الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

بعد مرور 26 عاما على توقيعها.. اتفاقيات "أوسلو" ما لها وما عليها

نشر بتاريخ: 15/09/2019 ( آخر تحديث: 15/09/2019 الساعة: 16:46 )

الكاتب: د.محمد جبريني

بعد مرور 26 عاما على توقيعها، اتفاقيات المرحلة الانتقالية "أوسلو" ما لها وما عليها

لم يعد الخلاف الجوهري بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد توقيع اتفاقيات المرحلة الانتقالية المعروفة باسم "اتفاقيات أوسلو" قائماً على أساس مبدأ قبول تأسيس الدولة الفلسطينية، مثلما استمر الوضع لأكثر من عشرين عاماً قبل اندلاع الانتفاضة الأولى، وإنما بات يكمن في المعايير المفروضة للقبول بتأسيس تلك الدولة ودورها، وفي كيفية تعاطي إسرائيل مع الحقوق الفلسطينية المُعبر عنها في قضايا الصراع المتعلقة بالشأن الإقليمي (حدود الدولة الفلسطينية، والمستوطنات، والقدس، ومصادر المياه)، وتلك المتعلقة بالسيادة وحق العودة.
فقد حرصت إسرائيل على فرض معايير تتجاوز المرجعيات الدولية التي تقر بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمُعبر عنها في مختلف قضايا التفاوض النهائي. واستعاضت عنها بالشرعية التفاوضية ذات المرجعية الذاتية، ونظرت لأهدافها ومصالحها الاستراتيجية كقضايا غير قابلة أصلاً للتفاوض. واعتمدت على قوتها القهرية الناتجة عن عدم التوازن بين الجانبين، لتغيير الأوضاع لصالحها وفرض الحل على الطرف الفلسطيني، دونما تقدير لحقوقه ومواقفه واحتياجاته.
جرى استخدام مصطلح "قضايا الحل النهائي"، أو "قضايا التسوية الدائمة"، لأول مرة في مؤتمر "مدريد للسلام في الشرق الأوسط" عام 1991، وبات متعارفاً على هذا المصطلح كاختصار لما يُسمى العناصر الرئيسة التي تُعيق التوصل إلى تسوية سياسية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
لقد أصرت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على تسويق مصطلح "قضايا الحل النهائي" في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. فالمصطلح يُوجِد فصلاً بين قضايا وعناصر الصراع، ولا يردها كلها إلى جوهره، المتمثل باحتلال إسرائيل للأراضي العربية والفلسطينية وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم؛ وبالتالي لا يفترض تلازماً بين حل هذه القضايا. ويحوِّلها إلى قضايا فرعية، يمكن حسب الفهم الأمريكي للتسوية، التغلب عليها عبر "صفقات"دون الاحتكام للمرجعيات الدولية، من خلال التوصل لحلول متفق عليها عن طريق المفاوضات المباشرة بين طرفي الصراع، حتى وإن جاءت هذه الحلول مخالفة للقانون الدولي.
أما إسرائيل فهي ترفض أي مرجعية دولية لتسوية الصراع باستثناء قراري مجلس الأمن الدولي (242، 338)، اللذان تخضعهما لتفسيراتها الخاصة، بحيث يشكلان فقط وجهاً عاماً لإدارة المفاوضات في المستقبل حول التسوية النهائية المستقلة التي تستمد قوتها من ذاتها.
اتفاقيات المرحلة الانتقالية "أوسلو":
قدمت منظمة التحرير الفلسطينية تنازلاً تاريخياً عام 1988، باعترافها بسيادة إسرائيل على 78% من فلسطين التاريخية على أمل بأن يتمكن الفلسطينيون من العيش بحرية فوق الــ22% المتبقية والتي تخضع للاحتلال منذ عام 1967. وفي عام 1993، اتخذت منظمة التحرير قراراً بالسعي للحصول على الاستقلال وتأسيس دولة فلسطينية عبر المفاوضات؛ وبناءً على ذلك وقعت المنظمة وإسرائيل عدداً من الاتفاقيات بين الأعوام 1993-1999 وهي ما عرفت بـ "اتفاقيات أوسلو" .
وُضعت "اتفاقيات أوسلو" على أساس فكرة أن الطرفين سيطوران تدريجياً علاقة من الثقة تسمح لهما بحل قضايا الوضع الدائم الأكبر والأصعب. وقد تمت الموافقة على مبادئ جوهرية معينة ضمن هذه الاتفاقيات، أبرزها: الفترة المؤقتة ستكون محدودة زمنياً، ولا يجوز عمل أي شيء من شأنه التأثير في نتيجة مفاوضات الوضع الدائم، كما يجب أن يتوافق الحل النهائي مع قراري مجلس الأمن الدولي (242، 338)، اللذان يؤكدان عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة العسكرية .
غير أنه لم يكن هناك في "اتفاقيات أوسلو" أي جهة أو مرجعية، تُلزم "إسرائيل" بإنهاء المفاوضات ضمن سقف زمني محدد. وأخرجت تلك الاتفاقيات الأمم المتحدة من كونها مظلة دولية تحكم الصراع بين الطرفين، ولم تعد كل قراراتها المتعلقة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعودة اللاجئين، وغيرها، تُشكل مرجعية يمكن الاحتكام إليها .
سنتناول هنا، اتفاقية إعلان المبادئ، والاتفاقية الفلسطينية الإسرائيلية المؤقتة بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة، كونهما تضمنتا مسائل سياسية وقانونية، في حين اقتصرت بقية الاتفاقيات المرحلية الأخرى على معالجة مسائل فنية وإجرائية.
أولا: اتفاقية إعلان المبادئ:
أحدثت اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة في واشنطن بتاريخ 13 أيلول 1993، نقلة مهمة في العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية، كونها رمزت إلى اعتراف الطرفين بالحقوق الوطنية المتبادلة. وعبرت عن نوايا مشتركة للعمل سوياً من أجل التوصل إلى حل سياسي متفقاً عليه، إلى جانب الاتفاق على عدد من المبادئ، والخطوط المشتركة فيما يتعلق بالمراحل القادمة .
وجاء في مقدمة الاتفاقية:
إن حكومة دولة إسرائيل والفريق الفلسطيني(في الوفد الأردني-الفلسطيني المشترك إلى مؤتمر السلام حول الشرق الأوسط)، ممثل الشعب الفلسطيني، يتفقان على أن الوقت قد حان لإنهاء عقود من المواجهة والصراع، والاعتراف بحقوقهما المشروعة والسياسية المتبادلة، والسعي للعيش في ظل تعايش سلمي وبكرامة وأمن متبادلين، ولتحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة وشاملة، ومصالحة تاريخية من خلال العملية السياسية المتفق عليها .
ونصت المادة الأولى من الاتفاقية على:
أن هدف المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية ضمن عملية السلام الحالية، في الشرق الأوسط هو، من بين أمور أخرى، إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية ومجلس منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، تؤدي إلى تسوية دائمة تقوم على أساس قراري مجلس الأمن (242،338) .
لقد كان من المفهوم أن الترتيبات الانتقالية هي جزء لا يتجزأ من عملية السلام بمجملها، وأن المفاوضات حول الوضع الدائم ستؤدي إلى تطبيق قراري مجلس الأمن (242 و338). ويُلاحظ هنا أن إعلان المبادئ في الديباجة ونص المادة الأولى منه، قد أُخذ بالمفهوم العام للحكم الذاتي، باعتباره مرحلة انتقالية مؤقتة، وأن هناك اعترافاً متبادلاً بين طرفي الاتفاقية الموقعين عليها، وهما الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وأن الحكومة الإسرائيلية تعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وباعتراف إسرائيل بالشعب الفلسطيني، والأرض الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، تكون قد اعترفت بشكل مباشر أو غير مباشر بالدولة الفلسطينية ، ولكن في جميع الأحوال دولة بالمعايير الإسرائيلية.
مارست السلطة الفلسطينية مهام الحكومة، وتم الاعتراف لها بهذا الدور بموجب اتفاقية إعلان المبادئ بشأن ترتيبات الحكومة الذاتية الانتقالية، إذ نصت المادة الثالثة على أنه:
من أجل تمكين الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من حكم نفسه وفقاً لمبادئ ديمقراطية، ستجري انتخابات سياسية عامة ومباشرة وحرة للمجلس بإشراف ومراقبة دوليين متفق عليهما، فيما تقوم الشرطة الفلسطينية بتأمين النظام العام .
ونصت الفقرة (3) من المادة نفسها على: أن "هذه الانتخابات ستُشكل خطوة تمهيدية انتقالية هامة نحو تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومتطلباته العادلة" .
كما نصت المادة الرابعة، فيما يتعلق بولاية المجلس، على اعتبار أن الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة ترابية واحدة يجب المحافظة على وحدتها وسلامتها خلال الفترة الانتقالية .
ويُلاحظ هنا، أن الاعتراف بالوحدة الترابية، واعتبار المجلس سلطة تشريعية يؤكد أن مفهوم الدولة الفلسطينية موجود، ومقبول، ومعترف به لدى الأطراف الموقعة على الاتفاقية، ونقصد هنا بالذات، إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، والفيدرالية الروسية، باعتبارهما شاهدين على الاتفاقية .
ثانيا: الاتفاقية الفلسطينية-الإسرائيلية المؤقتة بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة:
جاءت الاتفاقية الفلسطينية-الإسرائيلية المؤقتة بشأن المرحلة الانتقالية للضفة الغربية وقطاع غزة التي وقعت في واشنطن في 28 أيلول/ سبتمبر 1995، محتوية إيحاءً واضحاً تجاه الدولة الفلسطينية؛ من خلال الديباجة وموادها العاملة، وبالتالي؛ فهي تعكس اعترافاً كامناً بتلك الدولة من الطرف الإسرائيلي والولايات المتحدة.
أشارت الديباجة، إلى أن طرفي الاتفاقية هما حكومة دولة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ممثل الشعب الفلسطيني، وأن كلا الطرفين يعترف للطرف الآخر بحقه في ممارسة حقوقه السياسية والشرعية. وأن الهدف –ضمن أمور أخرى– هو تأسيس سلطة فلسطينية انتقالية قبل انتخاب مجلس يُعرف فيما بعد بالمجلس الفلسطيني، وانتخاب رئيس سلطة تنفيذية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تزيد عن خمس سنوات من تاريخ توقيع اتفاقية غزة – أريحا في 04/05/1994، المؤدية إلى حل دائم حسب قراريّ مجلس الأمن (242 و338). ويعترف كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بأن هذه الانتخابات ستشكل خطوة مرحلية تحضيرية تؤدي إلى تحقيق الشرعية للشعب الفلسطيني ومطالبه العادلة، وستكون ضمانة حقيقية لقيام مؤسسات فلسطينية ديمقراطية .
ثم أشارت المادة الأولى من الفصل الأول من الاتفاقية، إلى أن:
إسرائيل ستنقل المسؤوليات والسلطة، كما هي محددة في هذه الاتفاقية، من الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإداراتها المدنية إلى المجلس(الفلسطيني). ونصت المادة الثانية فيما يتعلق بكيفية إجراء الانتخابات لاختيار أعضاء المجلس، إن هذه الانتخابات ستمثل بداية في الاتجاه المؤدي إلى الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة، وهي بالتالي ستؤدي إلى إقامة مؤسسات فلسطينية ديمقراطية .
وفيما يتعلق بتركيبة المجلس الفلسطيني، نصت المادة (3) على:
أن المجلس الفلسطيني ورئيس السلطة التنفيذية للمجلس، يُشكلون سلطة الحكومة الانتقالية الفلسطينية، وأنه ستكون للمجلس صلاحيات تشريعية، وصلاحيات تنفيذية. وسيكون المجلس مسؤولاً عن كل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية لكل المسؤوليات التي ستنقل إليه، كما هو وارد في الاتفاقية .
وأشارت المادة (4) إلى حجم المجلس الفلسطيني المكون من 82 ممثلاً ورئيس اللجنة التنفيذية، والذين سيتم انتخابهم مباشرة وتلقائياً من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وللمجلس لجنة تمارس السلطة التنفيذية تسمى "السلطة التنفيذية" يرأسها الرئيس المنتخب، ولها الحق في أن تضع خططها الداخلية وطرق صياغة قراراتها .
وجاء في الفصل الثالث، المادة (17):
أنه حسب إعلان المبادئ، فإن ولاية المجلس تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة كوحدة متكاملة، فيما عدا المواضيع المؤجل البحث فيها إلى المفاوضات النهائية، وهي: القدس، والمستوطنات، المناطق العسكرية المحددة، اللاجئون الفلسطينيون، الحدود، العلاقات الخارجية، وكذلك السلطات والمسؤوليات التي لم تسلم للمجلس الفلسطيني .
مما سبق، يتضح بشكل جلي أن "اتفاقيات أوسلو"، ورغم ما انطوت عليه من ثغرات ونواقص، قد وضعت الأساس العملي لتأسيس الدولة الفلسطينية. ولكن إسرائيل عادت واخترقت تلك الاتفاقيات، بل انقلبت عليها وأعاقت تطبيقها، وعطلت عملية إيصالها لمآلاتها بالتوصل لاتفاق نهائي، وأبقت عليها بالشكل الذي يخدم مصالحها فقط !