الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

التاريخ لا يكتبه الضعفاء

نشر بتاريخ: 14/12/2018 ( آخر تحديث: 16/12/2018 الساعة: 10:26 )

الكاتب: السفير حكمت عجوري

التشكيك وتحريض الشعب ضد قيادته عادة صهيو اميركية اصيلة وبامتياز وهي تنمي عن رغبة شديدة لدى الطرفين المذكورين من اجل حرف بوصلة النضال الفلسطيني ونقل التناقض من مشروع وطني فلسطيني في مواجهة مشروع احتلالي صهيوني الى مشروع تناقض ما بين الشعب وقيادته على اسس هي اصلا ثمار سامة لبذور زرعها الاحتلال بهدف افساد التربة النضالية الفلسطينية وهو ما دأبت عليه القيادة الصهيونية بسبب عدائها للسلام الذي اغتالته باغتيال رابين في 4 نوفمبر 1995 والذي يبدو ان اصرارها على هذا العداء من خلال اقتحاماتها للمدن والبلدات الفلسطينية وقتلها الميداني بدم بارد لحملة شعلة النضال الوطني الفلسطيني سيعيد لا محالة عجلة هذا النضال الى المربع الذي غيبته عملية البحث الفلسطيني المضني عن هذا السلام.
مبدأ التشكيك والتحريض هذا كان قد تبناه الرئيس بوش الابن واكد عليه في خطابه في شهر يونيو 2002 بخصوص انتخاب قيادة فلسطينية جديدة مع ان القيادة الفلسطينية في حينه كانت حاصلة على جائزة نوبل للسلام.
هذا المبدأ يعيده ولكن بشكل عواء مستفز هذه المرة جيسون غرينبلات الغني عن التعريف بحكم انه من اسوأ ما انتجت السياسة الاميركية كونه لا يتقن غير اللغة الصهيونية وذلك من خلال محاولته بتاريخ 30 نوفمبر الماضي في مقال اراد فيه ان يستخدم الاقتصاد الفلسطيني وسيلة بالطبع غير اخلاقية لتحريض الفلسطينيين للتخلص من رئيسهم بذريعة انه قد "آن الاوان للقاده الفلسطينيين ان يساعدوا الشعب الفلسطيني".
ما يستدعي ولو متأخرا بعض الشيء انه لا بد لهذا العواء من ان يُلقم بصخرة وليس بحجر بالرغم من غلاء الحجر الفلسطيني، لسبب بسيط وهو ان المقال يقلب الحقائق راسا على عقب خصوصا وانه يعتمد اسلوب رخيص وغير انساني لتجميل وانسنة الاحتلال العسكري الصهيوني وهو الاكثر بشاعة في تاريخ الاحتلالات العسكرية المعروفة في التاريخ الحديث وذلك من خلال مجافاة بل وربما معاداة الادعاءات الواردة في المقال للحقيقة، وهو ما تتميز به الادارة الاميركية الحالية في تسويق السموم في قوارير عسل وفي تحليل المحرمات بعد ان اصبح الاحتلال الصهيوني للارض الفلسطينية في نظر هذه الادارة الاميركية وكأنه قدر الشعب الفلسطيني.
انها محاولة يائسة من غرينبلات لاعادة ما يسمى بالسلام الاقتصادي للواجهة وهو الذي ابتدعه النتن ياهو بالرغم من انه تحطم على صخرة الصمود الفلسطيني كونه وسيلة بالية من وسائل استدامة الاحتلال الصهيوني وتطويع الفلسطينيين لقبول العيش في كنف هذا الاحتلال عبيدا بلا كرامة.
وقد بلغت الوقاحة بالكاتب ليدعي ان "الامكانات غير المستغلة للاقتصاد الفلسطيني والظروف الاقتصادية المؤسفة للشعب الفسطيني امر واضح وقد عزى ذلك لاسباب يقول انها معقدة" وبأن ذلك يعود لرغبة القيادة الفلسطينية في منع الفلسطينيين من الشعور بالارتياح من الناحية الاقتصادية لانهم بذلك اي الشعب سيفقد الاهتمام بالقضية الفلسطينية.
كل ذلك يؤكد على ان "غرينبلات" لا يستحي وعليه فهو يقول ما يشاء لانه فعلا لو كان لديه اي ذرة من الحياء لكان ذكر حقيقة واحدة من عشرات الحقائق الموثقة في هذا المجال والتي جاءت نتيجة لدراسات علمية وتقارير دولية كلها تؤكد على ان الاحتلال الصهيوني للاراضي الفلسطينية هو المسؤول الاول عن تدمير الاقتصاد الفلسطيني بحرمان الفلسطينيين من حقهم في بناء وتطوير وانعاش اقتصادهم من خلال حرمانهم من الحرية والاستقلال وتقرير المصير كحق غير قابل للتصرف كما نصت عليه كل الشرائع والقوانين الدولية والتي يتم التأكيد عليها في كل مرة تجتمع فيها الجمعية العمومية لمنظمة الامم المتحدة.
تقارير دولية موثقة من جهات عدة منها الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي كلها اكدت على ان "التطوير المؤسسي الذي انجزه الفلسطينيون يضاهي دول عريقة في المنطقة واكدت هذه التقارير على انه وجتى ان تعمل هذه المؤسسات بطاقة كاملة لا بد من انهاء الاحتلال الصهيوني" المدعم والمبارك من قبل الادارات الاميركية وتحديدا الحالية التي يمثل رئاستها كاتب المقال الذي نحن بصدده.
اكثر من نصف قرن مرت ولا زال الاحتلال الصهيوني العسكري جاثما على صدور الفلسطينيين والذي بدوره يعني استمرار سيطرة هذا الاحتلال على كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية والسيطرة الكاملة على البنية التحتية ومصادر الثروة في كافة المجالات الزراعية والصناعية كما هو الحال في التصدير والاستيراد والضرائب وانظمتها كل ذلك بهدف ربط الاقتصاد الفلسطيني بتبعية كاملة ليبقى سوق استهلاكي للاقتصاد والسوق الاسرائيليين.
في سنة 2011 قامت السلطة الوطنية الفلسطينية ولاول مرة بعمل دراسة اقتصادية حول تكلفة الاحتلال الصهيوني العسكري المتواصل للاراضي الفسطينية، وقد اظهرت هذه الدراسة رقما صاعقا في ان تكلفة الاحتلال لسنة 2010 على كاهل الاقتصاد الفلسطيني بلغت 6.897 بليون دولار وهو ما يعادل تقريبا ضعف الميزانية السنوية للسلطة في تلك السنة.
بمعنى اخر انه وبمجرد انقشاع هذا الاحتلال الصهيوني عن اراضي الدولة الفلسطينية على حدود 1967 سَيُضَخ المبلغ المذكور تلقائيا في حساب الاقتصاد الفلسطيني وطبعا سيتضاعف سنة بعد اخرى من خلال خلق فرص عمل وتطوير بنيوي للاقتصاد المحلي وبالتالي الاستغناء الكامل عن اي مساعدة خارجية مما يمكن الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة ليس فقط بانعاش اقتصادها وتطويره ولكنها ستساهم مع باقي الدول في تطوير الحضارة الانسانية بشكل عام.
هذه المقدمة جاءت طويلة على امل ان تساعد في تشخيص الامراض التي يعاني منها الجسد الفلسطيني وبالتالي معالجتها بقدرات فلسطينية بحتة ذلك ان كان ما زال فينا رغبه للوقوف بشموخ لاستعادة الدور المنوط بنا كامتداد لشعب الجبارين ومن اجل اعادة كتابة تاريخنا الذي تشوه بعد ان تم تزويره وكتابته بالرغم من ان الفلسطينيين هم احرف ابجدية هذه البلاد ولكن التاريخ لا يكتبه الا الاقوياء.
حيث اصبح من المؤلم ومن المعيب ايضا ان نرى كل هذه الرحلات المكوكية العبثية ما بين غزة والقاهره وما بين رام الله والقاهرة وهذا ليس انتقاصا من الأُخُوَه التي تجمعنا بالشقيقة الكبرى مصر ولا اجحافا بحق الانتصار المصري الدائم لفلسطين ولكنه الالم الذي تسببت به هذه الزيارات لشعب فيه ما يكفيه من اوجاع الاحتلال وذلك بسبب عدم جدواها حيث كانت كل عودة من هذه الرحلات بِخُفَي خُنَين بمثابة طعنة اخرى في الجسد الفلسطيني المثخن اصلا بالطعنات ولكنها اكثر ايلاما من كل الطعنات الاخرى كون سكينها فلسطينية.
الانقسام قرار ومصلحة صهيونية بامتياز لانهاء المشروع الوطني الفلسطيني ولكنه للاسف ينفذ بأدوات فلسطينية ومع ذلك ما زال هنك امل كبير وذلك بسبب اصالة الوطنية الفلسطينية وقدرتها في نهاية الامر على افشال هذه الادوات وانهاء هذا الانقسام فلسطينيا وطوعيا من خلال المصالحة وعودة اللحمة للفلسطينيين، وهم جميعا في طرفي بقايا الوطن ضحايا للاحتلال الصهيوني، هذه المصالحه في نظري ليست بحاجة الى وسيط ولكنها بحاجة الى اطلاق العنان للضمير الفسطيني ليقول كلمته الفصل في كل ما يجري حتى لا يأتي يوم نندب فيه كالنساء اذا ما فشلنا لا قدر الله في الحفاظ على مشروعنا الوطني كالرجال.