الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

صفقة الهراء..!

نشر بتاريخ: 25/06/2019 ( آخر تحديث: 26/06/2019 الساعة: 00:46 )

الكاتب: نائل البلعاوي
لا شيء يدعو للضحك.. ولكن الحكاية حافلة بالكثير من عناصر الكوميديا السوداء ، هي مضحكة ، مع أنها ليست معدة بحرفية عالية :
ثلة من التجار الهواة / قادة عصرنا هذا /! يجتمعون على عقد صفقة عبقرية تعيد ترتيب الجغرافيا والتاريخ والرواية بضربة واحدة تحمل هذا الاسم المزلزل ، تجاري الايقاع : ’’ صفقة القرن ’’ .. صفقة تطبع هذا القرن البائس بإسمها وتغلق الملف بحفنة من التواقيع والآنخاب في حفلة باذخة !
جميل .. هذا القدر الكثيف من التخييل الفانتازي يعجبني : صفقة واحدة تعود بعدها الجغرافيا إلى صورتها الآم ، ناعمة ومريحة ! يتخفف بعدها التاريخ من احماله الثقيلة والشائكة ويصير كتاباً شهياً.. مثل كتب الطبخ والتوابل ! وتذهب الرواية إلى خاتمتها السعيدة والمشتهاة !
كل هذا جميل وممتع ، ولكن السادة التجار اسقطوا عن الصفقة المثيرة منطقها الآزلي والبسيط الذي يتحكم بقواعد الصفقات التجارية بالمطلق : طبيعة المادة المعروضة للبيع . البائع ، ثم الزبون المحتمل .
نعرف أن المادة المعروضة للبيع هي فلسطين !
نعرف اسماء الزبائن ولا حدود قوتهم الشرائية !
ولكن ، من هو البائع.. وحضور البائع الزامي لاتمام الصفقة !؟
يعرف الفلسطيني قبل غيره مأساوية الحالة الفلسطينية الراهنة ، فجورها وغيها ، سخفها وتفاهة من يمثلونها ، سياسياً وثقافياً.. واخلاقياً مرات . ولكنه يعرف جيداً حقيقة غياب قوة ارضية قادرة على التصرف النهائي بمسار هذه القضية الانسانية الكبيرة والعادلة ومنح الزبائن ما لا تملك شرعية بيعه ، او عرضه للبيع اصلاً .
لا احد في الداخل الفلسطيني او الشتات يملك مثل هذا الحق بالبيع ، او حتى الموافقة الخجولة عليه..ولن يوجد يوماً .
قد يختلف الفلسطينيون حول كل شيء ، هم بارعون في اجتراح اسباب الخلاف حول كل شيء ، ولكنهم ، واكاد اجزم ، يتفقون على أن ما يملكونه لا يُباع ولا يصلح للبيع ، لا الجغرافيا تُباع ولا التاريخ ولا الرواية .
هذا يعني ان الصفقة ساقطة قانونياً ، بغياب البائع ، وعابرة ، مثل الكثير من الصفقات السابقة . ولن يبقى منها في نهاية المطاف سوى فكرتها الصالحة للآدب ونصوص الدعابة السوداء.. وهي ممتعة ومثيرة للضحك ، مثل هؤلاء { قادة عصرنا }.. سادة الهراء في حفلة صاخبة للهراء !