السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما الذي أضحكهم؟!

نشر بتاريخ: 14/02/2019 ( آخر تحديث: 14/02/2019 الساعة: 12:24 )

الكاتب: د. وليد القططي

تناقلت وسائل الإعلام المختلفة مؤخراً صورة لبعض شخصيات الوفود الفلسطينية التي ذهبت للعاصمة الروسية موسكو؛ لخوض جولة جديدة من الحوار الفلسطيني- الفلسطيني في إطار السعي للمصالحة الفلسطينية، الصورة تُظهر هذه الشخصيات السياسية تضحك بانشراح وتقهقه بارتياح، ما لفت الانتباه أن تلك الصورة الضاحكة لاقت الكثير من التعليقات الساخرة التهكمية على صفحات التواصل الاجتماعي، ربما بسبب التناقض بين حالة الضحك التي تبعث على السرور، وحالة البؤس التي تبعث على الحزن كما يعيشها الشعب الفلسطيني، وهذا التناقض بين المشهدين- المُضحك والمُحزن- مدعاة لأن نلقي الضوء حوله لمعرفة ما الذي أضحكهم؟!.
وقبل ذلك من المفيد إلقاء الضوء على أسباب الضحك باعتباره أحد الأشكال التي يُعبّر بها الإنسان عن مشاعره وعواطفه في المواقف المختلفة، ومنها المواقف المُضحكة والنكتة اللطيفة، أو السخرية من الآخرين كنوع من العدوانية تجاههم، أو في المواقف المتناقضة التي تُخالف توقعاتنا، والضحك وسيلة للتعبير عن مشاعر السعادة والمرح والسرور، ووسيلة للتواصل الاجتماعي والتعاطف المتبادل بين بني البشر. وقد يكون الضحك وسيلة دفاعية ضد مواقف الخوف المختلفة، أو التنفيس عن رغباتنا الداخلية حسب نظرية التحليل النفسي، ويدخل في إطارها الضحك الهستيري كعرض لمرض اضطراب الهوس -الاكتئاب، أو رد فعل لصدمة نفسية قوية، وقد يضحك الإنسان في المواقف المأساوية عند سماع خبر محزن كالمثل القائل (شرُّ البليّةِ ما يضحك)، فهل هذا ما أضحكهم؟!
المثل القائل ( شرُّ البليةِ ما يُضحك) ينطبق على حالتنا الفلسطينية، فيكون فيها الضحك بديلاً عن الموت حُزناً، والسخرية بديلاً عن الهلاك قهراً، والتهكم بديلاً من الاحتقار نكداً. وهو نوع من الكوميديا السوداء التي تتحول فيها المواقف الجادة المأساوية المُحزنة، إلى مواقف هزلية ساخرة مُضحكة، كمخرج لحالة العجز والفشل والشلل في مواجهة أزماتنا المستعصية ومآزقنا العميقة، فالبليةُ التي يعيشها الشعب الفلسطيني، والبلوى التي تُخيّم على ليله الحالك السوداء، رغم أن أساسها ومنبعها الاحتلال الصهيوني لفلسطين وما سببه للشعب الفلسطيني بأسره من معاناة ومآسي أدت إلى وقوع نصفه تحت الاحتلال والنصف الآخر في الشتات، إلا أن بعض هذا البؤس هو ما فعلناه نحن بأيدينا، أو ما فعله الساسة بشعبهم.
فهل الذي أضحكهم هو البؤس الذي فعلناه بأنفسنا، من إقامة سلطة تحت الاحتلال بدلاً من إقامة "سلطة الشعب الوطنية المستقلة المُقاتلة على جزء من الأرض الفلسطينية يتم تحريرها"، وأقمنا نظام سياسي تحت سقف أوسلو يُعاني من الشيخوخة والشلل والعجز، ويُعاني من أزمة الشرعية في أهم مؤسساته – الرئاسة والتشريعي -، ويتجاهل أننا في مرحلة تحرر وطني وليس في مرحلة بناء الدولة. وعموده الفقري سلطة تقف حاجزاً بين الاحتلال والمقاومة، استطاع الاحتلال في ظل وجودها من مضاعفة الاستيطان والتهويد، واستخدامها جسراً للوصول إلى العواصم العربية والتطبيع والتحالف مع الأنظمة العربية، فهل هذا سبب جيد للضحك؟!.
وهل الذي أضحكهم هو عجزنا عن تجاوز الانقسام منذ عقدٍ ونيف من الزمان، وما تبعه من مناكفات وعقوبات أرهقت الشعب قبل أن تُرهق الفصائل، وأصبح لدينا سجونٌ صغيرة لما ملكت أيدينا من مواطنين، سجانٌ يُمسك سجان، داخل السجن الكبير الذي يُمسك مفاتيحه الاحتلال، وما الاستبداد في الممارسة السياسية عنا ببعيد، والفساد في مؤسساتنا السلطوية وغيرها أقرب إلينا من حبل الوريد، حتى أصبحنا نستحق شهادة الجودة في إدارة البؤس، ومظاهره تملأ البر والبحر بما كسبت أيدينا، وخير دليل على ذلك البؤس طوابير الخريجين الواقفين على أرصفة البطالة القاتمة، وجيوش العاطلين عن العمل التائهين وسط صحراء الفقر القاحلة، وحشود المتسولين على أبواب الشؤون الاجتماعية والجمعيات الخيرية المُذلة، وأفواج المهاجرين الفارين من المجهول إلى المجهول، ومواكب الموظفين والأسرى المحررين وذوي الأسرى المقطوعة رواتبهم والمحكوم عليهم بالانضمام إلى أحد أصناف البؤساء السابقين.
ما الذي أضحكهم ؟!، سؤال استفهامي يُراد به التعجُّب وربما التوبيخ أو التهكم، أطلقهُ نشطاء التواصل الاجتماعي الشباب، تعبيراً عن حالة فقدان الثقة بالسياسيين، وانعدام الأُفق السياسي، وانسداد الأمل بمستقبل أفضل... ولكي يستعيدوا الثقة والأُفق والأمل أمامنا مشوار طويل يبدأ من استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وينتهي بإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني، وصولاً إلى التحرير والعودة والاستقلال.