الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما وراء الأرقام- كيف نهضت مؤسسة تمويل أصغر في غزة من تحت الأنقاض

نشر بتاريخ: 26/05/2015 ( آخر تحديث: 26/05/2015 الساعة: 17:28 )

الكاتب: أ. انور الجيوسي

غزة هي قطعة من الأرض طولها 25 ميلا (حوالي 41 كم) وعرضها ثمانية أميال (حوالي 13 كم) على الأكثر، ولكن هي موطن لنحو 2 مليون شخص، الغالبية العظمى منهم تحت سن 25. مع معدلات البطالة في خانة العشرات، وتقدير الأمم المتحدة أن أكثر من ثلاثة أرباع السكان هناك يعتمدون على المساعدات من أجل البقاء، فهي بمثابة معجزة أن هنالك طلب كبير على خدمات مؤسسة فاتن لتمويل المشاريع الصغيرة.

ولكن ما هو الدور الذي يمكن لمقدم الخدمات المالية أن يلعبه عندما تصبح احتياجات العملاء أكثر أساسية؟ وهذه المسألة هي أكثر إلحاحاً في غزة، حيث أن جزءاً كبيراً مما قامت ببنائه فاتن و10 آلاف من عملائها منذ تأسيسها في عام 1999، بما في ذلك محفظة القروض التي تقدر ب 13.5 مليون دولار، قد دمر في غضون أسابيع خلال الصيف الماضي.

والعدوان الأخير على غزة المعروف باسم "عملية الرصاص المصبوب" أثر بشكل مباشر على ما يقارب ثلث عملائنا وربع محفظتنا، على التوالي.
خلال الهجوم الجوي والبري والبحري الاسرائيلي لمدة 51 يوما، قتل أكثر من 2100 شخص، ربعهم تقريباً من الأطفال، وتحولت مساحات واسعة من القطاع إلى أنقاض، وتم تشريد حوالي ربع سكان غزة، الكثير منهم لاجئين يقطنون في إحدى مخيمات الأمم المتحدة الثمانية مما أدى إلى تفاقم المعاناة.

بالنسبة لنا في مؤسسة فاتن فإن الأرقام وحدها لا تعكس عمق المأساة، ولكن حتى على الورق فإن ما حدث في الصيف الماضي أمر مثير للصدمة: قتل 37 من عملائنا وأكثر من 600 أصيبوا بجروح وعدد كبير من أقاربهم فقدوا أطرافهم وانكسرت عظامهم أو عانوا من صدمة نتيجة التفجير والقصف المستمر. عندما سكتت المدافع، خرج عملاؤنا من مخابئهم ليجدوا أن أكثر من 450 من منازلهم قد دمرت تماما، وأصبحت منازل بضعف هذا العدد غير صالحة للسكن. إضافة إلى أن حوالي 600 من مشاريع المقترضين قد تم تدميرها إما كليا أو جزئيا، فضلا عن حقيقة أن مكاتب فاتن ومنازل موظفيها تعرضت للقصف أيضا. فبإمكانك الآن أن تشعر بحجم التحديات التي تواجهنا أثناء أدائنا لعملنا.

وفي نهاية المطاف، نحن مؤسسة مالية، ولا نخجل من الأرقام. في الواقع، مجرد وجود فاتن في قطاع غزة (وكذلك الضفة الغربية) يتطلب الإستعداد للخطر واعتماد سياسات محافظة للإقراض من أجل إدارة المخاطر الناتجة عن الصراع غير المتوقع. وخلال عملية التوغل عام 2009، كما هو الحال في العمليات العسكرية السابقة، قمنا بجمع البيانات حول مدى خسائرنا البشرية والبنية التحتية ، وقد كانت أول خطوة نخطوها على الطريق الطويل إلى الانتعاش. ومن خلال 15 عاما من الخبرة في العمل في مناطق النزاع المعرضة للخطر، ومن خلال التحليلات الأخيرة من على أرض الواقع، تعلمنا الكثير.

تعلمنا أن تحليل الخسائر من أي كارثة يتطلب فهم شامل لعملائك. ونحن نعرف، على سبيل المثال، أن مشاريع عملائنا تكبدت نحو 2.7 مليون دولار من الخسائر و الأضرار. ولعل الأهم من ذلك، المقترضون من رواد الأعمال الصغار الذين تحملوا ثلاث حروب في نصف العقد الماضي والعيش في ظل الحصار الإسرائيلي شبه التام شهدوا ما يبلغ قيمته 11 مليون دولار أمريكي من تدمير لممتلكاتهم. ما أهمية هذا الموضوع؟ ببساطة، للعائلات في كل مكان، المأوى يأتي قبل التجارة. في محاولة لجذب المزيد من المقترضين المحافظين في غزة، زدنا من صرف قروض الإسكان " تمويل المرابحة" المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بنسبة 50٪ خلال عام 2014 مقارنة مع عام 2013.

وبعد عملية الرصاص المصبوب في عام 2009، أنشأت فاتن صندوق التكافل الاجتماعي، والذي تم تخصيصه لتوفير القروض للمقترضين الذين يصابون بأمراض خبيثة ، الموت المفاجئ ، الإعاقة الدائمة أو تحديات غير متوقعة مثلما شاهدناه في عام 2014.

وقد إرتفعت حصة هذا الصندوق مؤخرا إلى مبلغ 500 ألف دولار، ويتم من خلاله السداد بالكامل لديون المقترضين المتوفين أو ديون المقترضين الذين فقدوا أفراداً من أسرتهم. وفي الوقت نفسه، نعمل بجد على إعادة تجديد موارد احتياجات الأعمال التجارية لعملائنا، ونقدم القروض لمساعدتهم على إعادة البناء، بينما نقوم بتنشيط السوق المحلية من خلال القروض النقدية الطارئة.

تقدم مؤسسة فاتن سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة القروض غير السكنية والتي تم تصميمها لمعالجة قضايا الصحة، وتغير المناخ، والاحتياجات الاجتماعية المختلفة. وتشمل هذه القروض التعليم العالي، الألواح الشمسية لأصحاب المنازل، الفلاتر لتنقية المياه، النساء والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يرغبون في البدء بمشاريعهم. وعلى سبيل المثال:

• في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014، حصلت إمرأة متزوجة من خان يونس، في قطاع غزة، على قرض صديق للبيئة بقيمة 1500 دولار لشراء لوازم لتوسيع ورشة لاصلاح الدراجات الهوائية تمتلكها مع زوجها.

• في أكتوبر/تشرين الأول عام 2014، حصل إحدى سكان غزة البالغ من العمر 22 عاما على قرض بمقدار1000 دولار لشراء ألواح شمسية وخزان لتسخين المياه لعائلته. بعد الحصول على القرض، أصبح هذا العميل يستخدم الطاقة النظيفة ويقلل أيضا من نفقات الكهرباء الشهرية.

• في فبراير/شباط عام 2015، حصلت امرأة على قرض لإعادة بناء كشك للطعام تمتلكه في خان يونس بقطاع غزة.

• في فبراير/شباط عام 2015، حصل صاحب متجر لمستحضرات التجميل على تمويل مرابحة بقيمة 1200 دولار من أجل شراء نظام محاسبي لمتجره.

كما أدخلت مؤسسة فاتن أنواعاً جديدة من القروض لخلق فرص انتشار أوسع من خلال حلول خاصة للمخاوف الصحية والسلامة العامة الحالية مع الاستمرار بالتعامل مع الانخفاض الحاد في القدرة على السداد خلال هذه الفترة الصعبة. وتقدر سلطة المياه الفلسطينية أن ما بين 5 و10٪ فقط من المياه في قطاع غزة مناسبة للاستهلاك، وهي مشكلة تفاقمت خلال الصيف الماضي، عندما تعرضت البنية التحتية للمياه والصرف الصحي لأضرار بالغة بسبب العدوان. وقد وضعت فاتن من خلال شراكتها مع كيفا للتمويل الأصغر الجماعي عبر الإنترنت (Kiva Microfunds) ومقرها الولايات المتحدة، قرضا لتنقية المياه لمعالجة المخاوف الصحية المتزايدة للأسر لإنتاج مياه نظيفة بشكل مستقل. وكثير من هذه العائلات لا تزال تتلقى التبرعات عبر الإنترنت.

ولبناء التوقعات المستقبلية الإيجابية لعام 2015، تعتزم فاتن إضافة فرعين إضافيين في غزة للخمسة فروع القائمة لها، بما في ذلك فرع تم إعادة بنائه مؤخرا في وسط قطاع غزة، وتوفير فرص العمل المحلية ونمو المحفظة، وإعادة هيكلة القروض وتوفير الخدمات النفسية للمقترضين. مع 15 عاما خبرة، ومحفظة قروض تقارب 60 مليون دولار، وفريق عمل قوي لإدارة المخاطر، نحن في فاتن نتطلع الى الأمور بنظرة طويلة الأمد، فعند النظر الى صعوبة توفير الدعم لإنعاش الاقتصاد في القطاع الخاص، حتى في أوقات السلم، نتطلع الى ما وصلت اليه فاتن من نجاح واستدامة للمضي قدما.

في نهاية المطاف، جهودنا هي أكبر من محفظة فاتن الاستثمارية، والتي تتمحور حول إعادة إنعاش غزة، هذا الشريط الضيق من الأرض الذي تحمل الكثير من العناء.