وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حربها ضد الارهاب.. مس خطير بحقوق الانسان أمريكا وحطام الحلم - غابي غولدمن

نشر بتاريخ: 22/12/2008 ( آخر تحديث: 22/12/2008 الساعة: 11:34 )
ابتداء من اللغات الرسمية الست للامم المتحدة ـ الانكليزية، والروسية، والفرنسية، والاسبانية، والصينية والعربية ـ التي يتكلم بها المليارات، وانتهاء بلغة البيبيل التي يتحدث بها نحو خمسين شخصا في منطقة الحدود بين السلفادور والهندوراس ـ حظيت هذه الوثيقة بالعدد الاكبر من الترجمات في العالم: امس قبل ستين سنة بالضبط، صادقت الجمعية العمومية للامم المتحدة على اعلان حقوق الانسان العالمي، الذي يضمن الاشكال المختلفة للحرية و 'الكرامة والمساواة للجميع'.
'شعرت بوضوح بأني اشارك في حدث تاريخي يتحقق فيه اجماع حول القيمة العليا للانسان، يعود مصدرها ليس لقرار من مجلس عالمي ما، بل انطلاقا من مجرد الوجود'، كتب في وقت لاحق هيرنان سانتا- كروز من تشيلي، عضو اللجنة التي صاغت الميثاق. بعد ست عقود من ذلك لم يتبقَّ تقريبا أي شيء من هذا السمو الروحي. الشعور الابرز في محادثات الاروقة مع اعضاء مجلس حقوق الانسان للامم المتحدة هو الشعور بالاحباط من الدرك الاسفل الذي تدهور اليه ما كان ذات مرة المثال المنشود.
احد لا يوهم نفسه بانه كان ممكنا خلق عالم كامل، حتى في لحظة الصفاء بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن ما ينقص اليوم هو أساسا الخجل. ذات مرة، من لم يفِ بمقاييس الحفاظ على حرية الفرد وسلامته، كان على الاقل يتظاهر بالخجل. اما اليوم فحتى هذا لا يكلفون انفسهم عبئه. ذات مرة منع حاكم في دولة افريقية دخول رجال منظمات الاغاثة الدولية الى بلاده بمعاذير مختلفة ـ اما اليوم فان رجاله حتى لا يرمشون حين يطرقون الباب بفظاظة في وجه من يسعى للاغاثة ويضيفون: كفوا عن انتقادنا على ما يجري عندنا في الداخل.
ذات مرة كانت امريكا هي حارسة الاخلاق العالمية بتكليف من ذاتها ـ وان كانت اخلاقيات غربية ولكنها بالاجمال اخلاقيات ـ ورئيسها كان بوسعه أن يقرر قصف سراييفو على مدى اشهر لمنع قتل شعب. اما اليوم فان 'زعيمة العالم الحر' هي الذريعة التي تلوح بها كل دولة تخرق حقوق الانسان. اذا كان مسموحا لامريكا، يقول كل طاغية يدوس حقوق مواطنيه، فنحن ايضا مسموح لنا، جميعاً.
جذر الشر يكمن في معظمه في عمليات 11 ايلول (سبتمبر) 2001، ولكن ليس اقل من ذلك يسجل في طالح ادارة بوش. اليوم لم تعد هذه 'امريكا' تمثال الحرية على جزيرة هادئة قرب منهاتن، بل الولايات المتحدة التي تحتجز على جزيرة اخرى، في قاعة غوانتانامو في كوبا بسجناء مجهولين في سجن منقطع عن العالم، يجعل الرؤيا الاخروية لجورج اورويل اسطورة اطفال باسم الحرب ضد الارهاب، المبدأ الجديد، المقدس.
باسم هذه الحرب ضد الارهاب فقدت امريكا ليس فقط الصلاحية الاخلاقية لديها في نظر العالم بل وايضا ادت الى مس خطير بمنظومة الاخلاق العالمية. وستستغرق سنوات لجمع الحطام الذي تناثر في كل صوب في الطريق الذي جربت واشنطن من خلاله ضرب الارهاب، واحتلال العراق واظهار عدم الاكتراث والاستخفاف تجاه القيم التي مثلتها ذات مرة.
صحيح، من انتخاب باراك اوباما الى البيت الابيض برزت اجواء اخرى. مع شخص اسود كزعيم للعالم الحر تتخذ امريكا صورة اخرى ولكن حتى هو اعترف في خطاب النصر في شيكاغو بأن الاصلاح سيستغرق زمنا. ربما أكثر من سنة، وربما اكثر من ولاية.
مع السنين اصبح اعلان حقوق الانسان الاساس الاخلاقي الذي تقوم عليه قوانين حقوق الانسان الدولية والى معيار متفق عليه في اسرة الشعوب. ولكن هل هو ذو صلة اليوم اكثر مما كان في الماضي، مثلما يعتقدون في الامم المتحدة؟ ربما كإعلان علني واحتفالي في الذكرى الستين للميثاق، ولكن في أرجاء العالم، بعيدا عن أروقة المنظمة الدولية الواقع مغاير، بشع. هذا يوم ميلاد حزين لحقوق الانسان.
معاريف