وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

أيام عصيبة ( حرب اكتوبر) موشيه دايان كان يبكي وغولدا ميئير فكرت بالانتحار

نشر بتاريخ: 21/10/2005 ( آخر تحديث: 21/10/2005 الساعة: 13:15 )
ترجمة معا - فيما يلي مقتطفات من كتاب "حرب يوم الغفران" لكاتبه ابراهام رابينوفتش والذي نشرته دار " شوكن للكتب" في نيويورك.

الصدمة

لقد كان وزير " الدفاع" الاسرائيلي موشيه دايان مصاباً بصدمة عنيفة نتيجة للهجوم المصري السوري المفاجيء في رمضان 1973 وبدأ بتحذير زملاءه خلال الساعات القليلة التي تلت الهجوم بالقول" بأن الهيكل الثالث في خطر" إن بالامكان ملاحظة الدرجة العميقة من اليأس التي وصل اليها دايان من خلال القصول التالية والتي يتحدث فيها بشكل مفصل الجنرال موسى بيليد في اليوم الثاني من الحرب.

خلال توجهه الى هضبة الجولان، رأى بيليد الوزير دايان بالقرب من "الماغور" يقف الى جانب الطريق وهو يجلس على صخرة متجهاً بانظاره عبر وادي " الحولة" وخلفه مساعدوه، كان من الممكن رؤية الدخان المتصاعد وسماع صوت الانفجارات.

لقد ترعرع بيليد الى جانب دايان في مزارع قرية نحلال، هذه العلاقة الحميمة بينهما هي التي جعلت دايان يتخلى عن حذره وتحفظه ليتحدث مع بيلين عن خوفه على جبل اليهكل، هكذا يتذكر بيليد الآن بعد عقود من الزمن، وضع بيليد يده على كتف الرجل الكبير " دايان" وهو يرى الدموع تترقرق في عينيه وتتسلل الى الوجه وكلما حاول بيلين تشجيعه وحثه على التماسك كلما زاد انتحاب دايان.

دايان كان قد وضع رئيسة الوزراء غولدامئير في صورة الأوضاع وما رأه ولمسه على الجتهتين في الجولان وسيناء خلال زيارته لهما في وقت سابق من ذلك اليوم.

لقد كان تأثير ووقع كلمات دايان على السيدة مئير متوقعاً، فلقد استمعت اليه برعب، ويبدو أن فكرت الانتحار مرت في رأسها في تلك اللحظات،،، مساعدتها لفترة طويلة الآنسة لو كيدار, كانت تجلس الى مكتبها في الغرفة المجاورة, عندما اتصلت السيدة مئير بالهاتف بعد مغادرة دايان , وطلبت منها لقاءها في الممر, لقد تواجد الكثير من الاشخاص في مكتبها في تلك اللحظة , وارادت الانفراد قليلاً، برغم أن السيدة مئير كانت محاطة بارفع المسؤولين السياسيين والعسكريين في البلاد, وكان الجميع تحت تصرفها , الا أنها لم تكن لتستطيع مشاركتهم المشاعر العميقة التي تعتمل في صدرها , لذا لجأت الى صديقة قديمة مخلصة، وعندما دخلت الأنسة كيدار الى الممر, كانت السيدة مئير قد سبقتها اليه، لقد صدمت كيداار من لون مئير الشاحب والممتقع والذي يتسق تماماً مع "الجاكيت" الرمادي الذي كانت ترتديه، وقد بدى اليأس والقنوط باديين تماماً على وجهها، وتتذكر كيدار تماماً كيف كانت تتكأ مئير على الحائط بجانبها وتقول بصوت منخفض, لكن يملاءه الرعب، "أن دايان يتحدث عن الاستسلام".

اذا كان فعلاً دايان يتحدث عن الاستسلام واستعمل هذه الكلمة تحديداً، فمن غير المتخيل أن يكون قد استخدمها ببعدها الحقيقي , لكن ربما تحدث عن استسلام أو تسليم مناطقي , كالانسحاب من خط بارليف على سبيل المثال، لقد عرض أن يستقيل وهذا ما رفضته مئير، وعندما سئلت ماذا سيكون رد فعل دايان إذا ما طلبت الامم المتحدة وقفاً فورياً لاطلاق النار قالت انه سوف يتشبث ويلتقط ذلك.

لقد أرادت مئير أن تبدأ ممارسة الضغط على المولايات المتحدة من أجل دعمها بالاسلحة، هنالك المزيد من الأيام العصيبة لا تزال أمامها، لكن من ناحية نفسية بدأت باستعادة توازنها.

التحشيد

إن فشل القيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية يعود بالدرجة الأولى ليس الى فشل الجنود في ساحة المعركة, اذ إن انهيار الجبهة الجنوبية في مرتفعات الجولان يتناقض تماماً مع العزيمة التي اثبتها الجندي الاسرائيلي والقادة الميدانيين بشكل لافت اكثر من أي معركة في هذه الحرب.

الهجوم الذي قام به السوريون وفشل القيادة الشمالية في عملية التعزيز ونشر القوات بشكل مناسب ضد الاختراقات السورية، على عكس ما حصل في منطقة شمال الجولان حيث كان قائد الفرقة يانوش بن غال وقادة كتائبه يشنون معارك عنيفة منظمة، كان هناك فشل ذريع وفقدان للسيطرة في الجزء الجنوبي الا أن المدافعين الذين ظلوا على قيد الحياة لم يتراجعوا، فلقد قاتلوا بشراسة وتماسك في مجموعات صغيرة، معزولة، وبدون توجيه من قياداتهم العليا، لكن بعزيمة واصرار, الخيارات كانت محدودة, إما أن تستسلم للصدمة أو أن تتحول الى نمر مفترس" هكذا قال قائد فصيلة دبابات فيما بعد، " لقد بدى واضحاً منذ الساعة الأولى للحرب أن الأمر أصبح مرهوناً بقادة السرايا والفصائل ، لقد كان اندفاع" الادرينالين" في العروق ضخماً، فلم تعد أوامر القادة في المؤخرة ذات أهمية تذكر، لقد كنا وحيدين، وكان لا بد لنا من أتخاذ ما نراه القرار الانسب.

برغم ما كان من حالات متناثرة هنا وهناك ممن أصيبوا بالصدمة إلا أن أطقم الدبابات والجنود الرماة في المواقع المتقدمة من الجبهة تصرفوا بشكل رائع، وقد حدوا من الاندفاع السوري وسددوا لهم ضربات قوية وألحقوا بهم خسائر فادحة.

خلال القتال الشديد، وصلت القيادة في الشمال الى مدى المدفعية باتجاه أطراف دمشق. وفي الليلة التالية،" قائد المدفعية، العقيد الدو زوهر" تلقى الأوامر لضرب أهدافاً بعينها في مدينة دمشق، وللوصول الى مدى النيران، فلقد دخل زوهرالى " ليجا" "منطقة صخرية"، وقام فريق استطلاعي بقيادة يوني نتانياهو بكشف الطريق والاتجاه الى الهدف المحدد، وتم تعيين خمسة مواقع حكومية وعسكرية كأهداف , الا أن زوهر استبعد واحدا منها لقربها من الحي اليهودي في المدينة،، وفي اللحظة التي كان يجب أن يتم فيها اطلاق النار باتجاه الأهداف المحددة، صدرت الاوامر الى زوهر بالتخلي عن المهمة، لقد كان القرار على أعلى مستوى سياسي وتحديداً غولدا مئير والتي اعتقدت سواء كان ذلك خوفاً من ردة فعل الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت او من ردة قعل السوريين وصواريخهم التي قد تضرب المدن الاسرائلية .

تقييم وافتراضات
إن الجنرال الذي خرج بأكبر قدر من الشهرة في هذه الحرب هو ارئيل شارون برغم الاسباب الخاطئة، لقد قاد عبور القناة باتجاه الغرب ولكنه لم يكن وكما هو متعارف عليه بشكل واسع، الرجل الذي ابتدأ ذلك، جدارة شارون تكمن في نطاق أقل بروزاً، فقد كان أحد القادة القلائل الذين لم يركبهم الهجوم المفاجيء، وهو بذلك لم يفقد ولو للحظة, الغريزة المغامرة التي يتمتع بها كما كان بمقدوره أن يستنهض الروح القتالية في جنوده في لحظة من القنوط واليأس.

لقد كان العبور الأول من قبل " الجنرال أفراهام" أدان، آدان " هو فعليا منسي من قبل العامة الآن", بحركة ومناورة بارعة استطاع عبور القناة بقوات مدرعة، وقد أدت إندفاعة آدان الى الغاء الاتفاق الأول حول وقف اطلاق النار, وذلك من أجل إكمال الالتفاف حول الجيش المصري الثالث, وهذا ما أدى بشكل أساسي الى تغيير مجرى النتائج في هذه الحرب .

" برغم حالة الانهيار التي عانى منها دايان في بداية الحرب" إلا أنه كان القائد الأكثر بصيرة، مقدرته على دمج الاعتبارات السياسية والعسكرية وقدرته على التفكير ببراعة كانت مشابهة الى حد كبير طريقة تفكير الرئيس المصري أنور السادات, و اذا كانت حرب حزيران 1967 قد أرضت غرور دايان بالاحساس بالقوة الاسرائيلية والضعف العربي، فان حرب اكتوبر عام 1973 جعلته مصمماً على البحث عن طريق السلام مع العرب .

رئيس هيئة الاركان الجنرال ديفد اليعازر يقول: بهذا، وفي اكثر اللحظات خطورة في تاريخ اسرائيل، الجهد لتجنب كارثة وطنية يتوقف على الاجراءات الدقيقة والثبات, والقرار الذي قد يتخذه شخص واحد، فكل الاشياء مرتبطة به، الاندفاع في أرض المعركة والانهيار المفاجيء للمباديء العسكرية التي اعتمد عليها الأمن الاسرائيلي، الافتراض ايضاً للاحتمال المرعب بالابادة والذي تم الاحساس به هكذا بشكل مفاجيء، جدارة وتميز ديفيد اليعازر في التاريخ العسكري أنه لم يفقده إتزانه.

عن جريدة جروزاليم بوست
للكاتب ابراهام رابينوفيتش