الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

لماذا يريدون اغتيال الرئيس محمود عباس؟

نشر بتاريخ: 17/01/2019 ( آخر تحديث: 17/01/2019 الساعة: 15:09 )

الكاتب: د.ناجي صادق شراب

الإغتيال إما أن يكون سياسيا أو جسديا. لكنه في النهاية هدفه واحد أي الإغتيال السياسي، والمقصود بذلك إغتيال البرنامج السياسي او المشروع السياسي للرئيس وما يمثله من خطورة على إسرائيل. وهذا المشروع يحول دون تنفيذ الأهداف السياسية العليا لها وأحد هذه الأهداف عدم قيام الدولة الفلسطينية وقلبها الضفة الغربية.. 
وعندما تصل إسرائيل إلى قناعة وهي قد وصلت ان المشروع السياسي للرئيس بات يشكل عقبة كبيرة فهنا يكون الإغتيال السياسي أو الجسدي، وعلى مدار مسيرة النضال الفلسطيني الطويله كان الإغتيال السياسي والجسدي أحد أهم أساليب إسرائيل في التخلص من القيادات المؤسسة لما لها من وزن وتأثير على إلهام شعبها، وحضورها القوي إقليميا ودوليا.... ولم تستثنِ إسرائيل أي قياده أو أي فصيل، فعلى مستوى حركة فتح قيادات كثيرة أمثال أبو إياد وأبو جهاد وأبو الهول وصولا للإغتيال التاريخي للرئيس عرفات، وإغتيال الشيخ أحمد ياسين وفتحي الشقاقي وغيرهم كثيرون يمتلئ بهم السجل والتاريخ الوطني للحركة الوطنية الفلسطينية. 
وأتوقف قليلا عند إغتيال الرئيس عرفات، رغم أن الرئيس صاحب مقولة سلام الشجعان، وهو أول من مد يده للسلام وصافح إسحق رابين وشمعون بيريز في حديقة البيت الأبيض، وليعلن على الملأ أن خيار الشعب الفلسطيني هو السلام، وقيام دولة فلسطينية تكون نموذجا للسلام والديموقراطية، والرئيس عرفات أول من إمتلك الشجاعة السياسية وقام بتعديل الميثاق الوطني ليعترف بإسرائيل دولة، وواصل على مدار سنوات طويلة منذ وصوله لأرض فلسطين في غزة عام 1996 وحتى رحيله عام 2004 جهوده من أجل تحقيق السلام على أرض السلام، إلا أن إسرائيل او القوى اليمينية رفضت يد السلام الفلسطينية، الرئيس عرفات تمسك بحقه وحق شعبه بالدولة الفلسطينية والقدس الشرقية عاصمة لها، ولم يدخر جهدا من أجل تثبيت هذا الحق. لم يتنازل عن هذا الحق.... مشروعه للسلام تجسده الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وإسرائيل لا تريد أن ترى الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية، يمكن ان تراها في غزة البقعة الصغيرة والمحكومة جغرافيا بالعزل والإغلاق، وتتحكم إسرائيل في كل منافذها، عندما أدرك اليمين في إسرائيل ان رؤية الرئيس عرفات تقف صخرة لا يمكن تكسيرها في وجه المشروع الإستيطاني قررت إغتيال الرئيس عرفات سياسيا وجسديا. هذا النموذج يتكرر الآن مع الرئيس محمود عباس الذي واصل سلام الشجعان وبقيت يده ممدودة للسلام، وحارب من اجل ذلك وتحمل كل التحديات والمعارضة فلسطينيا لدرجة الخيانة. إلا إنه ظل متمسكا بالدولة الفلسطينية والقدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة، وأبدى الكثير من المرونة السياسية، ورغم الإنقسام السياسي الفلسطيني بكل مشاكله، ورغم التراجع العربي والدولي بقي مواصلا قضية خيار الشرعية الدولية متحديا الإراده الأمريكية والإسرائيلية بالإستمرار في الإنضمام للمنظمات الدولية، ومحاولة رفع مستوى تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة للعضوية الكاملة، رغم معرفته المسبقة بالفيتو الأمريكي، هذه المعركة حققت مكاسب وإنجازات كثيرة. والرئيس ورغم متاعب العمر ينتقل من عاصمة لأخرى آخرها رئاسته للمجموعة ال77 والصين في نيويورك، ولم يقف الرئيس عباس في تحديه لمحاولات طمس القضية الفلسطينية والتخلص منها بما يسمى بصفقة القرن الأمريكية، ليقف وحيدا في الإعلان الصريح برفض هذه الصفقة...
ولم يقف موقفه عند رفض الصفقة مسبقا لتؤجل تحت مبررات كثيرة، إلا أنه أيضا رفض إستقبال او ألإجتماع بأي مسؤول أمريكي بل ذهب بعيدا برفض الدور الأمريكي في إحتكار العملية التفاوضية، والمطالبة بمرجعية دولية. وبقي متمسكا بالمشروع السياسي والمطلب الوطني الفلسطيني بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ورفض أي لقاء مع نتانياهو بدون الاتفاق على مرجعية تفاوضية أساسها الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقيه. 
تدرك إسرائيل ان الرئيس عباس لا يناور ولا يساوم ولن يقبل بأقل من الدولة الفلسطينية، وهذا يعني رفضا لكل المشاريع الإستيطانية، ورفض الدول الفلسطينية المؤقتة في غزة، والإصرار على أن الدولة الفلسطينية واحدة موحدة بغزة والضفة الغربية، لقد بدأنا نسمع عن أصوات تحريضية داخل إسرائيل تهدد حياة الرئيس... وتكرر نفس السيناريو الذي تعاملت به مع الرئيس عرفات أنه ليس شريك فلسطيني للسلام، وبدأت حربا مالية تقودها الولايات المتحدة بتجميد كل المساعدات المالية للسلطة والأونروا لإغتيال الرئيس ماليا، ولم تقف السياسة التحريضية عند هذه الحدود، بل الغرابة أن تتهم إسرائيل الرئيس عباس بأنه وراء حرب وحصار غزة....
الصورة تتكرر، ولم يبق أمام إسرائيل إلا التفكير الجدي بكيفية إغتيال الرئيس عباس والتخلص منه، الرئيس يدرك ويعلم ذلك، ومع ذلك يواصل مسيرته. إسرائيل بدأت فعلا تحركاتها لمرحلة ما بعد الرئيس على مسارين الأول تكريس الإنقسام وتحوله لإنفصال سياسي وقيام كينونة سياسية بديلا للدولة الفلسطينية في غزة ويبدو أن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية مهيأة لهذا الخيار، والمسار الثاني محاولة تكرار نفسها بالبحث عن قيادة بديلة، وهو مسار عبثي جربته قبل ذلك. 
اسرائيل تريد التخلص من الرئيس عباس، وتبحث عن الوسيلة والوقت المناسب. هذا في الوقت الذي يعلن فيه المجلس التشريعي المنحل دستوريا في غزة والذي تسيطر عليه حماس نزع شرعية الرئيس. تدرك إسرائيل ان الرئيس عباس ما تبقى من الشرعية التاريخية المؤسسة، وتعمل كيف تكون مرحلة ما بعد الرئيس نهاية للدولة الفلسطينية والقضية الفلسطينية هل بمرحلة نظرية الفوضى البناءة او نظرية الفوضى الفوضى. واحذر من الأخيرة فهي تضمن إستقرارا وهدوءا في غزة، وتعرف ان مرحلة ما بعد الرئيس في الضفة قد تتبعها فوضى عارمة يمكن من خلالها أن تحقق ما تريد، وبذلك تغتال المشروع السياسي الفلسطيني الذي يحمله الرئيس عباس وهى مرحلة نهاية القضية الفلسطينية.