وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

د.غازي حمد يخص معا بمقالة- كيف نصنع نصرا حقيقيا على إسرائيل؟

نشر بتاريخ: 01/07/2009 ( آخر تحديث: 01/07/2009 الساعة: 15:52 )
كيف نصنع نصرا حقيقيا على إسرائيل ؟
من المهم دائما أن نسمي الأشياء بمسمياتها !! حتى لا نقع أسرى الشعارات الكبيرة أو ضحايا الحقائق الموهومة , وحتى لا نصاب بصدمة الواقع !!
نحن نريد فعلا أن نحقق نصرا على إسرائيل ..نريد أن نهزم هذا الاحتلال البغيض ونراه يتراجع وينحصر وينحسر ثم يندثر !!
لكن نريد للحقائق والأرقام والوقائع أن تتكلم عن نفسها ,لا نريد للعواطف والمشاعر الجياشة والشعارات الكبيرة أن تزاحم أو تدحر الحقائق لتحل مكانها وتسرق قدرتها على الإقناع وتغيير الواقع المؤلم ..
العواطف والانفعالات والشعارات والأصوات الهدارة والمهرجانات لا يمكن أن تصنع نصرا حقيقيا ,بل تصنع نصرا موهوما...
ذلك أن إسرائيل ليست بالدولة الهينة ,فهي تملك من المقومات المادية والاستخبارية والدعم الدولي ما يمكنها من مواجهة كثير من التحديات, لذا فان مواجهتها تستلزم جهدا كبيرا وتخطيطا دقيقا وعملا دءوبا يرتقي الى مستوى خطورتها ,وليس بالعمل العفوي أو ردود الأفعال ,إذ أن هذا المنحى يعطي إسرائيل تفوقا في كثير من ساحات الصراع العسكري والسياسي .
وواضح ان إسرائيل – منذ ان نشأت- تعمل بإستراتيجية ثابتة (لا تتعارض فيها الأحزاب السياسية على اختلاف مشاربها ) ,فيما نعمل نحن بإستراتيجية حزبية , الأصل فيها التناقض والتناحر لا التصالح والتعاون .
العرب – ومنذ عقود طويلة –أدمنوا وارتكبوا خطيئة تلبس الحقائق الموهومة وضحكوا على أنفسهم وغرتهم الشعارات الوطنية والأصوات الصاخبة والتبريرات الكاذبة حتى سقطت كل دعاويهم بالوحدة والصمود ..وسقطت من بعدها كل قلاعهم وحصونهم !!
كعرب- ويا لحسرتنا المرة - عشنا سنوات من الضياع والنصر الموهوم الكاذب , حتى تجرأت هذه الدولة الصغيرة الناشئة حديثا فاحتلت فلسطين من بحرها حتى نهرها , ثم قضمت سيناء بأكملها , ثم دارت على سوريا فسرقت منها جولانها ومن لبنان جنوبه ومن الأردن جزءا من أراضيه, ثم دمرت المفاعل النووي العراقي ثم تسللت بحرا لتونس لتطال الرؤوس القيادية في المنظمة ... ولا تزال للحظة تعربد وتفعل الأفاعيل . كل هذا ونحن نتغنى بأمجادنا ونسمع الأغاني والخطب الثورية الهادرة التي أسكرتنا بنشوة النصر ...حتى إذا فقنا من السكرة وذقنا مرارة الواقع ثملنا من أغنية "وين الملايين"!!
يوم أن غزت إسرائيل لبنان عام 82 ووصلت إلى عمق العاصمة بيروت ثم طردت منظمة التحرير حتى آخر جندي (والعالم كله يتفرج على مشهد السفن وهي تحمل المقاتلين إلى الشتات ) سمينا ذلك نصرا وصمودا أسطوريا !!!!
ويوم أن عادت وتجرأت بوقاحة واستخفاف فغزت لبنان مرة أخرى عام 2006 ودمر بنيته التحتية ثم أجبرت حزب الله على توقيع التزام بعدم إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل(والتزم فعلا) سمينا ذلك انتصارا ورفع شعار "ولى عهد الهزائم وجاء عهد الانتصارات "!!
ويوم أن تحدت العالم كله وأحرقت غزة عن بكرة أبيها وارتكبت فيها الموبقات ثم غزتها بريا حتى عاثت فيها خرابا ودمارا(نفس سيناريو حرب لبنان 2006) سمينا ذلك انتصارا !! .
وهنا لا أريد أن ادخل في مقارنات الأرقام حول نسبة الخسائر في الطرفين (وان كانت ذات دلالات مهمة) حتى لا ندخل في جدلية حول معايير النصر.
السؤال الذي يفرض نفسه , ويجب أن نواجه أنفسنا به, أي انتصار نريد ؟
هل بالفعل نريد نصرا حقيقيا ملموسا يهزم الاحتلال بالحقائق والأرقام والوقائع ؟ أم يكفينا نصرا يدغدغ عواطفنا ويشبع أنفسنا الظامئة ويشعرنا بنشوة عارمة تملأ قلوبنا وشوارعنا وجدراننا بالشعارات الكبيرة والمهرجانات الصاخبة ؟
صناعة النصر ليس بالأمر الهين , ولا يمكن لكل طامح ومتأمل أن يبتدع نصرا حسب رؤيته المحدودة ,فالمسألة ليست مجرد أحلام وأماني (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب )..
صناعة النصر هي صناعة الرجال المقاتلين والسياسيين المحنكين ... هي صناعة الفكر والتخطيط وبذل الجهد وتجنب الخلل وفهم المعادلة .... هي صناعة الإستراتيجية المحكمة و التكتيك الذكي الذي يقوم على معادلة " خسارة اقل أو ربح أكثر"..هي صناعة وطنية وليست حزبية ... هي صناعة متقنة بامتياز , ليست مزيفة ولا مغشوشة ولا مستوردة !!
صناعة النصر تأتي ليس من باب إرضاء الذات أو دغدغة العواطف ... بل ترجمة حقيقية لسنن الله في كونه والذي وضع قواعد وأسس للنصر حتى لا يقع الناس فريسة للوهم .
** نريد مواجهة الحقائق
من الغرابة أننا نفرح كثيرا حين نرى إسرائيل تشكل لجان تحقيق في كل الحروب كي تتعلم من أخطائها , وتستجلب الجميع من رئيس الوزراء ووزير الجيش ورئيس الأركان والضباط إلى منصة التحقيق كي تحاسبهم وتسائلهم, بل وتعترف علنا بأخطائها وإخفاقاتها , ونبدأ نحن – من جهتنا- في التقاط هذه "الإخفاقات (والعوم على شبر ميتها ), فيما نحن لا نملك مجرد الجرأة أن نشكل لجنة تحقيق – ولو لمرة واحدة- نستخلص بها الحقيقة المجردة من ثنايا العواطف والشعارات, او حتى مصارحة الشعب بها !!ولا نملك الشجاعة الحقيقية للاعتراف بأخطائنا بل نغطي على ذلك بالصوت والصورة !!
أين هي المصداقية إذن إذا كانت الحقيقة مغيبة أو مجزوءة أو مغلفة بورق السوليفان ؟!!
متى نملك الشجاعة التي تمكننا ان نصدق مع هذا الشعب المعذب التائق للصراحة خاصة وان التاريخ ماثل أمامه بكل آلامه وعذاباته وانشقاقاته وانقساماته الحزبية والفصائلية والعشائرية ؟؟
** السؤال المهم : كيف نهزم إسرائيل؟
كلنا يريد ويتمنى من كل قلبه أن يرى إسرائيل مهزومة مدحورة خاسئة ...كلنا يريد أن لهذا الكابوس أن ينزاح عن صدورنا ...لكن السؤال المهم :كيف, (سؤال يعيش في دمنا لأكثر من ستين عاما ) ؟
لا يعقل أن نظل نمني أنفسنا بانتصارات لا حصر لها , فيما إسرائيل – وعلى مدى ستين عاما - لا تزال تعربد وتبني المستوطنات وتغرس الجدار كما السكين في قلوبنا وتهود القدس وتسرق الأراضي وتجلب المهاجرين , ومن وقت لأخر تطل علينا بطائراتها ودباباتها القبيحة كي تزيد عدد الضحايا (راجعوا فقط نسبة ارتفاع بناء المستوطنات وحجم الأراضي المصادرة وعدد البيوت المسلوبة في القدس في السنوات الثلاث الأخيرة )
صحيح أننا صمدنا ولم نرفع الراية البيضاء ولم ننكسر أمام جبروت إسرائيل لكن من المهم تسمية الأمور على قدرها وعدم التحليق بعيدا في عالم الخيال !! فلنسم النصر نصرا والصمود صمودا والثبات ثباتا
الأسئلة الكثيرة التي تعصف بنا دائما وتؤرقنا وتهتك ستر صمتنا :
هل يمكن في ظل الانقسام المقيت وهذا الشرخ العميق أن نحقق نصرا ؟؟
من يظن بأنه في ظل الانقسام البغيض يمكن أن نحقق انتصارا فهو واهم..
ومن يظن بأنه في ظل غلبة النزعة الحزبية على الروح الوطنية يمكن أن نحقق نصرا فلينتظر مائة عام أخرى ...
ومن يظن انه في ظل الاتهامات بالخيانة والأجندة الخارجية والكراهية غير المسبوقة يمكن أن نحقق نصرا فإنما ينسج بيتا من خيوط العنكبوت ....
ومن يظن بأن النصر يأتي بدون العمل المحكم والتخطيط السليم والحسابات الدقيقة وتقفي السنن ومعرفة ضوابط النصر فإنما يسير في طريق خاطئ لانهاية له ...
النصر على إسرائيل يأتي أولا بوحدة وطنية قوية متماسكة وصادقة( من المهم أن تكون صادقة غير اضطرارية ) , ثم برؤية وطنية للتحرير وبرنامج واضح المعالم(يزاوج بين المقاومة والعمل السياسي ) يشترك فيه الجميع مهما كبر أو صغر شأنهم , ثم ببناء المواطن والمجتمع على أساس من التعايش والتسامح ونبذ العنف والكراهية والتعصب الحزبي والإعلام المحرض ...
دون ذلك فهو تجديف في الهواء وحطب في الليل وطحن للماء .... وسنمضي بقية عمرنا نعيش على الوهم (وما أقسى أن نعيش على الوهم وطول الانتظار ).
** لا تخدعوا الشعوب ولا تغروها
كلنا يدرك بان صمودنا وثباتنا وتمسكنا بأرضنا هو هزيمة للمشروع الصهيوني الذي يريد محو هويتنا وضياع قضيتنا ..وكلنا يدرك بان التاريخ الطويل والمجيد للمقاومة الفلسطينية له الأثر الكبير في إضعاف الاحتلال وتحجيمه ,لكن يجب أن نستخدم من الألفاظ والعبارات التي تعزز قوتنا وصمودنا وتجعلنا نعيش الحقيقة لا المبالغة.
نحن لا نريد للشعوب العربية أيضا أن تعيش على الوهم , ولا نريدها أن تتكل على الفلسطينيين ان يحاربوا ويقاتلوا ويسكبوا دماءهم ولحومهم ثم يغمروننا بالخطب والمسيرات والمهرجانات والمساعدات الإنسانية !!...لا نريد أن نغرهم – أو يغتروا- بأننا بخير في فلسطين وأننا قادرون على القتال نيابة عنهم( كما يروج البعض عن جهل ) لذا يجب عليهم أن يستريحوا من عناء التفكير الجدي بدعمنا بقوة اكبر وتحد اكبر وخطوات أكثر جرأة وشجاعة تتخطى المسيرات والمهرجانات ودفع الأموال !! للأسف أن بعض الخطب الهادرة – والخارجة عن المألوف- أغوت العرب بضخامة النصر الذي حققناه فجعلتهم ينامون ويعتقدون أن المشكلة في غزة باتت تنحصر فقط في دفع الأموال والمساعدات وتسيير المهرجانات وعقد المؤتمرات !! هذا خلل وخطأ كبير يجب الاحتراز منه لأنه يعيد نفس تجربة الماضي والتي جعلتنا ندور في نفس الدائرة لأكثر من ستين عاما !!
** سنن النصر

"ان وعد الله للأنبياء بالنصر ليس خاصا فحسب، بل مقيد أيضا لا يمكن إطلاقه من قيده،لأن الأنبياء لم يعفوا من امتحان اتخاذ الأسباب. ولم يقل القرآن إنهم أعفوا من مراعاة سنن الله المطردة، بسبب نشاطهم الروحي، في الصلاة والصوم والدعاء. بل قال للجميع"ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب! من يعمل سوءا يجز به".وهذا المعنى أدركه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:الحرب خدعة. من أجل ذلك لا يمكن تعميم الآيات الخاصة التي تعد الأنبياء والمؤمنين بالنصر، ولا إطلاقها من قيد الأداء الممتاز، لأنها لا تعد بخرق كل سنن الاجتماع والطبيعة،بل توجه بالسير على سنن الله المطردة ، فهي تصرح "إن الله على نصرهم لقدير"(أي أن الله قدير على نصر المؤمنين بدون قتال منهم). ولكنه لن يخرق لهم قانون الأسباب المطردة خرقا كليا، بل يريد أن يتخذوا الأسباب ، فالنصر كما قال سيد قطب في تفسيره، لا يكون للكسالى، لأنه ليس محاباة للمؤمنين, ولكن هو ثمرة شجرة تضافرت في إثمارها العوامل الخارجية الموضوعية والعوامل الذاتية الداخلية معاً.
ومن أجل ذلك صرح القرآن بدور الإنسان"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع". فللبيت رب يحميه بعقاب خارق ماحق قبل الإسلام، ينزل على أمثال أبرهة، أما بعد الإسلام وتمكين المسلمين فقد صرحت الآية بدور الناس، ولذلك فإن الله لم ينزل عقابا خارقا على القرامطة، لما اعتدوا على البيت الحرام.
والأنبياء وحواريوهم ، لم يمكنوا عبر كرامة الإيمان الخارقة إلا بقدر محدود، لأن الله لا يريد خرق السنن كلها ، بل يريد أن يبقي دور الإنسان حاضراً دائماً،كما قال " ولو شاء الله لانتصر منهم ، ولكن ليبلو بعضكم ببعض .
إذن الله لن يعفي المؤمنين من دورهم،ولن ينصرهم لأنهم من أوليائه فحسب ،بل ينصرهم لأنهم قاموا بدورهم، وأعدوا العدة المكافئة. ولن يهزم الله المشركين، إهانة خارقة لهم بسبب كفرهم،-كما وقع لقوم نوح وعاد ونحوهما-، بل بأيديهم وأيدي المؤمنين. كما قال الطاهر بن عاشور " ولو شاء الله لاستأصلهم ، ولم يكلفكم بقتالهم، ولكن الله ناط المسببات بأسبابها المعتادة ، وهي أن يبلو بعضكم ببعض ".
ولذلك فإن المسلمين يوم احد (رغم عظمة إيمانهم وبسالتهم) تساءلوا : من أين أصابنا هذا الفشل ؟ كيف لم ينصرنا الله، وقد وعدنا بالنصر المبين ؟ جاءهم الجواب، بأنهم أخلوا بشروط النصر، والإخلال ليس نقص إخلاص ولا حماسة، بل نقص تدبير وسياسة.
كما تعرض مقاطع من الإخلال سورة آل عمران " حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، فأثابكم غماً بغم " والعصيان والتنازع، ليس مسألة روحية، في صحة عقيدة أو صلاة، بل مسألة مدنية عسكرية، في نضوج عقل مدني سياسي وعسكري.السبب ليس ضعف إيمان تبلور في نقص إخلاص وحماسة، بل ضعف إيمان تبلور في نقص حنكة عسكرية وسياسة".( اقتباس)

إن المواجهة الحقيقية ومعرفة الخلل ليست عيبا ولا عارا بل هي الطريق المؤدية إلى النصر الحقيقي , لكن سياسة تبرير الأخطاء وتسمية الأشياء على غير حقيقتها هي التي تهزم وتقتل كل أمل في النصر .
تعالوا بنا نفكر جميعا ونتكلم بصدق ونزاهة ومنطق سليم لنتبنى إستراتيجية واضحة وخطى ثابتة وعمل دءوب ومدروس لنحقق حلمنا بهزيمة الاحتلال ...
لا تضيعوا وقتكم فالزمن ليس بانتظاركم وسنن الله حاضرة !!