الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما قبل انفجار المرجل...

نشر بتاريخ: 21/01/2019 ( آخر تحديث: 21/01/2019 الساعة: 15:20 )

الكاتب: عوني المشني

عندما تستعصي الازمة لا يعني انها افتقدت سبل الحل بل هذا يشير انها بلغت ذروتها وبدأت في مسيرتها نحو الحل، والحل اما ان يكون بالانفجار غير مضمون النتائج والذي قد يؤذي كل اطراف الأزمة الى حد التدمير وطبعا بنِسَب متفاوتة، او ان يأتي في سياق ادراك اطراف الازمة انهم قد وصلوا  الوضع لا بد فيه من التعاطي مع الازمة بطرائق اخرى لتجاوزها والا فانهم جميعا ذاهبون الى أتون نارها لا محالة، والحالة الفلسطينية التي نعيش بلغت فيها الازمة ذروتها، ازمة في المشروع الوطني تعمقت الى حد ان المشروع برمته بات مهددا، ازمة في العلاقات الوطنية ادت الى انقسام جغرافي وتشرذم بنية منظمة التحرير هذا الوطن المعنوي للشعب الفلسطيني ، ازمة في العلاقة ما بين النخب السياسية والجمهور الفلسطيني على اكثر من صعيد وتراكمت الى الحد الذي تحولت فيه الى ازمة ثقة ومصداقية، واذا ما نظرنا بشمولية نجد ان الحياة الفلسطينية بمجملها قد اصبحت كالمرجل المضغوط الذي يهدد بانفجار، هناك من ينام في العسل على اعتقاد ان ما يجري لا يعدو كونه أزمة عابرة ستمر مع الوقت ولا داعي لهذا التضخيم، وهناك من يضخم الأزمة وكأن الحالة الفلسطينية بلغت حالة العدم، كلا الاتجاهين يبالغ، هذا يبالغ في التفاؤل وذاك يبالغ في التشاؤم، وكلاهما يشتركان في نتيجة مؤداها لا ضرورة لعمل شيء، وكلاهما ينتظر انفجار المرجل الذي يغلي غضبا ويأسا وفقرا وظلما.
حالة الاحتقان الفلسطينية وصلت الذروة، وتنتظر القشة التي ستقصم ظهر البعير، لم يعد التاريخ يجدي لمن يوظفون التاريخ المشرق والعظيم لحركاتهم السياسية لتبرير عجزهم وفشلهم واستقواءهم على شعبهم، وشعارات خادعة مثل المقاومة لا تعد تنطلي على احد فالمقاومة التي توظف لتعزيز قسمة الوطن هي السم الذي يدس في العسل. واذا كانت اوسلو قد اوصلت شعبنا للبواب الموصدة فان المقاومة الاستخدامية تقتل شعبنا بين امواج البحر بحثا عن سبيل للهجرة.
النخب الفلسطينية المثقفة أشبعت الحالة الفلسطينية نقدا وتوصيفا وتحليلا وعندما اقتربت من مرحلة وضع الحلول تحولت الى "مستشار احمق" يقدم استشارات ويكتب وصفات علاجية، اصطف المثقفون بأغلبيتهم يتفرجون على انهيار المركب، يرسمون لوحات فنية ويكتبون الشعر ويستلهمون الافكار من المشهد.
الوطن يضيع مترا مترا، بناية بناية، زقاق زقاق، المواطن مشتت بين قوى الاختلاف والخلاف، الشعب يطحنه اليأس والفقر والبطالة والمحسوبية والفساد والرشوة والقهر والظلم.
المطلوب اكثر من الشعارات، اكثر من الاستشارات، اكثر من التوصيف والتحليل، المطلوب مبادرات خلاقة وفاعلة ومسئولة ووطنية ملتزمة.
الكل مطالب بذلك بدون استثناء
الوقت من قهر وغضب
الكلام عن ازمة عابرة نوم في العسل
الكلام ان الوضع تجاوز مرحلة ايجاد حلول يأس واحباط
وكلا القولين يعنيان لا يوجد حاجة لعمل اي شيئ، كلاهما ينتظر انفجار المرجل وحينها سيكتب المثقفين عن توصيف حالك جديدة !!!