الأحد: 20/07/2025 بتوقيت القدس الشريف

الخليل تختنق: أزمة خدماتية متفاقمة وصمت رسمي مريب

نشر بتاريخ: 19/07/2025 ( آخر تحديث: 19/07/2025 الساعة: 17:24 )

الكاتب:

المهندس: غسان جابر

تمر مدينة الخليل، كبرى مدن الضفة الغربية، بأزمة خدمية واقتصادية خانقة لا تخفى على أحد. من انقطاع المياه لفترات طويلة، إلى تراكم النفايات، إلى تدهور البنية التحتية، يشعر المواطن في كل زاوية من زوايا المدينة بثقل الحياة اليومية، وسط غياب حلول حقيقية تُلبي الحد الأدنى من الكرامة المعيشية.

إن ما تعانيه الخليل اليوم ليس مجرد أزمة مياه موسمية، ولا تعثرًا عابرًا في إدارة الخدمات، بل حالة كارثية مركبة، تتداخل فيها الأزمات السياسية والإدارية والاقتصادية، وتنعكس مباشرة على الحياة اليومية للسكان، الذين باتوا يتساءلون: إلى متى هذا الصمت؟ وإلى متى تستمر الحكومة في غضّ الطرف عن واقع مدينة تتآكلها الأزمات من كل جانب؟

أزمة متراكمة ومجلس مأزوم

المجلس البلدي الحالي، وعلى الرغم من أنه جاء عبر صناديق الاقتراع، إلا أنه ومنذ سنوات، يواجه حالة من التصدع الداخلي والصراعات السياسية التي عطلت بشكل شبه كامل قدرة المجلس على اتخاذ قرارات فاعلة. الخلافات، وغياب التوافق، واتهامات بالمحاباة والفساد الإداري، كلها عوامل جعلت المجلس غير قادر على تلبية أبسط متطلبات المواطن.

وفي ظل هذا الشلل، تتفاقم الأزمات بشكل يومي: انقطاع المياه عن الأحياء السكنية لأكثر من 60 يومًا في بعض المناطق، اعتماد الأهالي على شراء المياه بأسعار باهظة من صهاريج خاصة، تراكم النفايات في الأحياء، وضعف واضح في خدمات البنية التحتية.

مسؤولية الحكومة

في أي نظام حكم مسؤول، وعند تعطل مجلس منتخب عن القيام بواجباته، فإن من صلب مسؤولية الحكومة أن تتدخل لضمان استمرارية الخدمات وتوفير الحد الأدنى من الكرامة للمواطن. غير أن الحكومة الفلسطينية، ممثلة بوزارة الحكم المحلي والجهات ذات العلاقة، تواصل التعامل مع الوضع في الخليل وكأنه أمر طبيعي، مكتفية بالمتابعة عن بُعد دون قرارات حاسمة.

إن ترك الخليل بهذا الشكل، دون رقابة فعلية أو تدخل مباشر أو حتى الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة تعيد للمواطن حقه في اختيار مجلس قادر على العمل، هو تقصير خطير في أداء الحكومة، يُحمّلها جزءًا أصيلاً من مسؤولية تفاقم الأزمة.

بين غياب الثقة والانفجار الشعبي

ثقة المواطن في بلديته تتآكل، وثقته في الحكومة لا تقل تراجعًا، في ظل واقع لا يُبشّر بأي حل قريب. ومع ازدياد المعاناة، تصبح المدينة برمتها على شفا انفجار اجتماعي واقتصادي، خاصة إذا ما استمرت هذه الحالة من الجمود، وتراكمت الضغوط اليومية على كاهل الأسر الفقيرة والمتوسطة.

إن تأخير الحلول، والتغاضي عن الدعوات الشعبية المتكررة لتصويب المسار، يضع القيادة أمام مسؤولية تاريخية، ليس فقط تجاه مدينة الخليل، بل تجاه مصداقية مؤسسات الحكم المحلي برمتها.

دعوة عقلانية

بعيدًا عن التشنج أو التسييس، لا بد من مقاربة عقلانية وشفافة لما يحدث. الخيار المطروح، والذي بات كثيرون يرونه ضروريًا، هو الدعوة إلى انتخابات بلدية مبكرة في الخليل، تتيح إعادة تشكيل مجلس بلدي جديد يتمتع بقبول مجتمعي، ويملك الإرادة والقدرة على إدارة الملفات الشائكة في المدينة.

كما أن الحكومة مطالبة اليوم، وليس غدًا، بإرسال لجنة تقصي ميدانية تقف على تفاصيل الأزمة، وتصدر تقريرًا شفافًا، يتبعه تدخل مباشر يعالج أوجه القصور في الخدمات، ويحاسب من تسببوا في الفشل الإداري، دون تسويات سياسية أو اعتبارات فئوية.

نقول أن الخليل لا تحتاج إلى شعارات أو بيانات إنشائية، بل إلى قرارات شجاعة ومسؤولة. مواطنوها يستحقون أن يعيشوا بكرامة، ويستحقون أن تُصان حقوقهم في الماء والكهرباء والنظافة، ويستحقون قبل كل شيء، مجلسًا بلديًا فاعلًا لا مشلولًا، منتخبًا لا معطّلاً، شفافًا لا غارقًا في الصراعات.

إن الصمت الرسمي لم يعد مقبولًا، ولا بد من خطوة سياسية جادة تضع حدًا لهذا الانحدار المستمر، وتعيد إلى الخليل مكانتها التي تستحقها كواحدة من أهم وأقدم مدن الوطن.