الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

أهمية حماية البيئة والموارد الطبيعية من المنظور الشرعي

نشر بتاريخ: 17/09/2022 ( آخر تحديث: 17/09/2022 الساعة: 18:51 )

الكاتب:

د. سهيل الأحمد

إن تثبيت السلوكيات الإيجابية التي تشعر الإنسان بالمسؤولية تجاه حماية الموارد الطبيعية وصيانتها من القواعد المؤثرة في البناء التشريعي الإسلامي بما يضمن المحافظة على البيئة وتحقيق التقدم لجميع فئات المجتمعات واختلافاتها، وهذا المفهوم ينبثق من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: (كلكم راع، ومسؤول عن رعيته...) ،. وهذا لأن حماية البيئة تتطلب من الإنسان كذلك أن يتعامل معها برفق وإحسان امتثالًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء...)، حيث يكون ذلك من خلال الاهتمام بالموارد الطبيعية والغابات، والمظاهر البيئية بشكل عام، وهنا فقد راعت الشريعة الإسلامية بتشريعاتها المحافظة على الموارد الطبيعية وبينت في نصوصها أهمية حماية البيئة بما يخدم مصالح الإنسان المشروعة ويعمل على تحقيق سنة الاستخلاف وعمارة الأرض وبناء المكون الإنساني والاجتماعي المطلوب حصوله وإيجاده على الوجه المشروع، حيث جاء ذلك في عدة مظاهر:

مظهر ملاحظة المقادير المعتبرة للأشياء والمحافظة على التوازن البيئي كما ورد في قول الله تعالى: "وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ). وهذا على اعتبار أن الله خلق قد كل شيء بقدر، لقوله سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ". ولتحقيق هذا المقصد دعت التشريعات الإسلامية إلى نبذ الإسراف بشتى صوره، بلا إفراط أو تفريط. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا، ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة).

وأما المظهر الثاني فهو حماية الحياة الفطرية ويتمثل ذلك بنهي الشريعة الإسلامية عن قطع السدر. وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار". والسدر ينبت في الصحراء، ويصبر على العطش، ويقاوم الحر، وينتفع الناس بتفيؤ ظلاله والأكل من ثماره حال السفر والتنقل في الصحراء.

ويظهر كذلك أيضًا من خلال حماية المصادر المائية من التلوث والهدر، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبال في الماء الراكد. وهذا حتى لا يتلوث الماء فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه). وعن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل). ولأجل حماية المصادر المائية من الهدر؛ روي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: كيف الطُّهور؟ فدعا بماء في إناء، فغسل كفيه ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً، ثم مسح برأسه، فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: (هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص، فقد أساء وظلم)، أو (ظلم وأساء).

ومن المظاهر الأخرى؛ حماية الطرق والأماكن العامة والأماكن التي يستظل بها الناس حيث روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا اللعانين). قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: (الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم).

ثم إن حماية البيئة والاهتمام بمظهرها والإحسان إليها يعد من أسباب نيل الأجر والثواب من الله تعالى، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان". وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بينا رجل بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنـزل فيها، فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنـزل البئر فملأ خفه ماء، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له). قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال: (في كل ذات كبد رطبة أجرا).

ومن المظاهر المهمة أيضًا المحافظة على البيئة من خلال استخدام الموارد الطبيعية واستغلال المياه على الوجه الأفضل حيث روى عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما أنه حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرّح الماء يمر. فأبى عليه. فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: "اسْقِِ يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك"، فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمتك؟، فتلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر". فقال الزبير: والله إني لأحسب أن هذه الآية نـزلت في ذلك: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم...."