الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

واقع وآفاق الرواية التفاعلية في ملتقى الشارقة للسرد العربي

نشر بتاريخ: 07/10/2019 ( آخر تحديث: 07/10/2019 الساعة: 12:40 )

الكاتب: تحسين يقين

بقراءة الواقع الأدبي وباستشراف المستقبل، يكمل ملتقى الشارقة للسرد العربي طريقه في الاهتمام الواعي بالسرد، والذي ارتبط منذ البداية بأساليب وتقنيات ومذاهب، كان للمضمون دوما، شكله، مرتبط بالعصر وأدواته، وأحداثه.

وهو مختبر فعليّ، أثبت جدارته في كل عام، باتجاه الارتقاء بهذا الأدب، محدثا أثرا طيبا في التجديد ومواكبة العصر من ناحية، ومعمقا للوعي النقدي والثقافي والإنساني لدى أجيال من الروائيين/ات، ليكون انطلاقهم أكثر قوة، ولمنح السابقين منهم طاقة جديدة، للتعرف عن قرب على اتجاهات الكتابة، وأساليب التعبير، من أجل خلق حيوية في التعبير والتفكير معا.

اختيار محور هذا الملتقى: "الرواية التفاعلية.. الماهية والخصائص"، كان فعلا موفقا، حتى تتقرب المسافات بن الأجيال من ناحية، من خلال كسر حالة الاغتراب، خصوصا لدى الجيل السابق؛ فكان اللقاء تصالحيا، أو "توافقيا" على حد تعبير شيخ النقاد العرب د. صلاح فضل.

ثمة خيط ربط محاور الدورة السادسة عشر، المخصصة للرواية التفاعلية، الماهية والخصائص: الثورة الرقمية، فالأدب التفاعلي، والرواية، ثم التقنيات والجماليات والنقد، تخللها شهادات الكتاب. كأنه خيط درامي، جاء منسجما مع البناء في عالم القص.

لقد تم ترتيب فصول هذا الملتقى إذن ترتيبا منطقيا وفكريا؛ حيث كان لا بدّ من مدخل عام عن الثورة الرقمية، والأدب التفاعلي، كتمهيد للدخول في جوهر المحور، حيث عرض د. سعيد يقطين الثورة مداخلة حول الرقمية، مهدت للغوص في خصوصياته في التقنيات السردية والجماليات، وما ارتبط بها من طرق التعبير والعرض، تلا ذلك في الاختتام دور النقد في عالم الرواية التفاعلية. أما شهادات كتاب وكاتبات هذا الشكل المعاصر (الرقمي)، فكان لها الأثر في التقريب بين المسافات، ذلك أن الرواية هي الرواية، وإن اختلف (وهذا أمر عاديّ) طرق كتابتها وعرضها رقميا، خارج عالم الورق، أو داخله بما يمكن رصده من تأثيرات التكنولوجيا والإعلام الاجتماعي على تقنية الكتابة، بل على موضوعها.

وعليه، ومن خلال ما تم استخلاصه، فإنني أرى أن النقاش الغني الذي وفرّه ملتقى الشارقة كمختبر حقيقي للحاضر والغد، قد تمحور حول الرواية التفاعلية، من خلال عرض معنى التفاعل في العالم الرقمي بشكل خاص، وهذا ما اختتم به الناقد عبد الفتاح صبري، من فرسان الملتقى وأحد أعمدته.

ثمة علاقة مباشرة جدا بين الرواية التفاعلية (الرقمية بشكل خاص، والورقية المتأثرة بالعالم الرقمي في حدود معينة)، في تقنيات وأسلوب الكتابة نفسها: اللغة، الأحداث، البناء، المضمون...، وبين طرق عرض ذلك كله من خلال إمكانيات العالم الرقمي، أكان ذلك بالتفاعل العادي تعليقا على النص، وردود فعل الكاتب والقراء تجاه ذلك، وإمكانيات تأثر الروائي نفسه بما يسمع من تعليقات ، أو (وهو المهم هنا في الرواية التفاعلية، كما شاهدنا، وكما استمعنا لشهادات كتابها وكاتباتها، من أكثر من جيل، خصوصا الجيل الشاب)، ما يتعلق بتلك الروابط السمع-بصرية، التي يحيل كاتب الرواية التفاعلية قراءه اليها، التي تكون خلال النص نفسه، حيث يكون بإمكان القارئ المستخدم للحاسوب أن يضغط على تلك الكلمة-الرابط، فيظهر له فيديو قصير، يوضح من ناحية، ويضع القارئ/ة في جو الرواية؛ فكأنه وفق هذا المنحى، تصبح الرواية التفاعلية رواية تستحضر، أو تستدعي أشكال درامية بسيطة لتتداخل مع النص. فهي إذن ليست نصا مقروءا فقط، بل مسموعا ومرئيا، دمج الصوت والصورة والموسيقى، دون أن تتحول كليا إلى عالم السمع بصري.

هي تجربة إذن، بدأها من الأردن الشقيق الكاتب محمد سناجله، كذلك الكاتب عبد الله النعيمي من الإمارات العربية المتحدة، والعمل الجديد للكاتبة ريهام حسني من مصر. وتلاه كما عرفنا 40 عملا روائيا تفاعليا، متفاوتا في العرض، مقتربا من التأثر التقني بالكتابة نفسها، حتى وإن كانت ورقية، إبراهيم عبد المجيد مثالا. ولعل اختيار الأردن الشقيق كان موفقا كونه عاصمة الرقمية العربية.

مثال إبراهيم عبد المجيد (السايكلوب) وبشرى أبو شرار في تاج الياسمين مثلا، يؤكد مرة أخرى، أن ذلك كله يأتي في سياق جدلية العلاقة بين أسلوب العيش، سواء في الوصف الروائي لعالم الاتصال من خلال الانترنت، تماما كما كان حال التليفون، أو علاقات العالم الافتراضي في الاعلام المجتمعي، فيما يتعلق بشخصيات الرواية، كذلك الحال في تأثير ذلك كله على الكاتب نفسه في كتابته السردية في بعدها الذاتي-السيرة والشهادات.
تخصيص ملتقى الشارقة للسرد العربي النوعي هذا العام للنقاش الفكري والأدبي لهذه الظاهرة الآخذة بالازدياد، ليس استشرافا للمستقبل فقط كما قلنا، بل من المهم لكتاب الرواية التفاعلية ان يبدأوا ويبدأن بداية مقبولة، قد لا تكون من حيث انتهى الآخرون، لكن دون أن تنزل عن المستوى المقبول، حتى يكون البناء على المنجز، ويكون وقوفهم وسيرهم على أرض أكثر صلابة، وهم يعبرون عن الإنسان العربي فير هذا العصر، خصوصا الفئات الشابة التي تقبل على العالم الرقمي، لعلنا من خلال ذلك نستقدمهم (ونستقطبهم) للعالم الورقي الذي ما زال هو السائد، حتى وإن تم تحويل الورقي إلى نص مقروء من خلال الحاسوب،( بحيث صار رقميا تجاوزا).

منذ بدأ السرد، وتقنياته وأساليبه ومضامينه تتفاعل معا؛ فالأدب هو الأدب..والرواية هي الرواية.. والحياة هي الحياة، وما ينبغي أن تكون عليها..

وهذا ما أشار له الكاتب الروائي السيد نجم حين رأى ندرة من كتب عن متن الرواية التفاعلية؛ بمعنى ضرورة بحث المضمون في تلك الروايات.

لا الورق انتهى ولا الرقمي ساد، لذلك أزعم انه خلال الملتقى وفي نهايته، فقد لاحظنا كيف تعمقت التصالحية بين العوالم الورقية والرقمية، حيث قلت درجة التخوف من العالم الرقمي والرواية التفاعلية، وترك ذلك كله لذائقة القراء. كما لم يعد التخوف نفسه من ان يشكل ذلك الأسلوب في النشر خطرا على الإصدارات الورقية. فربما أن التفاعل-التواصل بين الكاتب والقارئ، أكثر دقة من وصف الرواية بحد ذاتها بالتفاعلية، كونها "تستخدم اللغة الجديدة والتقنيات المختلفة التي وفرتها الثورة الرقمية بما فيها النص التشعبي (الهايبرتكست) ومؤثرات "المالتي -ميديا" المختلفة في الفعل الإبداعي" كما يرى أحد المرجعيات في الرواية التفاعلية، محمد سناجله، الذي يكتبها ويجتهد باستمرار في التنظير الإبداعي عنها في إطار بحثه وتفكيره الهام حول النظرية العامة للواقعية الرقمية (في الشكل).

وهذا ما يؤكد على اتجاهات ملتقى الشارقة الاستراتيجي الأصيل الذي أسسه المفكر والمبدع العربي الشيخ الدكتور سلطان القاسمي ليكون حاضنة فمختر ابداعي ونقدي، باتجاهات الارتقاء بالرواية كديوان آخر للعرب؛ فجميل أنها بلورت ما تمت الإشارة اليه في ملتقى القاهرة للرواية العربية.
لقد شمل ملتقى الشارقة للسرد العربي في الدورة السادسة عشر، خمسة محاور أساسية للمقاربة والتحليل النقدي، ناقشها، أكثر من 51 مبدعاً من أدباء إماراتيين وعرب ومستعربين، حيث أزعم أنه حقق هدفه "بتوسيع دائرة الحضور العربي لمناقشة وتداول موضوع ماهيّة الرواية التفاعلية وما يرافقه من محاور ذات صلة، كما ذكر مدير دائرة الثقافة في الشارقة عبد الله العويس".

لقد جرى في الملتقى حديث حول المصطلح الرواية التفاعلية -واقع الحال فتحدث د. مشتاق عباس، من العراق، في فهم المصطلح، واشكاليات الترجمة، كذلك دكتور السيد نجم، و د. محمد أيت ميهوب، الذي رآه يختلف عن دمج الكلمات والبصريات والسمعيات، والتخزين في الانترنت.
ضياء الكعبي، تناولت شعر تجربة مشتاق عباس، المرسل والمستقبل، "يعيد المتلقي كتابة النص فيصبح المرسل متلقيا، وهو يختلف عن النص الورقي الذي يعتمد على العلاقة الأحادية: مرسل مستقبل، مما يؤثر على الملكية الفردية"، وكل ذلك في سياق إنتاج أدب عربي تفاعلي، في ظل البحث عن مرجعيات في الموضوع.
أما د. زهور كرام، فقدمت مدخلا حول نظرية الادب، والوعي، والعصر، العلاقة مع التحولات، وتطور الذكاء الصناعي، في سياق مفهوم جديد للإنسان، شركاء في انتاج مفاهيم العالم، في سياف مفهوم الاحتمالات لا اليقينيات، مشيرة بذكاء لمرجعية المعلم والأب، في ظل تغير التعاقد المجتمعي، فالأدب يتغير تبعا لما نعيشه: المكتوب، اختلاف اللغة، والخيال، كذلك في تعليق القراء، بعد نشر الفصول، التفاعل بين القارئ والكاتب. (وهناك احتمالية تغيير وتعديل النص).

د. نضال الشمالي ركز على التواصل، فيما انسجم دكتور عباس في توصيف حالة المرجعيات، كعلاقة الابن بالأب من جهة، والخيال من جهة أخرى، حيث لم يعد الوسيط الالكتروني محايدا، لذلك دعت فاطمة بريكي، بجسر الفجوة مع الجيل الجديد، فيما يخص قراءة الادب.

الأدب هو الأدب..

والرواية هي الرواية..

والحياة هي الحياة، وما ينبغي أن تكون عليها..لعل ذلك هو ما دفع وزير الثقافة الأردني محمد أبو رمان، في الافتتاح للتحدث عن التحولات ودور الرواية العربية. إنه فهم معمق سريع لدور الادب في سياق قومي. وهنا يأتي دور الناقد في فهم السياق العصري-التكنولوجي والمضمون الإنساني معا.