الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بعدما فشل حوار موسكو؟

نشر بتاريخ: 16/02/2019 ( آخر تحديث: 16/02/2019 الساعة: 19:45 )

الكاتب: د.هاني العقاد

مثل لقاء موسكو للفصائل الفلسطينية فرصة نادرة الحدوث في مرحلة بالغة التعقيد في الحالة الداخلية الفلسطينية، ليخرجوا من النفق الاسود الذي يطبق عليهم رويدا رويدا للحد من الخسائر على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والانسانية والاقتصادية. اشرفت وزارة الخارجية الروسية على ذلك ورعي السيد سيرغي لافروف اللقاء واطلع على برنامج الحوار وتفاصيله لكن للاسف جاء هذا اللقاء بمزيد من خيبات الامل لابناء الشعب الفلسطيني وعقد المشهد. كان متوقعا ان لا ياتي لقاء موسكو بنتائج ايجابية على صعيد ملف المصالحة الفلسطينية وكان متوقعا ألا يحرك حتى بعض الرياح التي تدفع بقارب المصالحة الى الشاطئ، كان متوقعا ان يفشل الفلسطينيون تماما في التغلب على مشكلاتهم الداخلية التي اعاقت وحدتهم وازمت حياة شعبهم الى درجة الانهيار التام، لكن لم يكن متوقعا ان يفشل الفلسطينيون في التوصل لبيان تجمع عليه كل الفصائل الفلسطينية باختلاف ايدلوجياتها يبقي جزءا من وطنيتهم صالحة للتداول ويجمع الفلسطينيين على رفض ما يستهدف قضيتهم ويعجل بتصفيتها وتصفية اهم قضاياها الكبرى كالقدس واللاجئين وبالتالي يفشلوا في ومواجهة البركان العاتي الذي بدات حممه تنصب باتجاه وطنهم وقضيتهم وعلى مراي ومسمع منهم دون ان يبادروا برد فعل وطني مسؤول.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وضع يده على مواطن الخلل في العلاقة الفلسطينية الفلسطينية وعبر عن ذلك بصراحة للفلسطينيين هناك وقال لهم كلاما في حقيقته موجع، لكن لتجلد ضمائرهم لم يؤثر فيهم بأي شكل من الاشكال قال "الانقسام الفلسطيني يمثل ذريعة للترويج لصفقة القرن الامريكية" كما واوضح لافروف للفلسطينيين ان اتفاق القاهرة 2017 هو اساس التوصل لمصالحتهم وطلب من الفلسطينيين توحيد صفوفهم وتمثيل انفسهم بشكل جيد في اي مفاوضات قادمة مع اسرائيل ومن دون توحيد الصفوف فان الاطراف الخارجية ستحاول تعميق الانقسام وافشال المحاولات وطالب الفلسطينيين بوجوب ازالة المصالح الفصائلية الضيقة والتوافق بشأن اعلان موسكو الذي سيكون خطوة لتعزيز الطريق نحو انهاء الانقسام. بالرغم من الوضوح الكبير في كلام السيد لافرورف وما يحمله من رسائل بالغة الدقة الا ان الفلسطينيين هناك لم يفهموا ما تحدث به السيد لافروف ولم ياخذوا بنصائحه وتمترسوا عن مصالح فصائلهم واحزابهم الضيقة ولم يخرجوا بأي نتائج ايجابية تساهم في كسر حالة الجمود بين الاطراف المتصارعة على الحكم والانقسام على الارض.
يقول البعض ان حوار موسكو فتح الطريق امام حوارات اخرى في القاهرة في القريب، وانا اقول ان لقاء موسكو اغلق الطريق تماما امام اي محاولات مصرية للقاءات تناقش اوراق اتفاق جديدة وحدد فقط امكانية لضغط مصر باتجاه تنفيذ الاتفاقات السابقة، والبدء بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعد لانتخابات عامة وتتمكن من العمل في غزة كما بالضفة..... لكن نتائج حوار موسكو برهنت على وجود مسافات ودول وقوى وخطط تسوية تحول بين الفلسطينيين ووحدتهم او حتى اصطفافهم وراء ممثل سياسي شرعي واحد...
امام كل هذا لا اعتقد ان تعيد القاهرة ملف المصالحة لجامعة الدول العربية وستبقى تحاول فكفة تعقيداته بحوارات تحقق الحد الادني من العلاقة المصرية الحمساوية من طرف وعلاقة مصرية رسمية مع القيادة الفلسطينية من طرف اخر واعتقد ان ملف المصلحة سيبقى بيد المخابرات المصرية وكذلك ملف التهدئة في قطاع غزة لان هناك ارتباط وثيق بين الملفين فلا تنازل عن ملف وابقاء الاخر بيد مصر فاما ان تنفض مصر يدها من الشان الفلسطيني تماما وهذا مستحيل واما ان تبقى تحاول الضرب على رؤس الفلسطينيين الناشفة حتى تلين يوما من الايام ويقبل الفلسطينيين بتطبيق ما تفقوا عليه في القاهرة، وهذا اقرب التوقعات.
فشل حوار موسكو بات يعني ان الفلسطينيين ذاهبون كل في اتجاه حماس ومجموعة الفصائل التي تدور في فلكها في اتجاه ممثل وسلطة بديلة وفتح وفصائل منظمة التحرير التي بقيت على عهدها والتزامها بميثاق المنظمة في اتجاه اخر، واعتقد ان الرئيس ابو مازن بات امام اجراء حتمي لتشكيل حكومة فصائلية من فصائل منظمة التحرير وحماس باتت تسير في طريقها لاعادة عمل اللجنة الادارية التي قامت بحلها بناء على اتفاق القاهرة 2017 ووصول حكومة الوفاق الوطني لتولي مهامها في غزة.
فشل التوقيع على اعلان وطني تشرف عليه موسكو ليس اقل خطرا من وجود حكومتين وكيانين فلسطينيين ودلالاته خطيرة وتفسر ذهاب كل من حماس وفتح كل في اتجاه، اهم تفسيراته ان هناك اطراف غريبة عن الجنس الفلسطيني تدفع باتجاه فشل اي محاولات لجسر الفجوات الوطنية وخروجهم متفقين على أسس تحمي قضيتهم وتحافظ على حقوقهم الوطنية من الاندثار والتفكك بل وتدفع باتجاه بقاء هذا الانقسام ليتسنى لهم مساعدة الامريكان في تمرير صفقتهم المشؤومة....
هذا يعني ان البعض يفضل افساح الطريق للمشروع الامريكي على البقاء في الخيمة الوطنية يناضل ويقاوم هذا المشروع ويفضل عدم التعرض لمعركة يقول فيها اسياده انه سيجوع ان ظهر في صفوف المتصدين لمشروع امريكا صفقة القرن... فشل التوقيع على اعلان موسكو الهام لا يعني ان هذه الفصائل تبحث عن ذاتها ومصالحها التي تعتبرها فوق مصالح العباد والبلاد فقط، بل انها متورطة في مشاريع اخرى غير المشروع الوطني واخذ غزة الى مربع خارج الشرعية الفلسطينية والحكم الفلسطيني الواحد وبقائها خارج اطار اي وحدة جغرافية او سياسية مع الضفة والقدس.
ولعل رفض بعض الفصائل التوقيع على مثل هذا الاعلان تشريع الانقسام امام موسكو وتكبير للجبهة المقابلة لمنظمة التحرير لتصبح البديل مع مزيد من حرق الوقت المفيد فقط لامريكا واسرائيل واضعاف تصدي منظمة التحرير للخطة الامريكية المزمع الاعلان عنها بعد اسابيع من الانتخابات الاسرائيلية.

[email protected]