الكاتب: أ.صخر سالم المحاريق
في ظل الظروف المتقلبة التي تواجهها المجتمعات اليوم، وخاصة مجتمعنا الفلسطيني، وفي مواجهة التحديات التي تعترض طريق الفرد نحو تحقيق طموحاته المهنية، يُصبح من الضروري أن يتوقف كل منا لحظة للتفكير في قراراته الشخصية ووعيّه بمستقبله. إنَّ الوعي العميق بالذات والقدرات الشخصية، إلى جانب إدراكنا للتغيرات التي تطرأ على حياتنا والمُجتمع من حولنا، يُشكل أساسًا متينًا لبناء مُستقبل مهني ناجح.
يُعتبر التمعن في اختياراتنا اليومية، بما في ذلك قراراتنا المتعلقة بالمستقبل المهني، عبر تشخيص نقاط قوتنا وضعفنا من أهم الخطوات التي تُساهم في تشكيل مسارنا حياتنا. فمواجهة التحديات تبدأ من القدرة على اتخاذ القرار الصحيح، فكل واحد منا هو الذي يصنع مُستقبله، وليس الظروف أو العوامل الخارجية. على - سبيل المثال لا الحصر - نجدُ العديد من الجُمل المحبطة التي تدور في أذهاننا وتظهر في محيطنا مثل: "بطلت الشهادة اليوم تطعم خبز"، "عاطل عن العمل"، "معك فيتامين (و)" (الواسطة)، وغيرها من العبارات التي تُحبطنا وتُقلل من شأن عملية التعليم والتعلم. ولكن الحقيقة هي أن هذه الجُمل ما هي إلا جُزء من النفق المظلم الذي يمكننا الخروج منه إذا قمنا بتوجيه دَفةِ حياتنا باتجاه الاستفادة من الفرص المتاحة وتحقيق النجاح بأنفسنا.
اختيار التخصص الجامعي: الخُطوة الأولى نحو المُستقبل
في هذه المرحلة من حياتك، أيها الطالب، بعد نجاحك في الثانوية العامة (التوجيهي)، قد تشعر ببعض الحيرة في اختيار التخصص الجامعي الذي يُناسبك. ولكن لا داعي للقلق، فهناك بعض الإرشادات التي يمكن أن تساعدك في اتخاذ القرار الصائب بالاستناد إلى عدة مُعطيات هامة ومنها:
تلمس هواياتك واهتماماتك الشخصية: يجب أن يكون التخصص الجامعي الذي تختاره مرتبطًا بما تحب أن تفعله، فالشغف بما تقوم به يظل دافعًا لك للاستمرار في تحقيق النجاح والإبداع بعد التخرج.
تجاهل الأصوات المحبطة من حولك: رغم وجود بعض النصائح السلبية من المحيطين بك، إلا أنه يجب أن تظل مقتنعًا بأن اختيارك هو الأفضل، فكل شخص له مسار مختلف في الحياة.
استشر أصحاب الخبرة :إذا كنت تشعر بالحيرة، لا تتردد في استشارة من نجحوا في تخصصاتهم العملية، فهم بلا شك سيمنحونك نظرة أعمق تساعدك في اتخاذ القرار.
اختر الجامعة /الكُلية/ المعهد المُناسب: والتي لا تقتصر على الشهادة فقط، بل حاول اختيار جامعة تطرح التخصص الذي تدرسه بأسلوب أكاديمي متميز ومعترف به عالميًا، كذلك أمعن النظر واستكشف بنفسك الخطط الاكاديمية المطروحة وما تتضمن من مساقات، ومدى توفر الوسائل والأدوات التعليمية التطبيقية لما لها من أهمية بالغة؛ خاصة في التخصصات ذات الطابع العملي والتطبيقي.
الجامعة أو الكلية: محطة عبور ونافذة من الوقت ستنتهي لا محالة.
من المهم أن نتذكر أن الجامعة ليست سوى محطة عبور، تمنحك مجموعة من المعارف والمهارات التي تؤهلك لدخول سوق العمل. الجامعة تضعك على بداية الطريق، لكنها لا تضمن لك النجاح الكامل إذا لم تُكمل المسيرة بتطوير مهاراتك وقدراتك بعد التخرج. فمن الضروري أن لا تقتصر على ما تعلمته في الجامعة، بل يجب عليك الاستمرار في التعلم واكتساب المهارات العملية التي تُمكِّنك من التميز في سوق العمل.
أما في ما يتعلق بالوظائف، فعبارة "عاطل عن العمل" قد تكون في كثير من الأحيان نتيجة لإهمال تطوير الذات. إذا كانت البيئة المحيطة بك مليئة بالفرص المحدودة، فبإمكانك خلق فرصك بنفسك عبر العمل الحر أو من خلال تطوير مشاريع خاصة تُلائم احتياجات السوق.
التعليم التطبيقي: الطريق الأقرب إلى سوقِ العمل المحلي والعالمي.
في عصرنا الحالي، أصبح التعليم التطبيقي هو الخيار الأنسب للطلاب الراغبين في الالتحاق بسوق العمل المحلي والدولي. يتضمن هذا النوع من التعليم جزءًا نظريًا يساعد على إثراء المعرفة العلمية وجانبًا عمليًا يُنمّي المهارات المتخصصة في مجالات مثل الهندسة، والتكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والذكاء الصناعي، وعلوم الحاسوب وغيرها. فالتعليم التطبيقي يفتح أمامك أبوابًا واسعة للعمل في مجالات علمية حديثة، مما يعزز فرصك في الحصول على وظيفة مرموقة.
لكن هذا لا يعني أن النجاح مضمون بمجرد إتمام هذا النوع من التعليم؛ بل يجب عليك أن تكون دائمًا مستعدًا لتطوير نفسك وتعلم مهارات جديدة، عبر دورات تدريبية وتعلم مدى الحياة، لمواكبة التطورات المتسارعة في العالم التكنولوجي.
التخصصات الأكاديمية للعقودِ القادمة من مهن المستقبل.
في دراسة استقصائية عالمية، تبين أن التخصصات التي ستظل في صدارة الطلب خلال العقد المقبل تشمل الحاسوب، البرمجيات، أمن المعلومات، تحليل النظم، والطاقة المتجددة. كما أن التخصصات المرتبطة بالتسويق الرقمي وإنترنت الأشياء والإدارة المالية الحديثة ستكون من الأكثر طلبًا في المستقبل. لا يمكن إغفال أيضًا بعض التخصصات التقليدية مثل المحاسبة والتمريض، التي تشهد نقصًا حادًا في بعض دول العالم.
التعليم الذاتي: مُفتاح النجاح المُستمر، والاستثمار الذي يفوقُ المدرسة، الجامعة، والمهنة.
إن عملية التعلم ليست محصورةً في أسوار الجامعات، وطيات الكُتب فحسب، بل هي مسار مُستمر يمتد طوال الحياة. وفي ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم من تطورات تقنية ورقمية، أصبح "التعلم الذاتي" شعار المرحلة القادمة للنجاح المستدام. فهو "مدرسة الذات" التي يُديرها الفرد بنفسه لتحقيق التطور الشخصي والمهني في مختلف جوانب الحياة؛ بحيث يتطلب منا هدفًا محددًا، واستعداداً للتعلُم، متبوع بجهد مستمر. كما يُساهم "التعلم الذاتي" في بناء مهارات وميزات تنافسية تتيحُ للفردِ تحقيق ذاته والوصول إلى مراتب عالية. بفضل التقدم التكنولوجي، أصبح "التعلم الذاتي" اليوم أكثر سُهولة ومرونة، مما يُساعد على مُواكبة التغيرات المستمرة في مجالات العمل والتشغيل.
نصيحة أخيرة: النجاح أنت صاحبهُ، بقراراتك الواعة، وحُسن اختياراتك.
في النهاية، أيها الطالب، نجاحك في المستقبل المهني هو رهانك الشخصي. لا يمكن لأي شخص أن يحدد مسارك سواك، اختياراتك يجب أن تكون مبنية على وعيك الذاتي، ومهاراتك، واهتماماتك. وتذكر أن الطريق إلى النجاح ليس سهلاً، لكنه يتطلب منك المثابرة والتطوير المستمر للذات.
انطلق في طريقك بثقة، واستشعر دائمًا شغفك، واستفد من كل فرصة للتعلم والنمو. فكل خطوة تخطوها نحو تحقيق ذاتك هي خطوة نحو بناء مستقبل مهني مستدام وناجح.
أكاديمي ومُدرب مُختص بتطوير الموارد البشرية، والتعليم المهني والتقني.