وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لقد بدأ موسم الكلام/ بقلم: يحيى رباح

نشر بتاريخ: 04/01/2006 ( آخر تحديث: 04/01/2006 الساعة: 17:03 )
التعامل الفلسطيني الرسمي والفصائلي والشعبي مع الانتخابات المقررة في الخامس والعشرين من هذا الشهر، يشبه إلى حد بعيد الوصية الإسلامية المشهورة:( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)، والسبب أن عوامل إجراء الانتخابات "العرس الانتخابي" قائمة على قدم وساق وفي نفس الطريق مع العوامل المانعة لإجراء الانتخابات "القدس، العدوان الإسرائيلي المتزايد، والحواجز التي تتكاثر كالجدري، والانفلات الأمني الذي يشبه بئرا ليس لها قرار!".

وقد سألت أحد المقربين إن كانت هناك تباشير لتخفيف العوامل المانعة على الأقل، حيث من المستحيل القضاء عليها في المدى المنظور؟

فأجابني بهدوء أعصاب حسدته عليه، يمكن، لماذا لا؟

وحين سألته هل هناك حراك داخلي على الأقل في ضبط المسائل المتعلقة بنا؟

أجابني مرة أخرى وبراءة الأطفال في عينيه: ما زال هناك متسع من الوقت!

وبطبيعة الحال فأنا لست من أصحاب القرار، ولست مكلفاً بالاتصال بأية جهة إقليمية ودولية، وربما تكون هناك عوامل إيجابية متراكمة وأنا لا أعرف، ولكن في نفس الوقت، فإننا نعيش في أرض صغيرة، ووسط شعب صغير، ولو كانت هناك نار لكان هناك دخان بكل تأكيد!
ونحن في هذا المكان الضيق مثل قطاع غزة معزولاً عن الضفة الغربية، فإن المعرفة لدينا إجبارية، نحن نعرف رغم أنوفنا، حتى لو أردنا عدم المعرفة فسوف نعرف، انهم حتى في رفح في هزيع الليل الأخير يسمعون دوي قذائف المدفعية وصواريخ الزوارق البحرية، وقنابل الدبابات الإسرائيلية وهي تدك شمال قطاع غزة!

ونحن في كل مناطق القطاع نعرف آليات وأشكال وآثار الانفلات الأمني من الحواجز التي تغلق الطرق، وإطارات الكاوتشوك المحترقة في الميادين، وصوت الرصاص الذي يلعلع فيصيب المارة عن بعد كما حدث مع الطفل ابن الرابعة عشرة من آل مشتهى، ومثل تفجير نادي الأمم المتحدة في مدينة غزة بأيدي جماعة أهل السنة الذين لا ينافسهم أحد، حيث لا يوجد في قطاع غزة شيعي واحد، ولا حتى في الضفة أو القدس!

بل لقد اختار أحد الخاطفين الجدد ـ على وزن القادمين الجدد ـ أن يخطف الرهائن الأجانب في شارع جلال في وسط مدينة خان يونس البطلة، وفي أقصى أوقات الزحام، لأن الهدف من الخطف هو الصيت والسمعة وليس أي شيء آخر، ولدينا مثل شعبي فلسطيني يقول:"صيت الغنى ولا صيت الفقر"، ولا يوجد أحد أفضل من أحد، وكل أمير وله مريدوه، وكل مملوك وله غلمانه!

وسبحان رب العباد الذي جعلنا نرى على صعيد الفلتان الأمني ما لم يره أحد في بلاد العجائب في رحلات السندباد!

أما على صعيد القدس فللقدس رب يحميها، وليس هناك أصدق من المقدسيين أنفسهم، ونوابهم في البرلمان، وقياداتهم السياسية والاجتماعية والثقافية، وهؤلاء عبروا عن الخطر المحدق بتقديم انسحاباتهم الجماعية!

صحيح أن تلك الانسحابات لم ترض بعض العناتر من منفوخي الأوداج، ولكن الكل حر فيما يرى وفيما يعتقد في نفسه، فهذه هي الديمقراطية على الطريقة الفلسطينية، ديمقراطية فيها واحد+واحد يساوي اثنان، ويساوي ألفا في نفس اللحظة، وإذا قلت هذا خطأ، هذا مستحيل، يتهموك على الفور بأنك إما ضد الانتخابات أو ضد المقاومة أو ضد الاثنتين معاً!

وعلى العموم الدعاية الانتخابية بدأت، وقال لي أحد الأذكياء الظرفاء، خلي الشعب يستفيد من هذه الفترة المشمشية، فاليافطات والملصقات واللوحات والإعلانات المتلفزة تكلف أموالا كثيرة، والمناسف تكلف أموالاً طائلة، لدرجة أنني سألت اليوم عن ثمن "قروانة" القدرة "رز مع لحم البقر" كم تكلف، فقيل لي إن "القروانة" التي تكفي لإشباع شخصين غير نهمين، تكلف ستة وثلاثين شيقلا!

لا أعرف إذا كانت الأسعار في الضفة أغلى... إن فترة الدعاية الانتخابية محدودة، ولكن ستنفق فيها أموال طائلة، فللجائع أن يأكل، وللمفلس أن يحصل على بعض النقود، ولحامل التليفون الجوال أن يحصل على بطاقة تمكنه من الاتصال، وسوف تحجز كل السيارات الصفراء، وتشترى الكثير من الأقمشة التي تصنع منها الأعلام المتعددة الألوان، وسوف، وسوف، المهم أن هذه النقود في الحملات الانتخابية ستتحول إلى دماء تجري في عروق الجميع، أما الكلام، فهو يدخل من الأذن اليمنى ليخرج من الأذن اليسرى، لأنه كلام معاد، ومكرر، ولا تسنده حقائق موضوعية.

انتبهوا فالحملة الانتخابية بدأت لقد بدأ موسم الكلام.