![]() |
كورونا، الأمور تزداد سوءا يوميا (تقدير موقف)
نشر بتاريخ: 19/04/2020 ( آخر تحديث: 19/04/2020 الساعة: 19:03 )
![]()
الكاتب: ناصر دمج
لا أحد يمتلك معلومة حاسمة، حول هوية الجهة التي تسببت بتفشي الفايروس، وهناك أسئلة أكثر من الأجوبة، حول المتسبب ومن المستفيد، لأن معرفة المستفيد ستقودنا عقليا لمعرفة المتسبب بنشر الفايروس. حيث تتبادل الولايات المتحدة والصين الشعبية، الاتهامات حول مطلق الوحش الأعمى من معقله، وتدعي الصين بشكل غير رسمي بأن الولايات المتحدة، هي من تقف خلفه لضرب القوة الاقتصادية الصينية وكبح جماحها، واعتبر الرئيس الأمريكي الفايروس بأنه من صناعة صينية كاملة. بعد أن طورته في مختبرات مدينة يوهان، بهدف دب الرعب في قلوب آلاف المستثمرين الأجانب في الصين ودفعهم للتخلي عن استثماراتهم وبيعها للحكومة الصينية. وهذا ما حصل في الأسبوع الأول من انتشار الوباء داخل مدينة يوهان، ما يؤشر - وفقاً للشك الأمريكي - إلى أن بعث الفايروس تم لتحقيق مآرب اقتصادية صينية، لكن في مرحلة ما فقدت السيطرة عليه، ووصل إلى وصل إليه حالياً. سواء صح الشك الأمريكي أم لم يصح، أو صدقت البشرية الإدعاء الصيني أم لم تصدقه، فإنه نتج عن انتشار الفايروس تبعات مدمرة على الاقتصاد العالمي، أي على الاقتصادات الوطنية للدول، وأن العولمة والتجارة الحرة في العالم لن تبقى كما كانت قبل كورونا، وأن العالم يتجه نحو أزمة اقتصادية كبيرة، لربما ستكون أكبر من الأزمة التي شهدتها الولايات المتحدة والعالم في عشرينيات القرن العشرين، ومن تلك النتائج: أولاً – إنخفاض الناتج المحلي الخام لغالبية دول العالم بنسبة 12% - 16% لغاية الآن، ويتوقع استمرار هذا الانخفاض، وارتفاع هائل في نسب البطالة، خاصة في الولايات المتحدة، وستشهد الأسواق العالمية تراجعاً كبيراً في طلب سلعتي النفط والغاز. ثانياً – يشهد العالم تنافساً محموماً بين الحكومات، على الموارد الطبية والصحية، في ضوء الطلب العالمي الهائل على تلك الموارد، ما يرفع من احتمالات الصدامات الإقليمية والتوترات الدولية. ثالثاً – ستذكي الأزمة نيران التمرد الشعبي والخروج إلى الشوراع والثورات، طلباً للعمل والغذاء والدواء، في ضوء ارتفاع معدلات البطالة حول العالم، حيث قدمت لنا منظمة العمل الدولية تقديرات قاتمة حول حالة البطالة؛ ومفادها أن قرابة 190 مليون وظيفة في العالم معرضة للضياع نتيجة تفشي فيروس كورونا. رابعاً – يستنتج من ذلك أن معضلتي البطالة والفقر مرشحتان للاستفحال، تحت ضغط الطلب من الناس البقاء في منازلهم، الأمر الذي سيعيد البشرية للاقتصاد الطبيعي، أي الاكتفاء الذاتي، وهذا يدشن بطريقة أو بأخرى، عصر ما بعد العولمة، في ظل الخوف المتعاظم من تبعات الجائحة، مع تزايد احتمالات ظهور أمراض وأوبئة مستجدة. لهذا ستكون الخسائر البشرية من المرض، هي التكلفة الأكثر أهمية، لأنها ستمهد الطريق لتفكك إجتماعي عظيم الأثر ناتج عن الانهيار الاقتصادي، وتفشي البطالة لتصبح التحدي الأكثر تهديداً للسلم الكوني. خامساً – لا يمكن أخذ تعقيب "هنري كيسنجر" على جائحة كورونا، إلا على محمل الجد، حيث قال: "بأن النظام الدولي برمته سيتغيير بعد الكورونا، ولن يبقى على حاله". استنتاج يعني هذا، بأن تغييراً كبيراً سيطرأ على التوازنات والعلاقات الدولية، وسنرى تشييداً لقواعد لعبة جديدة، سيما في مضمار التجارة العالمية، وستتغير التجارة الحرة بشكلها الحالي، وسنرى لاعبين جدد على مسرح التجارة العالمي وآخرين سيفضلون العودة لأوطانهم، والإنطواء داخلها مفضلين العبث بالتجارة الداخلية على الخارجية، والشروع ببناء استراتيجيات أمن قومي منخفضة التكاليف وتتسق مع هذا المتغيير. بما في ذلك تقييد الصادرات، سيما في مجال المعدات الطبية وفرض نظم جمركية جديدة تقلب ميزان الصادرات والواردات رأساً على عقب، أخذين بعين الاعتبار أن العالم سيكون بأمس الحاجة لأسواق مرنة وقادرة على التكيف مع الوضع الجديد للتجارة العالمية. الحرب بين الصين والولايات المتحدة احتمال قائم بسبب الخسران الذي ألم بالولايات المتحدة، نتاج الإنفاق الطارىء على الوباء، الذي دهم الولايات دون استعداد مسبق للتعامل معه، تقدم خيار الإنكفاء إلى الداخل كخيار للمعالجة الإستراتيجية لتبعات الجائحة، على غيره من الخيارات؛ وبروز إشارات قوية لدخول الاقتصاد الأمريكية مرحلة الكساد العميق، وهو وضع مشابهة لربما لحالة الكساد العظيم التي مرت به الولايات المتحدة في عشرينيات القرن العشرين، وامتناع الولايات عن تقديم المساعدات للدول بما في ذلك الدول الحليفة، وفي مرحلة حرمان أؤلئك الحلفاء من ما يحتاجونه إذا كانت هي بحاجة له، حيث قامت قوات البحرية الأمريكية بالسطو على نصف مليون شريحة من شرائح فحص كورونا كانت في طريقها إلى إيطاليا. مقابل الصين الشعبية التي أرسلت 100 طائرة لأكثر من دولة، محملة بالمساعدات الطبية، وهو أمر قاد الرئيس ترامب للجنون، الذي أدرك بأنه تلقى صفعة مباشرة على الوجه من الصينيين، وهي حقيقة تدفع بخيار الحرب لمقدمة الخيارات الرادعة للتعامل مع الصين.
المطلوب وطنياً
بسبب الطبيعة الكونية للمشكلة، فإن التغلب عليها يحتاج لتعاون كوني يتتبع آثارها ويجد حلول تعاونية لها، سيما الآثار الدراماتيكية الواقعة على القوى العاملة في جميع أنحاء العالم، ويمكن للدول تصميم برامج إنقاض وطنية وإطلاق العنان للمبتكرين وتشجيعهم على اجتراح الأفكار وعرض المبادرات التي من شأنها المساعدة في تجاوز الأزمة.
أما حصتنا في فلسطين، فإن الاقتصاد الفلسطيني الصغر سينكمش بمعدل 7%، وسيتركز تأثير الجاحة عليه برفع معدلات البطالة، والتسبب بنشوء جيوب غير حميدة للفقر، ومن المرجح أن يلتحق 100000 عامل وعاملة وطالبين جدد للعمل بصفوف المتعطلين عن العمل.
لهذا يوصي هذا التقدير الحكومة الفلسطينية، بسلوك الدرب الزراعي كأقصر طريق للتعافي من الأزمة وتخفيض معدلات البطالة، لأن الأزمة مست المداخيل اليومية والشهرية للعمال، وهذا يعني أن قدرتهم على توفير السلع الأساسية لمعيشة أسرهم انخفضت أو تلاشت، وهم بحاجة لحل فوري، وهنا لا أقصد الإغاثي أبداً، إنما منحهم فرصة عمل في مشاريع زراعية ستمكنهم من الحصول على المال والغذاء معاً، والمشاريع نفسها ستوفر الغذاء للآخرين، وستمنح الحكومة فرصة لجني المزيد من العملة الصعبة.
والأولوية في هذا المقام، للمشاريع التي لديها قدرة على تشغيل أكبر قدر ممكن من العمال، وعلى الدولة أن تجند الدعم والتمويل العربي والدولي لها، بما يساعد في وضع حد للتدهور وغرق المزيد من العمال في براثن الفقر والجوع؛ وهم الذين يشكلون مع أسرهم ثلث الشعب الفلسطيني. |