الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حول قرار مجلس الأمن رقم 2334 والموقف المطلوب

نشر بتاريخ: 28/12/2016 ( آخر تحديث: 28/12/2016 الساعة: 16:14 )

الكاتب: نايف جراد

بعد صدور قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2334 لعام 2016 بشأن إدانة الاستيطان الإسرائيلي، لفت انتباهي تقليل البعض من أهمية القرار، بل واعتباره خطيرا وقد وضع السم في الدسم، داعيا للتريث والقراءة المتمعنة للنص، متسلحا بأن هنالك قرارات سابقة لمجلس الأمن أهم وأقوى من هذا القرار؛ وأتبع هذا الموقف بتشكيك بالسياسة بالفلسطينية لمتابعة تنفيذ القرار والرد على الإجراءات الإسرائيلية المحتملة.

من المفيد التذكير بداية، أن شعبنا عانى سابقا الأمرين من الشرعية الدولية، التي أجحفت بحقه تاريخيا، بسب إصدارها لقرار تقسيم فلسطين وقبول عضوية دولة إسرائيل في الأمم المتحدة وعدم قيام الدولة العربية الفلسطينية وعدم مساءلة إسرائيل رغم عدم التزامها بشروط عضويتها في الأمم المتحدة تلك، وبغيرها من القرارات والالتزامات التي أقرتها الشرعية الدولية ويفرضها القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. لهذا السبب توجس الفلسطينيون من "الشرعية الدولية". ولا زالت بقايا هذه التوجسات قائمة إلى يومنا هذا. وقد شهدت الشرعية الدولية تحولا لصالح فلسطين في سبعينيات القرن الماضي، وأصدرت المنظمة الدولية منذ عام 1974عديد القرارات على مستوى الجمعية العامة ومجلس الأمن لصالح فلسطين، أكدت الحقوق المشروعة الثابتة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني( الحق في تقرير المصير وحق الاستقلال والسيادة الوطنيين وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم) كما جاءت نصا واضحا في القرار 3236 لعام 1974.

نعم إن القرار الجديد لمجلس الأمن رقم 2334 لسنة 2016، ليس هو الأول من نوعه، وقد سبقته قرارات عدة اعتبرت الاستيطان غير شرعي وباطل قانونا في كل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس ويجب تفكيكه ومحاسبة إسرائيل على عدم الالتزام بالقرارات الدولية والقانون الدولي، ومنها القراران 446 و452 لعام 1979، والقرارات 465 و476 و478 لعام 1980، والقرار 605 لعام 1987.وقد سبقها القراران 242 لعام 1967 و338 لعام 1973، اللذان دعيا لانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلت في حرب عام 1967. لكن الاعتماد على وجود هذه القرارات سابقا للتقليل من أهمية القرار الأخير، خاطئ ومضلل. فللقرارات السابقة سياقها وظرفها، وقد جاءت في ذروة التحولات الدولية لصالح قضية فلسطين في المنظمة الدولية بفضل نضالات الشعب الفلسطيني وصموده وبفضل تحالفات الثورة الفلسطينية آنذاك. 

وقد جاء القرار الأخير بعد 36 عاما من صدور آخر القرارات بشأن إدانة الاستيطان، وبعد أن وصلت عملية التسوية السياسية إلى مأزق بسبب التعنت الإسرائيلي، وبعد السياسات والإجراءات الإسرائيلية المحمومة التي تسابق الزمن وتستفيد من الوضع العربي المزري، من أجل توسيع الاستيطان وتهويد القدس، وخلق وقائع على الأرض تمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، بما يعني تقويض حل الدولتين الذي أيده المجتمع الدولي. ولعل آخر هذه الإجراءات تمثلت بمحاولات حكومة اليمين المتطرف في دولة الاحتلال " شرعنة المستوطنات" من خلال ما سمي ب" قانون التسوية" الذي تم إقراره بالقراءة الأولى من قبل الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 7 كانون أول الحالي في محاولة لإيجاد حل لبؤرة عمونا الاستيطانية وغيرها من البؤر والمستوطنات المقامة على أملاك خاصة للفلسطينيين، والذي اعتبره اليمين الإسرائيلي المتطرف خطوة نحو السيادة الإسرائيلية في " يهودا والسامرة " فيما اعتبره زعيم اليسار هيرتزوغ " انتحار وطني يؤدي إلى دولة ثنائية القومية"، واعتبرته حركة السلام "حرمان للفلسطينيين من فرصة التوصل إلى حل الدولتين"، واعتبره وزير الخارجية الأمريكي كيري " عراقيل في وجه التوصل إلى حل الدولتين".

في مواجهة هذا الوضع، وفي ظل المأزق الذي وصلت إليه المفاوضات من مدة ليست بقليلة، ومع صعود الرئيس ترامب للبيت الأبيض، والذي عبر هو ومساعدوه في الحملة الانتخابية عن مواقف داعمة للاستيطان ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، كان لا بد من التوجه للمنظمة الدولية وحث المجتمع الدولي على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجل حل الدولتين. وقد سبق ذلك، سياسة فلسطينية واضحة لتفعيل دور المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة لنصرة القضية الفلسطينية في وجه العجرفة الإسرائيلية ومن أجل تعزيز الاعتراف بدولة فلسطين ومحاولة تفعيل آليات الإلزام الدولية لإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ويذكر أن أحد دوافع مؤتمر باريس للسلام الذي قامت عليه فكرة "المبادرة الفرنسية" هو الخوف من أن الاستيطان يدمر مبدأ حل الدولتين، ولا يترك مجالاً لوجود دولة فلسطينية قابلة للحياة، لكن حكومة نتنياهو ورغم أنها أبدت تخوفاً من احتمال أن تقدم إدارة أوباما في أواخر أيامها على تأييد أو غض النظر عن مشروع قرار يدين الاستيطان في مجلس الأمن الدولي، إلا أنها تصرفت بعنجهية مستقوية بمواقف بعض حلفائها العرب وبوجود ترامب في البيت الأبيض.

وصدر القرار 2334 في هذه الظروف الحساسة والحرجة. ولها فإن صدوره وبكل المقاييس والمعايير يعتبر انتصارا تاريخيا لفلسطين وانجازا سياسيا ودبلومسيا فلسطينيا يعتد به، ويستحق أن يسعد الفلسطينيون له ويفرحوا. ولئن كان البعض يحاول أن يقول بأن ما جرى هو " صفقة " تمت في مبنى الخارجية الأمريكية بين وفد الرئيس محمود عباس وجون كيري وسوزان رايس ممثلي الرئيس أوباما الذي جرت أهانته من قبل نتنياهو، فمن الواضح أنها صفقة مربحة لأنها نجحت في تحييد الموقف الأمريكي وإقناع الإدارة الأمريكية بعدم استخدام حق النقض" الفيتو"، وإلا كيف يفسر هؤلاء اعتبار اليمين الإسرائيلي أن القرار يعتبر صفعة لنتنياهو، وهو ما يستحق الثناء لمن عقدوا" الصفقة"، وكيف يفسر هؤلاء أيضا أن كل ما قالوه عن إسقاط القرار لانطباق اتفاقية جنيف لعام 1949 بشأن المدنيين وقت الحرب على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعن مساواة الكفاح الفلسطيني ب" إرهاب المستوطنين"، لا يوجد له أي سند في القرار الصادر، بل أن القرار جاء ليؤكد نصا " على انطباق اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، المؤرخة في 12 آب 1949، على الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، والأراضي العربية الأخرى المحتلة منذ عام 1967، مستذكرا الرأي الاستشاري الصادر في 9 تموز 2004 من قبل محكمة العدل الدولية"، وأنه أدان بوضوح لا يقبل اللبس والتشكيك " جميع التدابير الأخرى الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي وطابع ووضع الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، بما فيها القدس الشرقية، بما يشمل، من جملة أمور، بناء وتوسيع المستوطنات، نقل المستوطنين الإسرائيليين، مصادرة وضم بالأمر الواقع الأرض، هدم المنازل والنقل القسري للمدنيين الفلسطينيين، في انتهاك للقانون الإنساني الدولي والقرارات ذات الصلة"،كما شدد"على الحاجة الملحة لتحقيق، دون تأخير، نهاية للاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967 و سلام عادل وشامل ودائم على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة..."معتبرا أن الاستيطان والاحتلال غير شرعيين في كل الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، ويدعو لوقف جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض المحتلة بما فيها القدس. ومن سياق نص القرار يتضح أن ما يقال عن العنف ضد المدنيين والإرهاب والتحريض والاستفزاز، وإن كان بصيغة عامة، هو موجه للطرف الإسرائيلي المحتل، بدليل دعوته إلى "محاسبة جميع المسؤولين عن ارتكاب كل هذه الممارسات غير القانونية "، وهو ما يمكن أن يستفيد منه الطرف الفلسطيني في ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين لتجريمهم في المحاكم الدولية.وهو ما يجعل من القرار فعلا" تأشيرة مفتوحة نحو محكمة الجنايات الدولية". ولعل امتناع الإدارة الأمريكية " المقفية" عن التصويت ضد القرار، من شأنه أن يحدد سقف التحرك الدولي اللاحق تجاه الاستيطان ويمثل عقبة أمام أي تراجع للإدارة الأمريكية المقبلة عنه.

إن المواقف السياسية لا تبنى بناء على ردود فعل شخصية تجاه هذا المسؤول الفلسطيني أو ذاك، ومهما كان الخلاف حادا، على الجميع أن ينتصر لفلسطين وحقوق شعبنا المشروعة والثابتة، وعلينا جميعا أن نتعلم من الإسرائيليين الذين رغم خلافاتهم وتناقضاتهم يتحدون حول أي انجاز لحكومتهم وحول المصالح العليا.
وكم كنت أتمنى أن أرى نقدا ممن يهاجمون قرار 2335 للسلوك المصري تجاه طرح المشروع على مجلس الأمن، والذي خضع للضغط الإسرائيلي والأمريكي الترامبي، ولكن يبدو أن المصالح الشخصية أيضا عمت هؤلاء عن هذا الموقف المشين لمصر.لكن هذا لا يعني أبدا دعوة لتصعيد الموقف تجاه مصر. فمحبة مصر والشعب المصري لا يراهن عليها لدى الشعب الفلسطيني ولا يشكك بها، فهي راسخة في الوجدان الفلسطيني،ومكانة مصر لا غنى عنها وموقفها مهم وضروري لنا كشعب فلسطيني، وهو ما يجب أن يحرص عليه، لكن ما جرى لا يليق بمصر الشقيقة الكبرى، ويجب أن يقال ذلك واضحا، حتى لا يجرى التمادي لاحقا في الغلط.
ونحمد الله أن الدبلوماسية الفلسطينية قد تحركت سريعا من وحي المصلحة الوطنية العليا مستفيدة من وجود دول في مجلس الأمن تمثل الأغلبية الأخلاقية في العالم، مثلتها" الرباعية الإنسانية : فنزويلا وماليزيا والسنغال ونيوزيلاندا"، التي تبنت مشروع القرار وطرحته سريعا للتصويت، وإلا كنا خسرنا خسارة مثلت ربحا صافيا لإسرائيل.

وبنظرة سريعة على الموقف الإسرائيلي من القرار، يتبين الرفض المطلق له من قبل حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة التي اعتبرته حسب أقوال نتنياهو " "مخجل" و" خسيس وسخيف" و" معادي لإسرائيل". وهدد نتينياهو بمعاقبة كل من يؤيد القرار وأنه سيمنى بخسائر اقتصادية وسياسية. وكانت ردة فعل اليمين المتطرف بمزيد من الإصرار على المضي قدما في الاستيطان وقطع الاتصالات بكبار رجال السلطة الفلسطينية. أما الموقف المعارض للحكومة الإسرائيلية فكان من جانبه واضحا أيضا، حيث قالت زهافا غالؤون زعيمة حزب " ميرتس" أن القرار جاء نتيجة قانون التسوية" موضحة أنه " حين ينتهي الخجل من حكومة إسرائيل، ينفذ صبر العالم". واعتبرت تسيفي لفني أن القرار جاء نتيجة خضوع نتنياهو لليمين المتطرف، ودعت نتنياهو إلى " التنحي والعودة إلى البيت". ولعل هذا جميعه، يشكل انجازا لفلسطين، سواء ما يتعلق منه بانكشاف السياسة الرسمية الإسرائيلية، أو باحتدام الخلافات والتناقضات الداخلية، التي يمكن أن تفضي إلى تغيير داخل دولة الاحتلال. أما على الصعيد العام، فإسرائيل لن تستطيع أن تبقى إلى الأبد فوق القانون الدولي، ولن تستطيع تهديدات نتنياهو أن تردع دول العالم عن اتخاذ موقف يدين الاستيطان، فقد ضاق العالم ذرعا بالعنجهية الصهيونية، وبات على قناعة تزداد رسوخا يوما بعد يوم أنه لابد من وضع حد للسياسة الإسرائيلية التي تتنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني و تقوض قيام دولة فلسطينية مستقلة باعتبار ذلك أساس السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، الذي يؤثر غيابه سلبا على السلم والاستقرار الدوليين، ويشكل ذريعة للتطرف والإرهاب.

صحيح أنه لا يجب أن نبالغ بأثر ومفاعيل القرار 2334، وأن لا نعتبر مجرد صدوره "مرحلة جديدة في الصراع"، لأن الكفاح الوطني الفلسطيني مع الاستيطان والاحتلال طويل الأمد، لكن من الصحيح تماما أن نعتبر ما تم يمثل صفعة قوية للسياسة الإسرائيلية وخسارة صافية لدولة الاحتلال، ولذا فهو انتصار سياسي ودبلوماسي فلسطيني، وانتصار لعدالة القضية الفلسطينية، وخطوة هامة تشير إلى إمكانيات تحول وتطور الموقف الدولي باتجاه دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما يحتاج إلى البناء عليه و تعزيزه، عبر استثمار القرار الأممي والمراكمة عليه باتجاه تفعيل كل آليات الإلزام الدولية التي تجبر دولة الاحتلال على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، على طريق الخلاص التام من الاحتلال وقيام دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس.

ولئن كانت مؤشرات الصراع الإستراتيجية تدل بوضوح إلى أن مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة قد بات مسؤولية دولية أشبه بنموذج استقلال ناميبيا، فقد جاء القرار 2334 ليعزز ذلك من خلال التحول في الموقف الدولي الذي تضمنه وما يمكن أن يفضي إليه، إلا أن هذا المشروع ولكي ينجح لا بد وأن يعتمد على موقف فلسطيني موحد وعلى سياسة وطنية موحدة لإدارة الصراع مع الاحتلال على كافة الجبهات السياسية والدبلوماسية والشعبية، تمكن شعبنا من جعل مشروع الاحتلال خاسرا من جهة، وتشدد العزلة على دولة الاحتلال ومقاطعتها وملاحقتها في كافة المحافل الدولية من جهة أخرى. ولا شك أن حجر الأساس و الرحى على هذا الصعيد هو انجاز المصالحة الفلسطينية وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتحصينه وصولا لإستراتيجية سياسية موحدة لمواجهة الاستيطان وسياسات الاحتلال على كافة الصعد وطنية وإقليميا ودوليا.
"الدعوة إلى اتخاذ خطوات فورية لمنع جميع أعمال العنف ضد المدنيين، بما في ذلك الأعمال الإرهابية، وكذلك جميع أعمال الاستفزاز والتدمير، والدعوة إلى المساءلة في هذا الصدد، والدعوة إلى الامتثال للالتزامات بموجب القانون الدولي لتعزيز الجهود الجارية لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك من خلال التنسيق الأمني القائم والإدانة الواضحة لجميع أعمال الإرهاب.."