الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المبادرة الوطنية...الإخفاقات والسلبيات

نشر بتاريخ: 29/11/2018 ( آخر تحديث: 29/11/2018 الساعة: 10:18 )

الكاتب: سري سمور

في المقال السابق (ما الذي يميز " المبادرة الوطنية"؟) تحدثت عن أبرز مزايا وإيجابيات المبادرة ولكن مع وجود هذه الإيجابيات ظلت المبادرة حركة أو حزبا محدود التأييد الشعبي، وغير قادر على منافسة القطبين، بل حتى أخفقت في مزاحمة حركات وفصائل فلسطينية أخرى.
والآن لنتحدث عن سلبيات وإخفاقات المبادرة التي كان لها الدور الأبرز في محدودية التأييد وضعف هذه الحركة ، ويمكننا أن نوجزها بمجموعة من النقاط.
1) العجز عن إيجاد قيادات صاعدة وفاعلة: هناك كثير من الناس يعرف أو يغلب على معرفته ووعيه اسم (د.مصطفى البرغوثي) أكثر من اسم الحركة/الحزب الذي يقف على رأس هرمه؛ فما هي الشخصيات القيادية في المبادرة المعروفة على المستوى الوطني العام؟لا يوجد، وهذا على العكس من وضع القوى الفلسطينية الأخرى، التي يعرف الناس أسماء قياداتها مرتبطة تلقائيا بأسماء الأجسام السياسية، كما في فتح وحماس والجهاد والشعبية.
لكن المبادرة حركة يعرف الناس رأسها أكثر مما يعرفونها، ولو جربت وسألت عينة عشوائية من المواطنين فإنك ستجدهم يعرفون (د.مصطفى البرغوثي) ولكن قد يغيب عنهم اسم حركته وقد يجيبون بنوع من عدم التأكد تحسبا لخطأ في نطق الاسم!
ذلك لأن المبادرة لم تخرج حتى الآن قيادات صاعدة جديدة، فطغت شخصية د.مصطفى تماما على الحركة/الحزب؛ ولذا فإنه في حال غياب د.مصطفى لأي سبب أو ظرف كان، فإنه لا يبدو في المبادرة قائد جديد ظاهر جاهز لمثل هذا الغياب، يعرفه الجمهور الفلسطيني.
فالمبادرة تعاني من هذه المشكلة، ولا أستطيع القول بأنه لا يوجد قيادات يمكن تصعيدها بسهولة كي تكون معروفة لدى الناس، أو أن المبادرة رضيت بالوضع القائم، أي أن رأسها معروف واسمه متداول أكثر منها، ولكن فعلا هناك نـقص في الكادر عندهم، لدرجة أن المبادرة في بعض المناطق مرشحها لأي انتخابات هو الشخص ذاته.
وهذا الجدب في الكوادر القيادية الجاهزة أضعف من قدرة المبادرة الوطنية على المنافسة، بحيث تكاد تكون أشبه بظاهرة الشخصية العامة النشطة، أكثر منها بظاهرة القوة السياسية العاملة ذات الشخصية القائدة!
2) العزوف عن العمل المسلح مبدئيا:سئل د.مصطفى البرغوثي في حوار متلفز عن استعداد حركته لخوض المقاومة المسلحة؛ فأجاب بأنه لا مانع، في حال توافقت القوى الفلسطينية على تبني المقاومة المسلحة، فإن المبادرة لن تشذ عن التوافق.
وهذه إجابة ذكية، لأنها وبطريقة دبلوماسية تجيب بـ(لا) حيث أنه في تاريخ المقاومة والنضال الفلسطيني منذ الانتداب البريطاني حتى الآن، لم تجمع الفعاليات السياسية أو الشعبية الفلسطينية على تبني أسلوب مقاومة واحد مشترك، وبالذات هذه المسألة(الكفاح المسلح) ظلت موضع خلاف كبير.
وبالطبع، هذا العزوف عن العمل المسلح ليس تكتيكا سياسيا تنتهجه المبادرة، بقدر ما هو في فكرها ومبدئها، وحسبنا أن نتذكر ثنائية انطلاقتها(الانتحار والانحدار).
وهذا يقلل فرص منافستها للقوى والفصائل الفلسطينية التي تمارس العمل المسلح أو لها تاريخ فيه أو لا تسقطه من حساباتها.
وشعبنا الفلسطيني كان وما زال وسيظل يعلي من شأن المقاومة المسلحة ويغفر زلات من يخوض غمارها، ويبجّل شهداءها وقادتها ومقاتليها من كافة التوجهات أوفى التبجيل، كما أن هؤلاء الأبطال غالبا محل إعجاب وقدوة لكثير من الشباب الفلسطيني، ونحن مجتمع شباب كما نعلم، ولذا ظل من حملوا السلاح منذ أكثر 80 عاما أيقونات راسخة محترمة تسكن وجدان شعبنا.
المهم أن المبادرة تعاني من شح بل انعدام الأيقونات المقاومة التي خاضت غمار العمل المسلح، والسؤال هنا:هل سنرى المبادرة الوطنية الفلسطينية تعلن عن نعي أو تبني عنصر من عناصرها نفذ عملية طعن أو إطلاق نار أو تفجير، وهي تفاخر بهذا العمل وتعتز به، ولا تتنصل منه؟الجواب حتى الآن (لا)، فهذا السيناريو غير متوقع وليس قائما، وبالتالي فإن المبادرة لم ولن تحصد شعبية وجماهيرية تضاهي القطبين، أو حتى فصائل أخرى حملت وتحمل السلاح، أو لا تسقط خيار السلاح من برنامجها، ولو لفظيا أو نظريا...وهذا يقودنا إلى السبب/النقطة التالي/ة.
3) التمويل الأجنبي وشروطه وقيوده: جدل ما يعرف بمؤسسات المجتمع المدني أو(الأنجيوز NGO'S) مستمر منذ فترة، فيشتد حينا ويخبو حينا آخر، من مختلف الجوانب والزوايا، وأبرزها طبعا التمويل الأجنبي، وخاصة الغربي الخاضع لشروط وقيود المموّل، وهي ليست إدارية ومالية فقط، بل سياسية وربما أيديولوجية.
ومشكلة التمويل ليست مقتصرة على المبادرة، فكل الحركات والفصائل تعاني منها، ولكن المبادرة تقريبا ليس لها مصادر تمويل ودخل إلا من المنح الخارجية، الأوروبية وغيرها، وهذا يعني أنها ستفقد هذا الدعم لو تبنت المقاومة المسلحة، وبالتالي فإن سقف الحركة خاضع ضمنا لشروط المموّل، طبعا ناهيك عن تهمة الإرهاب وما يتبعها من مضايقات وملاحقات، ستقيد بل ربما تشل المبادرة؛ وهنا إشكالية كبيرة، تجعل تبرير المبادرة لعزوفها عن خوض العمل المسلح غير مقنع، ويخفي السبب الحقيقي، أي الخوف من قطع التمويل ونيل دمغة (الإرهاب) وتوابع ذلك...ولكن ربما تتحسن حالة المبادرة من حيث جهة التمويل، في حال حصلت على مخصصات مالية من م.ت.ف مثل بقية الفصائل، لا سيما أنها شاركت في الاجتماعات الأخيرة للمجلس الوطني واعتمدت رسميا، ولكن هذا لن يسدّ الثغرات ولن يغنيها عن التمويل الخارجي لمؤسساتها.
والشارع الفلسطيني هنا يفرق في وعيه وسلوكه بين الإفادة من الدعم، وبين منح التفويض السياسي لمن يخشى فقدان هذا الدعم!
4) عدم الحسم والغموض الأيديولوجي: نحن في زمن استفزت فيه الهويات، واستنفرت به الانتماءات، ولا يكفي المبادرة إعلانها موقفا لا يتضارب مع الإسلام، ولكنه أيضا لا يتبناه منهجا، إضافة إلى عدم قدرتها على تحديد طبيعة العلاقة مع اليسار، بطريقة تقنع الشارع الفلسطيني؛ فهل المبادرة جزء من اليسار الفلسطيني، أم هي جسم منفصل أو منشق عنه أو تطور ذاتي له؟وبالتالي يحكم عليها كما يحكم عليه، وضمنا فإن اليسار كله لم يتمكن من تحقيق فكرة التيار الثالث...أم هل المبادرة حركة فلسطينية مستقلة فكريا، يجب أن ينظر إليها كحالة خاصة، تختلف عن النظرة إلى الجبهتين الشعبية والديموقراطية، وتختلف عن النظرة إلى حزب الشعب وغيره، وبالتأكيد تختلف عن النظرة إلى القطبين.
وفي تقديري فإن الحاصل هو توزع نظرة الجمهور بين الإجابات والانطباعات السابقة، لعدم قدرة أو عدم رغبة المبادرة في حسم موقفها الأيديولوجي، مكتفية بعبارات عامة، وتركيز على الحقوق السياسية، والمطالب الاجتماعية العادلة للناس، وهذا أمر كما قلت نجحت من خلاله في إيجاد مكان في التركيبة الفلسطينية، ولكن دون أن تتحول إلى عنصر فاعل في المعادلة.
هذه إجمالا سلبيات وإخفاقات المبادرة الوطنية الفلسطينية، التي حالت دون أن تبلور حالة التيار الثالث الذي نظّرت له، وترى أنها تمثله بطريقة أو بأخرى.
على كل هناك سؤال مشروع وهو أن هناك فصائل خاضت العمل المسلح، للمبادرة شعبية وحضور أكثر منها، وهو ما سأناقشه في المقال القادم بمشيئة الله.