستخلص استخلاصات موغلة في الظلم والتطرف. إننا في حضور المعني ننتقد بلا منهجية وفي غيابه نطلق الكلام على عواهنه وبلا أية منهجية أيضاً.
كنا في مرحلة الدراسة الابتدائية ننشغل طلبة ومعلمين ومدير مدرسة وربما أهل القرية، عندما نعلم أن مفتشاً قد حضر لتقييم معلم ما، وكان المعلمون يعيشون حالة من الرعب، لماذا؟! لأن هناك اعتقاداً بأن المفتش جاء ليصفي حسابات مع المعلم، ليكشف عيوبه ويرفع تقريراً للجهات الأعلى يلعن اليوم الذي جاء فيه هذا المعلم إلى الدنيا، مع أن المفروض والطبيعي أن يكون المفتش قد حضر في إطار عملية تقويمية بنائية تهدف إلى تشخيص أداء المعلم وبالتالي رفده بالمعلومات والتوجيهات بلغة تحفيزية من شأنها أن ترتقي بأدائه، أو توجيهه ليلتحق بدورات دورات تطويرية.
وعندما حاولنا في عالمنا العربي أن نلحق بالركب في عالم ثورة التكنولوجيا استعملنا النقد في البرامج التلفزيونية التي تأتي بضيفين متناقضين للتسفيه والإساءة والتحطيم، لدرجة أن الضيفين قد ينتقلا من الكلام إلى الضرب وتكسير الطاولة وتدمير الاستوديو.
ومعلوم أن الأسلوب النقدي في التعليم والاقتصاد والسياسة والعلاقات الاجتماعية والعمل البحثي والإبداعي يشكل أساساً للتطور والارتقاء، أما إذا بقينا نجتر مفاهيمنا القديمة وتكررها من مرحلة إلى مرحلة أخرى دون إجراء نقد موضوعي لها بغية التطوير، سنظل ممسكين بذيل المجتمعات البشرية لا نُحرك ساكناً في الحاضر والمستقبل، لا سيما فإن مناهجنا التعليمية العربية لا تعلم النقد، بقدر ما تجبر الطالب على التقليد والمحاكاة وتقديس التاريخ وتعظيم رموزه، مع أن رموزاً تعلمنا عنها في التاريخ رُفعت إلى المطلق، اكتشفنا بعد أن قرأنا وتثقيفنا واعتمدنا معلومات من مصادر مختلفة، أنها على العكس تماماً مما لقنوه لنا.
اعترف أنه في بلادنا فلسطين قد جرى تطور محدود على المناهج ودخلتها الروح النقدية، لكن الأسلوب التقليدي ما زال مسيطراً، حيث نحتاج إلى سنوات من العمل الدؤوب لكي نؤسس لشراكة تعليمية تعلمية تكاملية بين الطالب والمعلم تعتمد الحوار الديموقراطي لا التلقين وإيداع المعلومات في بنك الطالب المتلقي.
إن ترسيخ الروح النقدية في التعليم والحياة العملية، هو السبيل لتحسين فهمنا وأدائنا وانتاجنا ونقصد الروح النقدية العلمية الغيورة ذات الرسالة التطويرية، لا نقد التحطيم وتثبيط المعنويات والعزائم أو ذلك النقد النقد الاحتفالي للمنافق الذي يضخم الإيجابيات ولا يرى السلبيات.