وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

مرسوم بإعفاء هنري كيسنجر

نشر بتاريخ: 08/04/2020 ( آخر تحديث: 08/04/2020 الساعة: 12:24 )
مرسوم بإعفاء هنري كيسنجر
الكاتب:  د. صبري صيدم

وزير الخارجية الأمريكي الأشهر ومستشار أمنها القومي بين الأعوام 1969 و1977 في عهدي الرئيسين جيرارد فورد وريتشارد نيكسون، ما زال على قيد الحياة السياسية، رغم بلوغه 97 عاما. مستمر في فتاواه السياسية وتنبؤاته الكارثية وتصريحاته التخريبية، بصورة يعتبرها البعض تارة نتاج حكمة وخبرة واسعة وتارة أخرى نتاج اطلاع الرجل على تفاصيل المؤامرات الكونية.

كيسنجر الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 1973 لدوره في إنهاء حرب بلاده، وتوقيع اتفاقية باريس 1973، التي قادت لإجلاء قوات بلاده عن فيتنام، يعتاش على تاريخه ومجده السابقين ودوره في فتح القنوات الأولى لعلاقة بلاده بالاتحاد السوفييتي والصين الشعبية. كيسنجر ذاته هو الذي يرفض أن تعود به الذاكرة إلى دوره في انقلاب تشيلي الدموي، وحرب بنغلادش، وما عرف بالحرب القذرة المجلس العسكري الأرجنتيني.

وهو أيضاً من يرفض أن يتذكر استقالة اثنين من أعضاء لجنة جائزة نوبل بصورة غير مسبوقة تاريخياً، احتجاجاً على منح رجل يده ملطخة بدماء الأبرياء، جائزة مرموقة للسلام. كيسينجر الذئب واحد من اثنين من الباقين على قيد الحياة من عهد نيكسون، يعود في كل مفصل تاريخي ليتنبأ بالكوارث والمصائب والأضرار، بل ينتظره البعض بشوق لأنهم يعتبرون نبوءاته بمثابة حقائق ستحصل.

ففي الماضي القريب رأينا كيسنجر يطل قبيل حروب عدة، ليتحدث عن تلك الحروب وخلفياتها وأهدافها، بصورة بدت وكأنها بمثابة تبرير صريح للقيام بها.

فالاتحاد السوفييتي ومخاض التفكك، ويوغسلافيا وكوسوفو، والصومال، والعراق وأفغانستان، والربيع العربي، والصراع العربي الإسرائيلي، وأزمات روسيا والصين وكوريا الشمالية وغيرها الكثير، جميعها كانت محور اهتمام كيسنجر حتى أنك تكاد لا تجد تطوراً سياسياً تاريخياً خلال العقود السبعة الماضية إلا وكان لكيسنجر ما يقوله فيها.

وفي خضم الصراع العربي الأمريكي، كان كيسنجر وما زال حاضراً قوياً، في تحديد التوجهات والتطورات والنكبات والكوارث، بما فيها ما اصطلح على تسميته بالفوضى الخلاقة، من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، وشركائها في المفهوم ذاته كمساعدها وليام برنز ومساعد مستشار الأمن القومي السابق إليوت إبرامز، ووزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، الذين عملوا جميعاً تحت قيادة الرئيس السابق جورج بوش، ليمهدوا الطريق أمام الصهاينة الجدد والمسيحية الإفنجالية، ومفهومها العقائدي في التعامل مع الصراع العربي الأمريكي.

بل أن كيسنجر كان من أهم من مهدوا بفكرهم ومنظورهم للفوضى الخلاقة، الذي يعتبر مصطلحاً ماسونياً، تحدث عنه كاتب الرواية الشهيرة «شيفرة دافنشي» دان براون، التي أصبحت لاحقاً فيلماً بطله الممثل الأمريكي المصاب بكورونا حالياً توم هانكس.

كيسنجر الذي يصفه البعض بأنه من أصحاب المدرسة الواقعية في السياسة، غادر مواقعه الرسمية منذ فترة لكنه لم يغادر مدارس التفكير الدامي، والقائم على استدامة الصراعات في العالم، وهو ما جعل ما يطرحه وكأنه من المسلمات، حتى تجرأ البعض وتعامل مع الرجل وكأنه لا ينطق عن الهوى.

وفي أزمة كورونا الحالية عدنا إلى «مندبة» كيسنجر التي يتحدث فيها عن كوارث ما بعد كورونا، وما تحمله من زلازل اقتصادية، وقلاقل سياسية، وحروب ومواجهات، وهو ما يدفع الكثيرين إلى الشعور بأن ظهور كيسنجر ما هو إلا نذير شؤم ومضرة.

وعليه آن الأوان ـ في ما بعد كورونا ـ أن يتبدل العالم الذي ساهم كيسنجر في صناعته، بعد أن تراجع البشرية ذاتها، وتستفيد من دروس كورونا وغيرها، فتعفي ناعقاً كهنري كيسنجر من استدامة شؤمه وسلبيته، حتى لا يجد عجوز السياسة الأمريكية أي مساحة للهدم والوعيد.