وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

زمن أوّل حوّل..بقلم :خالد منصور

نشر بتاريخ: 19/11/2005 ( آخر تحديث: 19/11/2005 الساعة: 16:34 )


تواجه الحركة الوطنية الفلسطينية هذا العام تحديا مصيريا لم تواجهه من قبل، وهو تحدّ إجباري يتمثل بضرورة السعي للحصول على الشرعية المجتمعية ( الجماهيرية ) عبر صناديق الاقتراع، بدلا من الارتكان إلى الشرعية الثورية، والتاريخية التي ظلت تلك التنظيمات تستند إليها وتتكئ عليها لعقود طويلة من الزمن.. تلك الشرعية التي لم تعد اليوم كافية في نظر الجماهير، كي تسمح لتلك التنظيمات بالاستمرار بالتّربّع على عرش القيادة، دون أن تقدم لها( أي للجماهير ) ما يؤمّن لها حاجاتها الأساسية، ويساهم في التخفيف من أعبائها ( وهذا في غياب إنجاز وطني ملموس )، وسيكون لصناديق الاقتراع الدور الحاسم في إعادة بناء الخارطة السياسية للهيئات القيادية الفلسطينية، وأولها الهيئات القيادية لمنظمة التحرير، إذ أن الهيئات القيادية القادمة ستكون فقط إفرازا للعملية الانتخابية، وسيتعذر على أي قوة سياسية تعجز عن الوصول إلى المجلس التشريعي القادم، أن تحافظ على تمثيلها في هيئات اتخاذ القرار، ولن يكون بعد ذلك مبررا للحديث أو المناداة بقيادة وطنية موحدة، ما دامت الهيئات الجديدة ستكون هيئات منتخبة.

ورغم أن التاريخ النضالي لكل فصائل العمل الوطني ،والإسلامي لا يمكن مسحه بجرة قلم، أو القفز من فوقه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تضحيات تلك التنظيمات، ستبقى رصيدا محترما لن يمحى بسهولة من ذاكرة الجماهير - إلا انه يجب أيضا رؤية استنزاف تلك التنظيمات لذلك الرصيد بسرعة كبيرة، حتى وصل البعض منها إلى حافّة الإفلاس، بحيث لم يعد يجدي لذلك البعض، التغنّي بماضيه، والبناء عليه، لكسب ودّ واحترام الجماهير.

ومع تغيّر طابع المرحلة من كونها مرحلة تحرر وطني، إلى مرحلة تحرر وبناء وطني، ومع الانتقال التدريجي من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، ومن مرحلة العمل السري التام، إلى مرحلة العمل العلني التام وشبه التام، تغيرت قواعد اللعبة السياسية.. وأصبحت عملية كسب الجماهير أمرا ليس باليسير تحقيقه.

فقد ولى الزمن الذي كان يكفي لأي تنظيم فلسطيني، أن يقوم بإرسال مجموعة مسلحة لتنفيذ عملية عسكرية ضد العدو الصهيوني،سواء نجحت تلك العملية أم فشلت ، كي يحصد من ورائها التأييد والتعاطف، وولّى الزمن الذي كانت الجماهير تنجذب فيه لهذا التنظيم أو ذاك، لتهتف له وتلتف حوله، لكونه يرفع شعارات ثورية أكثر تطرفا أو تشددا، أو لأنه يمتلك جناحا عسكريا،كبيرا كان أم صغيرا، ويسيّر في الشوارع عددا اكبر من الرجال الملثمين، المدججين بالأسلحة البيضاء والنارية، وتلك المجسمات للأسلحة الثقيلة والفتاكة،أو لكونه قادرا على تسمية مئات أو آلاف الشهداء أو الأسرى، الذين يقول صادقا(أو يزعم ) بأنهم كانوا من أعضائه، أو استشهدوا أو اعتقلوا وهم تحت لوائه، وأصبح لزاما على كل طامح للاعتراف به قائدا للجماهير، أن يعمل بجد واجتهاد لكسب رضا الجماهير، وجعلها تترجم هذا الرضا بأصوات انتخابية، تنزل في صناديق الاقتراع.

لقد آن الأوان لتفهم القوى السياسية الفلسطينية، أن الزمان قد تغير، وان تصدّق ما جاء في المقولة الشعبية (( زمن أوّل حوّل )).