وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

رسالة من جندي شارك في معارك الفلوجة: لم تكن حرباً، لقد كانت مذبحة

نشر بتاريخ: 21/10/2005 ( آخر تحديث: 21/10/2005 الساعة: 13:16 )
ترجمة معا- فيما يلي الرسالة التي أرسلها أحد الجنود الاميركيين الموجودين في العراق، والذي عرف نفسه " هيكلي" حيث يصور بقوة، الارهاب الذي مارسه الجيش الاميركي في حربه على الفلوجة، وقد نشرت الرسالة على موقع للأنترنت يهتم بأخبار الجنود الاميركيين الموجودين في العراق وكذلك عائلاتهم، يشار الى أن "هيكلي" وبعض رفاقه قاموا باستحداث موقع خاص بهم للحديث عما يحدث في العراق.

تقول الرسالة

إنها أيام عصيبة وسيئة على الجنود الاميركيين في العراق، فحيث يبدو انما اتجهت يقتل المزيد والمزيد من الجنود وتبتر أطرافهم في المواجهات العنيفة مع مقاتلين من "المتمردين " الثائرين وعاقدي العزم على القتال.

إن "التمرد" يتراكم بشكل لا يصدق في أماكن كثيرة مثل بغداد، الموصل، وبعقوبة، حيث يتم استخدام الاساليب الأكثر حداثة وتقدماً من قبل المقاومين كذلك بالنسبة للأسلحة، وهذا كله يترافق مع حملة من حرب العصابات عالية التنظيم،، حتى في المدينة التي تم تدميرها بشكل كبير" الفلوجة" فقد عادت قوات "التمرد" للظهور مجدداً لكن بتصميم وعزيمة صلبة في محاولات للانتصار أو الموت.

الكثير من النقاد والمحللين السياسيين بدأوا يدركون أن هذا الحرب، ومن وجهات عدة حرب غير ممكن الفوز بها، لكن لماذا على أي شخص أن يعتقد أن نصراً كاملاً يمكن تحقيقه؟؟

من الناحية التقليدية، فان الجيش الاميركي يسيطر على منطقة هنا ومنطقة هناك، ويقتل المزيد من المدنيين وكذلك "المتمردين"

في كل مرة يسيطر فيها على منطقة جديدة، وهذا ما ينطبق على الفلوجة، لكن وكما هي كل مرة، فان المقاتلين الثائرين يعودون مثل اسراب " الدبابير" "الزنابير" الغاضبة، يهاجمون بقوة وحشية كما المسعورين.

لقد كنت في الفلوجة خلال اليومين الاخيرين من الهجوم النهائي عليها، وقد كانت مهمة مختلفة عن تلك المنوطة بكتائب المشاة المرهقة والمنهوكة أو المارينز المتوطين في القتال الرئيسي، فلقد كنت في مهمة مرافقة مع مجموعة من الجنود وعملنا ينحصر في توفير الحماية لشخصية عالية المستوى في منطقة القتال.

هذا الضابط المتعجرف تحديداً ذهب الى هذه المعركة الاخيرة بنفس الروحية التي يذهب فيها مشاهدي كرة القدم لمشاهدة الجزء الاخير من المباراة وبدون أدنى إهتمام أو شعور بالمبالاة.

في اللحظة التي دخلنا فيها الى معسكر المارينز، وبمجرد رؤيته للمدافع وهي تقصف المدينة، أصاب الرجل نوع من الهوس "والاستقتال" ليأخذ دوراً في المعركة التي قد تحول الفلوجة الى رماد، لقد أراد أن يبدو وكأنه الأكثر صلابة وقسوة بين هؤلاء " الكاوبوي"على ضفاف الفرات.

إن الاشخاص أمثال هذا إنما هم قلائل، قد يكون عددهم بالعشرات في الجيش، إن الجندي المحترف الذي أمضى 20 عاماً من الخدمة وهو يراقب سور برلين أو يساهم في حراسة الحدود بين الكوريتين، أن هذا النوع من الضباط الكبار قد يكون مخظوظاً اذا خدم في حرب الخليج عام 1993 لكن وبكل واقعية وبشكل حقيقي هو لم يمارس سوى القليل والقليل جداً من إطلاق النار, بالنسبة لمثل هؤلاء فان العقدين الأخيرين من الحرب الباردة شكلت شعوراً فارغاً بهوس الحرب، إلا أن هذا الشعور انتهى تماماً مع مجيء ادارة كلينتون الى البيت الأبيض.

لكن هذه هي الحرب الجديدة، اللامنتهية ، وتم استبدال الخطر الأحمر والذي مثلت فيه الشيوعية في السنوات الخوالي الخطر الأكبر، تم استبداله هكذا ببساطة بالحرب على الإرهاب.

على أي حال، وعند وصولنا الى الخطوط الأمامية كان هناك اجراءات من الأمن لا بد من اتباعها وتشير الى أن الوضع في المدينة يميل الى الاستنفار الشديد وأن الحد الأدنى لاستعمال السيارات هو استعمال دبابة برادلي المدرعة في حالة الحركة.

وبعد ان جال ضابطنا هذا بنظره، ووقع على سيارات الهمفي المدرعة، أصر على أننا في وضع جيد وأن بالامكان استعمالها، وبرغم أن الهمفي المدرعة سيارة قوية ومتينة، وبامكانها الصمود بوجه الاسلحة المضادة الخفيفة الا أنها لا يمكن أن تصمد أمام الصواريخ الهجومية أو العبوات الجانبية على الطرق، وقد أشارت التقارير من خط المواجهة الى الكثير من الهجمات بالصواريخ المضادة والى وجود المتمردين في كل زاوية وشارع ينتظرون الأهداف " الناعمة" مثل الهمفي والشاحنات.

في نهاية المطاف تم الطلب من القائد الهمام أن لا يدخل الى المنطقة بثلاث من الشاحنات فقط لأن هذا يعني رغبة بالموت في مثل تلك اللحظات المحفوفة بالكثير من الخطر، وتم الاقتراح على أن يقوم بجولة صباحية للاطلاع على " حجم التدمير" بعد أن تكون الغارات الجوية الليلية قد انتهت.

الحقيقة، أنه حتى بعد أن غربت الشمس خلف الأفق فان صوت المدافع كان لا يزال يسمع خلال قصف أل 12% من مساحة الفوجة الباقية من دون دمار.

لقد تم سحب العديد من الوحدات العسكرية في المساء وذلك استعداداً لقصف جوي كلي للمدينة على مدار 12 ساعة متواصلة.
جلس فصيلنا على ظهر سيارات الهمفي المتوقفة يراقب طاقم الرشاشات ويمسح المنطقة "بالمناظير الليلية" خشية من أي أنشطة قد يقوم بها العدو، هذه المنطقة كان من المفترض أن تكون منطقة آمنة وهي تقع على الجهة اليمنى من منطقة المواجهة، وعلى أي حال فقد كنا في منطقة غير محاطة بالاسلاك الشائكة مع بعض الدبابات المتناثرة والمستخدمة كنوع من الساتر لحمايتنا، وقد كان كل منا يفترض أنه في حالة السهو عن أي شيء مهما كان صغيراً خلال عملية الحراسة فان النتيجة قد تكون كارثية.

لقد أخبرني أحد الجنود أنه وقبل ليلتين فقط تم رصد أحد " المتمردين" وهو يحاول التسلل من خلال البيوت المدمرةالى هذا الموقع وقد كان متسلحاً ب آر بي جي وقد رصدته إحدى الدبابات فاطلقت عليه قذيفة مزقته الى قطع متناثرة.

وبرغم أن الواحد منا كان يشعر نسبياً بالاسترخاء وتدخين واحدة من السجائرإلا أن الشعور بالحذر مما هو حولنا لم يفارقنا ابداً.

وبعد أن حل الظلام واستمرت المدافع باطلاقاتها، جاء صوت زئير مرعب من السماء، فقد ظهرت المقاتلات وبدأت بقصفها الكثيف المرعب، وما بين القصف الجوي المهلك، والقصف المدفعي المكثف كنا نلاحظ السماء وكأنها تشتعل لدقائق طويلة.

فأولاً يمكن مشاهدة لهباً كبيراً في الأفق يشبه البرق عندما يضرب مخزناً مليئاً بالديناميت وبعدئذ تسمع صوت انفجار ضخم يقلب الأمعاء، ويبعث الكثير من الضيق في العينين ينبعث داخل الرئتين في شعور لا يمكن وصفه، وبرغم أن هذا القصف كان يحدث على بعد لا يقل عن خمسة كيلومترات من موقعنا إلا أننا كنا نشعر أنه يقع هنا أمام عيوننا بالضبط وعلى بعد أمتار قليلة فقط ،، في البداية، كان من المستحيل أن لا نجفل مع كل انفجار مفاجيء، لكن وبعد مقدار لا يحصى من الانفجارات المكثفة، يصاب الاحساس بالتبلد وتصبح الأمور كأنها طبيعية.

يتبع.......