الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

دلالات تناقض أحكام القضاء الإسرائيلي بشأن الصلاة التلمودية في المسجد الأقصى

نشر بتاريخ: 10/10/2021 ( آخر تحديث: 10/10/2021 الساعة: 23:33 )

الكاتب: العميد أحمد عيسى

أصدرت المحكمة المركزية الإسرائيلية في مدينة القدس برئاسة القاضي (أرييه رومانوف) بصفتها محكمة إستئناف، يوم الجمعة الماضي الموافق 8/10/2021، حكماً قضائياً يلغي حكماً سابقاً كانت محكمة الصلح في مدينة القدس برئاسة القاضي ( بيهلا يهالوم) قد أصدرته يوم الأربعاء الماضي الموافق 6/10/2021، الذي اعتبرت في حكمها أن الصلاة الصامتة لليهود في المسجد الأقصى لا تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون ويلغى في نفس الوقت قرار الشرطة في سبتمبر/أيلول الماضي منع الحاخام أرييه ليبو من دخول المسجد الأفصى، الأمر الذي دفع الشرطة لإستئناف الحكم أمام المحكمة المركزية، التي بدورها ألغت حكم محكمة الصلح.

في الظاهر يبدو الأمر إختلافاً عادياً بين درجات التقاضي الأولى والثانية، ولكنه في الباطن يعكس التناقض والإختلاف بين اليمين القومي الديني الذي يسعى منذ وقت طويل للهيمنة على مؤسسات وأجهزة الدولة التشريعية والسياسية والعسكرية والقضائية، وبين الدولة العميقة في إسرائيل وعلاقة هذه الأخيرة بالشريك الأكبر والراعي الأساس الولايات المتحدة الأمريكية.

فالتيار الصهيوني الديني الذي تنتمي إليه القاضي ويقف على رأسه رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت يرى أنه التيار الأكثر أمانة على تفسير الصهيونية من التيار الصهيوني التقليدي الذي يسجل له أنه قاد إسرائيل في البدايات، حيث يصف المؤرخ اليهودي المعروف ألآن بيبيه هذا التيار، بالتيار الصهيوني الكلاسيكي، ويصف التيار الأول بالتيار النيوصهيوني أو الصهيونية الجديدة.

ومعيار التفرقة بين التيارين يدور حول مدى الإستعداد للتنازل عن أجزاء من فلسطين، أو (أرض إسرائيل) وفقاً لقناعات هذا التيار، لعدم ظهور إسرائيل وكأنها تعارض قيم الديمقراطية والليبرالية وقرارات المجتمع الدولي الخاصة بالصراع، إذ يرى هذا التيار وفقاً لتصريحات بينت وشريكته شاكيد أنه لا داعي للتملق والإختفاء خلف قيم الديمقراطية والليبرالية والقرارات الدولية، وأن الوقت قد حان لعدم إخفاء أهداف المشروع الصهيوني في فلسطين، فيما يرى التيار الثاني أو تيار الصهيونية الكلاسيكي أن إسرائيل لا يمكنها معارضة هذه القيم، لا سيما وأنها نتاج القرارات الدولية ومنظومة القيم والأسس التي يقوم عليها النظام الدولي.

في الواقع يعتبر إنزياح النظام الدولي نحو الرواية الإسرائيلية وعدم محاسبتها لعدم إلتزام إسرائيل بالقرارات الدولية، كشف من جهة زيف القيم والأسس التي يقوم عليها هذا النظام، وشجع من جهة أخرى تيار الصهيونية الجديدة على المنادة بالتخلي عن التملق الذي خدم إسرائيل كثيراً خلال قترة قيادة الصهيونية الكلاسيكية، والذي لا زالت مؤسسات الدولة العميقة خاصة المؤسسة العسكرية والقضائية تنتمي لأفكاره ويتحكم في سلوكها.

نعم ثقافة عدم التملق، وثقافة الكشف عن الوجه الحقيقي للصهيونية وأهدافها في فلسطين، هما محركات حكم القاضي بيهلا يهالوم في محكمة الصلح، بالمقابل كانت ثقافة الإختفاء خلف القرارات الدولية، لا سيما في هذه اللحظة من الزمن التي يحاول فيها الرئيس الأمريكي بايدن إستعادة مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في تزعم النظام العالمي هي المحرك لمسارعة الشرطة الإسرائيلية كأحد أذرع منظومة الأمن الإسرائيلية إستئناف حكم محكمة الصلح أمام المحكمة المركزية بصفتها الإستئنافية التي ألغت بدورها حكم محكمة الصلح، خاصة بعد طلب الإدارة الأمريكية من الحكومة الإسرائيلية أن حكم محكمة الصلح يناقض الوضع القائم الذي ساد بعد الإحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية العام 1967، وأبقى المسجد الأقصى تحت الوصاية الأردنية وجعل الصلاة فيه حصراً للمسلمين.

تجدر الإشارة هنا أن تيار الصهيونية الجديدة لن سيواصل تطبيق سياسته القائمة على شعار "لا داعي للتملق" الذي خاض تحت رايته نفتالي بينت إنتخابات الكنيست التاسعة عشر العام 2013، في إستيلائه على كل فلسطين ومقدساتها، الأمر الذي سيعمق من صورة إسرائيل كدولة أبارتايد وفصل عنصري وتطهير عرقي، هذه الصورة الآخذة في الإتساع في الرأي العام العالمي، لا سيما الرأي العام اليهودي.

وتأسيساً على ذلك يتطلب التطور الحتمي لهذا الإتجاه الذي يعكس تمادي إسرائيل في عنصريتها بالتزامن مع زيادة قناعة الرأي العام بأنها دولة إجرام وعنصرية وتطهير عرقي من الفلسطينيين أخذ هذا الإتجاه بعين الإعتبار عند صياغة إستراتيجيتهم التي تجسدت ملامحها الأساسية في خطاب الرئيس عباس أمام الأمم المتحدة في دورتها الأخيرة.