الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

نظامٌ فلسطينيٌ بائس وأحزاب وحركات مفلسة

نشر بتاريخ: 16/02/2019 ( آخر تحديث: 16/02/2019 الساعة: 21:00 )

الكاتب: محمد خضر قرش

بات كاتب هذه السطور على بعد أمتار قليلة بالتوقف عن الكتابة في المواضيع السياسية فهو بصدد كتابة اخر مقال له بعنوان "فالج لا تعالج"... وللأمانة فهذا المقال شبه جاهز ولا ينقصه سوى عملية مراجعة بسيطة مع بعض التعديلات والتنقيح. وهذا ليس وليد يأس من التغيير أو فقدان الامل منه، بقدر ما هو قرف وملل من منظومة الحكم القائمة. فما يخطه الكُتاب على اختلاف انتماءاتهم الفكرية (وخاصة غير المحترفين منهم والذين لم تشكل الكتابة لهم مصدر رزق ابدا) عن الاوضاع السياسية الكثيرة جدا والمتشابكة والتي تجمع بين المحلي والإقليمي والدولي لم تعد ذات فائدة أو محل قراءة أو بذات جدوى عند قمة الهرم إلا بقدر ما تمسهم شخصيا، وعندها يقيمون الدنيا ولا يقعدوها. وهذا يتعاكس مع ما هو معمول به في الدول المتحضرة والمتطلعة لصنع المستقبل ولعب دور ملموس فيه.
ولا يختلف الكُتاب الفلسطينيون عن اقرانهم العرب، فالسمات هي نفس السمات والمساوئ هي ذاتها، فالرئيس لدينا، كما في عموم الوطن العربي، كل ما يقوله ويصرح به صحيحا وصائبا (من صواب وليس صائب عريقات). فالأخطاء والمصائب والتخلف وعدم تحرير الأرض سببه الشعب والأحزاب والاصوات المعارضة ولولاهم لكانت الامور والأوضاع في أحسن وأسعد حال وأهدأ بال. والمشكلة في فلسطين كما هي في الدول العربية ان الرئيس (الحاكم) يملك صلاحيات مطلقة ليقرر نيابة عن الشعب كل شيء. فكل ما يريده منه هو التمجيد والتسبيح والتأييد والتسحيج والدعاء لله أن ينصره. فمنظومة الحكم الفلسطينية كلها بات مهترئة وبائسة ومفلسة ومنتهية الصلاحية ولم تعد معنية أو مهتمة بمعاناة شعب فلسطين في الوطن والشتات.
فالحاكم والجوقة الانتهازية المنافقة المنتفعة والمغتنية المحيطة به، تعتقد بأنها الأكفأ والأفضل والاجدر بتولي المسؤوليات بدون انتخابات أو أخذ رأي الشعب. فشخصية الرئيس باتت ثروة قومية لا تقدر بثمن، يتوجب الحفاظ عليها. فلم يتردد أو يتلعثم أحد أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح في مقابلة مع التلفزيون الرسمي في تشبيه ما يجرى حاليا، بما سبق وحصل في عهد آخر الخلفاء الراشدين بين علي بن ابي طالب ومعاوية، فبدون الرئيس يستحيل أن تكون هناك حياة. فالمقالات التي تنشر وتعالج وتشخص الأوضاع البائسة التي وصلنا اليها بفعل منظومة الحكم الفلسطينية المنغمسة في البؤس والذاتية والتفرد في السلطة حتى الثمالة باتت هي السمة المميزة والغالبة.
والأخطر مما ذكر هو أن حالة البؤس والفساد والاستئثار لم تعد محصورة برأس الهرم فحسب وانما اتسع وامتد ليشمل المكونات الأخرى من أحزاب وحركات وفي المقدمة منها كل من حماس وفتح. فالمتتبع لمنظومة الحكم الفلسطيني، منذ تولى الفصائل والحركات إدارة المنظمة، سيلاحظ أننا نقلنا كل المساوئ السلوكيات الخاطئة والخطايا التي أُرتكبت بالفترة من 1967 وحتى أيلول 1970، حيث لم نقف امامها للمراجعة والتقييم إلا في حالة نادرة واحدة لم تتكرر بعد ذلك. وحينما حطت رحالنا النضالية في لبنان الطائفي والمذهبي حتى العظم أحضرنا معنا كل مساوئنا وأضفنا إليها كل السلبيات المكتسبة من المجتمع اللبناني والمنتشرة في كل زاروبه ومحلة وضيعة في لبنان الأخضر الحلو. فلم نتمكن من تغيير المعادلة الطائفية أو التأثير عليها والغائرة في بنيان وتركيبة المجتمع اللبناني منذ أكثر من قرن من الزمان. ثم ما لبثنا أن وجدنا أنفسنا في خضم الصراع الطائفي في البداية قبل أن نجده مرة أخرى في الانقسام المذهبي. وحينما انتقلنا إلى تونس الخضراء وبلدان الشتات العربية بالدرجة الأولى تكررت نفس المآسي والاخطاء والسلوكيات فأضفنا إلى مخزن ومجمع سلبياتنا كل السلوكيات غير السوية التي وجدناها في كل مجتمع....
ومع عودة منظمة التحرير إلى أرض الوطن بفعل اتفاقية أوسلو اللعينة عدنا ومعنا كل الأخطاء والسلوكيات التي تراكمت لدينا من كل الساحات، وكان يتوجب علينا عدم إدخالها إلى أرض الوطن. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أضيفت اليها كل المساوئ والاخطاء التي كرسها الاحتلال فوق أرض فلسطين طيلة فترة احتلاله للأرض عام 1967. فالمنظومة الرسمية الفلسطينية بما فيها الأحزاب والحركات باتت مثقلة بالأمراض والأوبئة السياسية والاجتماعية، ولم يعد بمقدورنا مواجهتها سواء بسبب الاحتلال أو بعدم تغيير أنماط وأسلوب قيادة العمل الوطني المتمثل بمنظمة التحرير. فأسلوب ونهج اتخاذ القرارات لم يتغير البتة منذ 1968. فاللجنة التنفيذية ليست أكثر من ديكور لدرجة ان أي عضوا فيها لم يكن على علم أو دراية بما يجري في أوسلو بما فيها قادة الفصائل. وإذا كان بعض اعضاء اللجنة التنفيذية السابقة برئاسة ياسر عرفات امتلكوا الجرأة والمقدرة بحكم القوة الميدانية لهم على الأرض وخاصة اثناء وجودها في الأردن ولبنان، حيث كانت تعترض وتوقف أحيانا بعض التوجهات وتنتقدها بشدة، إلا أن اللجان التنفيذية التي تشكلت بعد تولي أبو مازن الرئاسة باتت ضعيفة وهزيلة ومُطبلة ومُزمرة ومُصفقة ومُؤيدة لكل ما يقرره رئيسها، عدا بعض البيانات الخجولة والموضحة والمحتجة والرافضة والتي كانت تصدر بشكل أساسي عن الجبهتين الديمقراطية والشعبية وفيما عدا ذلك كان يسود الصمت التام وكأن ما يجري لا يخصهم ولا يعنيهم.


منظومة الحكم الفلسطيني إلى أين؟ وإلى متى ستستمر المهازل؟
لو كان الشعب وقواه الوطنية دائما على باطل ومواقفهم خاطئة والرئاسة فقط على حق ومواقفها صائبة فلماذا تلازمنا الهزائم والانكسارات والتراجعات والاحباطات وينتشر الفساد بين العباد منذ العودة إلى الوطن على الأقل؟ والسؤال الذي يتردد على شفاه الفلسطيني هو، لماذا كل ما يقوله أو يفعله أو يمارسه الرئيس صحيحا؟ ولماذا علينا ان نصطف خلفه ونستمر بالتصفيق له والولاء لإفكاره وافعاله وقراراته؟ ولماذا حركة فتح ولجنتها المركزية دائما على حق؟ ولماذا حركة حماس ومكتبها السياسي دائما هما الأحرص على القضية ومستقبلنا؟ وإلى متى ستبقى الحركة الأولى مستأثرة بالحكم في الضفة الغربية والثانية تحتكر السلطة في قطاع غزة؟ وإلى متى ستبقى الأغلبية الساحقة من سفراء فلسطين في الخارج وقادة الأجهزة الأمنية في الداخل من حركة فتح دون غيرها. ولماذا تتحكم مؤسسة الرئاسة بصندوقي الاستثمار والقومي الفلسطيني وبكدار وهيئة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الانباء وفا والقضاء وقبل هذا وذاك بالمجلسين الوطني والمركزي ومجلة شؤون فلسطينية وغيرها كثير؟ وما ينطبق على حركة فتح في الضفة الغربية يتساوق تماما مع ما تفعله حركة حماس في القطاع؟ الا يحق لنا بعد كل ذلك أن نقول وبصوت عال ومسموع ونكتب بوضوح لا لبس فيه ولا غموض وان نكتب إلى متى ستبقى منظومة الحكم الفلسطيني على حالها من البؤس والافلاس واللامبالاة مما تخطط له سلطات الاحتلال في القدس والمناطق سي وبي وألف؟؟ أما آن الاوان للحركتين أن تخجلا وتوقفان استئثارهما وسيطرتهما واحتكارهما وبثهما روح الانقسام والتردي في صفوف شعب فلسطين في الضفة والقطاع؟ ماذا تريد الحركتين لتضعا حدا لتجزئة شعب فلسطين وتمزيقه؟ إلى كم "صفقة قرن"!! تحتاجان لكي تتوقفا عن تدمير أحلام مستقبل شعب فلسطين في العيش بكرامة وإنهاء حالة الانقسام البغيض المقيت؟ تهويد مدينة القدس سياسيا واجتماعيا ودينيا وثقافيا وتاريخيا يجري على قدم وساق. فالحركتان تدركان ذلك جيدا وتعلمان بانه لا يمكن وقف تهويد القدس ومواجهة الاحتلال إلا بإنهاء الانقسام واتمام المصالحة؟ إلى متى ستُبقيان مصالحهما الذاتية فوق مصالح شعب فلسطين؟ وإلى متى ستظلان تستهتران بدماء الاف الشهداء والأسرى وتحدي إرادة شعب فلسطين؟ ويذكرني استمرار انقسام حركتي فتح وحماس بشخصين قسًما تفاحة بينهما فادعى كل منهما أن حصة الاخر أكبر فاتفقا أن يحتكمان عند مرابي القرية، وقاما بتسليمه نصفي التفاحة فإخذ يخدش من النص الأكبر تارة ومن النصف الاخر تارة أخرى وفي كل مرة يدعي كل منهما بأن نصف تفاحة الآخر أكبر مما مكًن المرابي من أكل التفاحة بالكامل وهما ينظران إلى بعضهما ويندبان غبائهما وقلة حيلتهما وعادا يجران اذيال الخيبة والعار والغباء؟ فالمرابي هنا هو الاحتلال الذي يواصل ويستمر في القضم التدريجي من النصفين (الضفة والقطاع). حتى لا يتبقى للحركتين أي شيء تتقاتلان عليه، حالهما كحال الرجلين مع التفاحة. 
وخلاصة القول إن حركتي فتح وحماس تتحملان مسؤولية ما يتم فوق أرض فلسطين والقدس. الحركتان تعلمان علم اليقين بأن الإدارة الأميركية الحالية –كما السابقة-تهدف إلى تدمير كل قرارات مجالس الامن الدولي المتعلقة بالتسوية السياسية وأنها تعمل في وضح النهار على فرض حلول أحادية الجانب لصالح الاحتلال، وما مؤتمر وارسو الذي عقد قبل أيام قليلة، إلى خطوة أخرى بعد نقل ترامب سفارة بلاده الى القدس واعترافه بها عاصمة للكيان الإسرائيلي. ما يجري على أرض الصراع ودول الأقليم من شأنه تحقيق أهداف الحركة الصهيونية التي عجزت عن تحقيقها عبر أكثر من قرن من الزمان. فالحركتان تعلمان عين اليقين بأن استمرار انقسامهما سيساهم بشكل ملموس في تمرير الحلول الأميركية الإسرائيلية. فما دام الوضع بهذا الوضوح فلا عبرة ولا قيمة ولا أهمية هنا لمن هو على حق أو نسبة مشاركة كل منهما بالأخطاء. باعتقاد الأغلبية الساحقة من شعب فلسطين أن كلا الحركتين على باطل إذا لم تنهيا الانقسام وتضعا حدا للمهزلة المستمرة والتي تعصف بقوة، بمشروعنا الوطني ووحدتنا الوطنية منذ نحو عقد ونصف. 
حركتا فتح وحماس ستندمان كثيرا – حيث لا ينفع الندم-كما ندم الرجلين الغبيين اللذان ذهبا للمرابي لمعاينة أي جزء من التفاحة أكبر أو أصغر. فعادا بخفي حُنيًن يجران أذيال الخيبة والغباء والعار.