الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

محمد إشتية وعبد الفتاح السيسي .. الجنيه الفلسطيني والجنيه المصري

نشر بتاريخ: 09/10/2019 ( آخر تحديث: 09/10/2019 الساعة: 11:38 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

مرت سنتان أو ثلاثة لم أدخل فيها مصر ، ولكنني أتابع عبر شاشات البث المشاريع الاقتصادية التي تجري هناك بعيدا عن العناوين السياسية والاعلامية الصاخبة ، خصوصا في مجال الطاقة المستدامة والتعدين والهاي تيك وطوربيدات الرياح على البحر الاحمر ، والحرب الشرسة التي يخوضها الجنيه المصري في وجه العملات " الصعبة " والصعبة جدا ، وهو ما سيجلب على السيسي جميع أنواع المعارك الداخلية والخارجية لأن القوى ( العظمى ) التي تريد تركيع مصر يهمها ان تبقى مصر تتسوّل القطن قبل القمح . وإن أول من سيحارب انبثاق اقتصاد مصري قوي ومستقل ستكون قوى داخلية من الكمبرادور ووكلاء البضائع الاجنبية الذين لا همّ لهم سوى إحباط أية افكار جديدة والتشكيك بقدرة العرب على قيادة أنفسهم واقناع أصحاب القرار أن الاستيراد أسهل وأقل كلفة من الانتاج وان البضائع الاجنبية أكثر قيمة وجودة !!
من جهته محمد إشتية لم يغرق نفسه بالتفاصيل بعد . ويبدو أنه ماض في خطة الانفكاك عن الاقتصاد الاسرائيلي وهي " مهمة إنتحارية " سوف تجلب له كل الحروب والويلات والاّلام التي قد يتحملها وقد لا يتحملها . وفي حال واصل إشتية خطته مقاطعة البضائع الاسرائيلية فان أول من سيحاربه ويدعو لاسقاطه ولإسقاط حكومته ، تلك القوى الداخلية ( الكمبرادور ) التي تعيش على نقل بضائع المستوطنات الى الاسواق الفلسطينية والعربية ، والتشكيك بقدرة الشعب الفلسطيني على العيش بعيدا عن ظل الاحتلال وصناعاته ومنتوجاته .
ولا يزال الأمر في مراحله الاولى ، ولا تزال المعركة في باكورتها .. وانا لم أصل الى قناعة وافية بعد ، أن القيادة الفلسطينية قد حسمت أمرها تجاه هذا الامر . وفي كل يوم أخشى ان تتراجع حكومتنا عن موضوع وقف التحويلات الطبية والمنتوجات الزراعية والمياه والطاقة .. وانا فعلا أشكك في قطعية القرار لأن شركات الوكالات والكمبرادور لا تزال هي صاحبة اليد الاولى في السلطة وفي قطاع غزة ، ولا تزال هي صاحبة القرار ( كهرباء - مياه - سيارات - مواصلات - بطيخ - باذنجان وحتى البطاطا لمطاعم الهامبرجر ) . وفي اللحظة التي تبدأ فيها السلطة بالسيطرة على شركات توزيع البضائع الاسرائيلية وترفع من شان تبغ يعبد وتقلل من قيمة السجائر المستوردة، سوف تتبدّد شكوكي .
وما دامت هذه الشركات التي أطلقت على نفسها اسم ( الوطنية ) تجلس على رأس طاولة الاقتصاد الفلسطيني ، لن يكون هناك امل بنجاح خطة حكومة محمد إشتية .
ومن المفترض ان تبدأ الحكومة بالتضييق على شركات الوهم التي أغرقتنا ببضائع الاحتلال ، وأن تعمل على تأميمها دون وجل ودون ظلم ، واستعادة ملكية الدولة لمصادر الطاقة بدءا من الكهرباء والوقود والمحروقات والطاقة والمستشفيات والسياحة والمياه وغيرها ..
هل يمكن مقاطعة بضائع الاحتلال وانشاء اقتصاد فلسطيني عربي مع مصر والأردن والعراق وغيرها ؟ نظريا  نعم بالتاكيد ؟
ولكن الخطر الدائم في بلاد العرب هو الاستثناء .. دائما هناك ذريعة وهناك حجة لوجود إستثناء لأولاد المسئولين " الشاطرين في التجارة" ولأصحاب المنافع الشخصية ، وتحت مسميات المصلحة العامة ..
لا استثناء ، ولا وكالة لبضائع الاحتلال .. والدليل أن سوريا ولبنان والسعودية واليمن والامارات والاردن والعراق ومئات الدول تعيش منذ الاف السنين من دون ألبان وأجبان وكهرباء وبنطلونات وتنانير الاحتلال .. هل تركيا تحتاج الى جبنة من تل أبيب ؟ هل سوريا تحتاج الى كوكا كولا من سديروت ؟ هل مصر تحتاج الى غاز مسيل للدموع من رافائيل ؟ هل أمريكا واوروبا تحتاجان الى حليب أطفال ومراييل المدارس وشراشف المشافي من اسرائيل ؟