الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

اللاجىء لاجىء ولو اغترب

نشر بتاريخ: 23/01/2021 ( آخر تحديث: 23/01/2021 الساعة: 19:31 )

الكاتب: هبة بيضون

لو بحثنا في تعريف المغترب لوجدنا أنه الشخص الذي يقيم بشكل مؤقت أو دائم في بلد غير بلده الأصلي بإرادته واختياره، أي أن الاغتراب هو الهجرة من الوطن إلى بلد آخر بمحض إرادته بهدف الحصول على عمل أو مال من خلال الإقامة الدائمة أو الحصول على جنسية البلد المهاجر إليه .ولو بحثنا في تعريف اللاجىء لوجدنا أنه الذي يبعد قسرياً عن وطنه ولا يتمكن من العودة إليه في المدى المنظور نتيجة تعرضه للتهديد والإرهاب. أما تعريف اللاجىء في مواثيق الأمم المتحدة وتحديداً وفقًا للإتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين والتي اعتمدت في 28 تموز 1951 بشأن اللاجئين، يُعَرَّف اللاجئ ضمن العديد من التحديدات في التعريف بأنه كل شخص ”يوجد خارج دولة جنسيته بسبب تخوف مبرر من التعرض للاضطهاد لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، وأصبح بسبب ذلك التخوف يفتقر إلى القدرة على أن يستظل بحماية دولته أو لم تعد لديه الرغبة في ذلك“.
لماذا التطرق إلى هذا الموضوع بالذات؟ لاحظت في الآونة الأخيرة أن هناك من أهلنا وأخوتنا في الشتات من يعترض على تسميتهم بالمغتربين، ويعتقد أن هذا يسقط عنهم حق العودة، واعتراضهم نابع من تولي دائرة شؤون المغتربين لشؤونهم، بل أبعد من ذلك، هناك اعتراض على وجود دائرة المغتربين أو على الأقل على تسميتها بشؤون المغتربين، ومن هنا أجد أنه على ما يبدو هناك خلط واضح في الأمور، جعلني أحاول فهم موضع الخلط وسببه ومحاولة توضيحه قدر الإمكان، ولم أكن لأقوم بذلك دون الاستعانة والتحدث مع عدد من المسؤولين في مواقع متعددة، ولا أخفي عليكم أن هناك بعض الأسئلة التي لم أتلق عليها أجوبة، ولكن استطعت من خلال حواري معهم أن أجزم بما لا يجب أن يكون موضع شك أبداً، علماً أن الموضوع شائك ومعقد بعض الشيء، وله إرهاصات سياسية تتعلق بأمور لا مجال لذكرها هنا لو أردنا الخوض بالتفاصيل، لذلك سأطرح بعض الأمور التي يجب أن نتفق عليها على شكل نقاط :
أولاً: اللاجىء هو لاجىء، والمغترب هو مغترب، ويمكن أن يكون اللاجىء مغترب، ويمكن أن يكون المغترب لاجىء، ولكن ليس كل مغترب لاجىء، ولا كل لاجىء مغترب.
وللتوضيح، يكون اللاجىء مغترب في حال غادر بلد اللجوء إلى بلد آخر سعياً وراء الرزق أو الزواج أو التعليم، مثل أن يخرج لاجىء من لبنان مثلاً إلى أوروبا من أجل العمل ويعيش فيها، في هذه الحالة يكون قد اغترب ولكنه لا يزال لاجئاً ومغترباً في ذات الوقت، علماً أن تجنسه بجنسية البلد الآخر لا يفقده فلسطينيته وكينونة أنه لاجىء.
كما أنه ليس اللاجىء فقط من أخرج من وطنه بالقوة، ولكن من غادر وطنه بملء حريته وحرم من حقه في العودة إلى وطنه أيّا كان السبب فهو لاجىء، أي أولئك الذين خرجوا من الوطن قبل النكبة ومنعوا من العودة إليه بعد الاحتلال هم لاجئون ولهم الحق في العودة إلى الوطن كما اللاجىء الذي أبعد قسراً.
وقد يكون المغترب لاجىء أيضاً مثل أن يغادر أحد الأخوة من غزة إلى أوروبا للعمل أو للتعلم بإرادته، ويكون أصلاً لاجىء إلى غزة من فلسطين المحتلة عام 1948.
ثانياً: هناك دائرة أصيلة ضمن دوائر منظمة التحرير الفلسطينية تدعى " دائرة شؤون اللاجئين"، تعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم في دول الشتات والنزوح، وهذه الدائرة لديها التزامات مع المجتمع الدولي ومع الأمم المتحدة وتسعى إلى تأمين الدعم المالي والعيني والسياسي والمعنوي للاجئين الفلسطينيين، ولا يمكن المس بها، وهي مستمرة في عملها على الرغم من التحديات الكبيرة، ولم ولن تتخلى عن مسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين أينما وجدوا.
ثالثاً: هناك دائرة شؤون المغتربين، وهي أيضاً دائرة ضمن دوائر منظمة التحرير الفلسطينية، وهي هيئة فلسطينية مستقلة تعنى بصورة رسمية بمتابعة شؤون وقضايا الجاليات الفلسطينية في العالم بأسره خارج الوطن العربي، وتعتبر مرجعية الجاليات الفلسطينية، وجدير بالذكر أن هذه الدائرة لم تتعرض إطلاقاً لأي شك في التزامها بحق اللاجئين في العودة أينما كانوا، بل أنها عملت على تنمية العلاقات الخارجية لفلسطين في الدول التي اغتربوا فيها .
رابعاً: الجالية الفلسطينية في أي دولة هي خليط من اللاجئين والمغتربين، من وجهة نظري هي الإطار العريض أو المظلة التي ينضوي تحتها اللاجئون والمغتربون الفلسطينيون في تلك الدولة. كانت الجاليات الفلسطينية على الدوام منظمة في إطار المنظمات النقابية والاتحاد العام لطلبة فلسطين والاتحاد العام لعمال فلسطين واتحادات المرأة والمهندسين والحقوقيين والفلاحين والفنانين وغيرها إلى أن أنشأت دائرة شؤون المغتربين التي أصبحت تهتم بالجاليات.
خامساً: بالمفهوم السياسي، نحن لا نطلق على اللاجئين في الدول العربية مصطلح" مغتربون"، هم لاجئون فقط، ولكنهم ينضوون تحت مسمى الجالية الفلسطينية في تلك الدولة.
سادساً: لا يتم اعتبار الهجرة الإرادية إلى بلد عربي اغتراباً، لأن الفلسطيني في الوطن العربي "ليس غريباً" ، سواء حصل على جنسية الدولة العربية أو لم يحصل عليها.
سابعاً: المغتربون تطلق فقط على الفلسطينيين أي (الجالية الفلسطينية) في دول أوروبا والأمريكيتين ودول أفريقيا وآسيا وأستراليا، وأذكر هنا أن الجالية الفلسطينية تضم كل فلسطيني سواء كان لاجىء أو مغترب (لاجىء مغترب)، علماً أن منهم من اغترب قبل نكبة 1948 وحرم من العودة إلى الوطن ، فهؤلاء مغتربون لاجئون، وهناك كما ذكرت لاجئون في دول أوروبا والأمريكيتين ودول أفريقيا وآسيا وأستراليا.
ثامناً: من اللاجئين من حصل على جنسيات أوروبية وأمريكية، هؤلاء نعتبرهم مغتربون حتى ولو أن بعضهم هاجر إلى تلك البلاد وهو لاجىء. لذلك يجب أن تبقى دائرة المغتربين لتمارس دورها تجاههم.
تاسعاً: إذا كان المغترب لاجئاً، أي أنه أجبر على ترك وطنه أو هدد لكي يهاجر منه أو حرم من العودة إليه، فله كل حقوق اللاجىء أياً كان في الغرب أو في الشرق ، في بلد عربي أو بلد أجنبي، أي أن حقه في العودة لا يتأثر باغترابه.
عاشراً: هناك الكثير من أبناء شعبنا من حصل على جنسية دول أوروبية ولم تسقط عنه الجنسية الأولى (الفلسطينية)، وهم يحملون جواز سفر الدولة بالإضافة إلى جواز السفر الفلسطيني كما هو حاصل في مملكة الدنمارك، وعادة يستخدمون جواز السفر الفلسطيني عند سفرهم إلى سوريا أو لبنان.
كما أنني علمت من أخ من لاجئي لبنان وكان قد غادر إلى إحدى الدول الأوروبية، أن على الشخص أن يسلم كل وثائقه التي تكون معه فور استلامه الإقامة في تلك الدولة، وعادة لا يطلب من أي شخص تسليم وثائقه إلا إذا كان يواجه مشكلة سياسية، وأكد لي أن معظم الأخوة الذين يعرفهم في أوروبا وتجنسوا بجنسيات الدول لا يزالون يحتفظون بجواز سفرهم الفلسطيني، وقال إنه للقيام بالمعاملات يجب تسليم الوثائق ولكن هذه الوثائق مستردة بعد الانتهاء من معاملة الإقامة.
خلاصة القول أن اللاجىء يبقى لاجئاً ولو اغترب، وحق العودة هو حق شخصي لا يسقط بالتقادم ولا يمكن لأحد إسقاطه عن الشخص إلا بالعودة وفق القرار 194، وعند رعاية دائرة شؤون المغتربين لأمور اللاجىء المغترب، عليه ألا يقلق، لأن هذا لا يعني أنه خرج من رعاية دائرة شؤون اللاجئين، وعلى الجميع أن يعلم أن الدائرتين تنسقان فيما بينهما عندما يتعلق الأمر باللاجئين المغتربين أو المغتربين اللاجئين.
ولإزالة هذه المخاوف وهذا القلق ولإغلاق الطريق على الأصوات التي تهدف إلى إيجاد مدخل آخر لتصعيد الفرقة والانقسام بين أبناء الوطن، إما بجهل أو بسوء نية، أدعو الجميع إلى التنسيق ضمن مجلس علاقات خارجية موحد لجميع مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وعدم المساس بوضع اللاجئين ودائرة شؤون اللاجئين، التي هي دائرة متخصصة وعليها التزامات وطنية وقومية ودولية لا تماثل إلتزامات أي من الدوائر الأخرى.