وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

فلسطين ما بين بداية ونهاية مرحلة

نشر بتاريخ: 24/10/2020 ( آخر تحديث: 24/10/2020 الساعة: 14:08 )
فلسطين ما بين بداية ونهاية مرحلة




اذكر انه وبعيد توقيع اتفاقيات اوسلو باسابيع قليلة كان لنا لقاء في الاردن مع المناضل المفكر خالد الحسن ، ومن حملة ما عقبه على تلك الاتفاقيات ان القيادة الفلسطينية اختارت اللحظة الخطأ للمفاوضات والتوقيع ، والكلام لخالد الحسن حيث قال ان سيادة القطب الواحد ليست مرحلة تاريخية ولن تكون ، هي فاصل بين مرحلتين ، لانه في التاريخ الانساني لا يوجد مرحلة قطب واحد ، فاختيار هذا التوقيت ، حيث سقط حليفنا الاستراتيجي وهو الاتحاد السوفيتي ، وحيث هزم العرب جميعهم في العراق ، وحيث خرج الفلسطينيين من بيروت وتوزعوا بين الدول ، هذا التوقيت هو الاسوأ في تاريخ القضية الفلسطينية ولا يفترض ان يكون وقتا للمفاوضات وتوقيع الاتفاقيات ، يفترض الحفاظ على رباطة الجأش والانحناء امام العاصفة حتى تمر . انتهى حديث المفكر خالد الحسن في هذا الموضوع لينتقل الى العديد من القضايا ذات الصلة . وها نحن وبعد ثلاث عقود او اقل قليلا نكتشف انه كان لحديث خالد الحسن ما يبرره ، بل ويصبح الان ضرورة لتذكره .
ما يذكرني بذلك هو المرحلة التي نعيش الان ، فاذا كانت بداية التسعينات من القرن الماضي هي بداية الفاصل الزمني بين مرحلتين فان نهاية العقد الثاني من الالفية الثانية هي نهاية تلك المرحلة الانتقالية ، مرحلة القطب الواحد تلفظ انفاسها ليعاد ترتيب العالم من جديد ، مرحلة عالم متعدد الاقطاب باتت تدشن من جديد ليعود للعالم توازنه وتنتهي مرحلة الاستفراد الامريكية .
تباشير تلك المرحلة باتت واضحة ، تراجع النفوذ الامريكي ، قوة الصين القادمة ، عودة الاتحاد السوفياتي كقوة عسكرية متفوقة ، صمود الاتحاد الاوروبي وتجاوزه الازمات الطبيعية والمفتعلة ، وفي كل من هذه نحتاج الى بحوث لاستخلاص النتائج ، بوتين قيصر روسيا الصاعدة يقول " في السنوات الثماني الماضية لم اعمل في السياسة وجل عملي انصب على تطوير الاسلحة ، وامريكيا لم تعد الدولة الاستثنائية " هذا الكلام كان على وقع تطوير روسيا لثمانية انواع من الاسلحةالاستراتيجية البرية والبحرية والجوية الدفاعية والهجومية والغير مسبوقة . الصين حتى في ظل ازمة كورونا تسجل نجاحات متميزة تزيد من مساحة وعمق الهوة الاقتصادية بينها وبين امريكيا وتهيمن بشكل كبير على الجيل الخامس للاتصالات وتكتسح التجارة الخارجية وتدخل السباق العسكري من الباب الواسع ، اوروبا برغم تلاعب الامريكيين ببريطانيا وضغطهم عليها للخروج من السوق الاوروبية المشتركة فانها حافظت على تماسكها وتمايزت في العلاقات الدولية الى حد ملفت للنظر عن امريكيا .
في نهاية هذه المرحلة تنهي امريكيا هيمنتها كقطب واحد على العالم ، ولكن كما البداية تأتي النهاية ، البداية كانت حروب على العراق وافغانستان واتفاق اوسلو ، كانت هجمة امريكية واسعة ، النهاية كذلك ، صفقة القرن وهجمة غير مسبوقة من العقوبات القاسية على ايران .
اسرائيل ادركت هذه المرحلة ، استغلتها ابشع استغلال ، وقعت اتفاقيات اوسلوا في بداية الامر ، كانت تواقة لتحطيم العراق كقوة عربية تحمل مشروع تنموي واعد ، وما الحرب على العراق الا حربا اسرائيلية بجنود امريكيين وعرب ، ووقعت اتفاق سلام مع الاردن . في نهاية هذه المرحلة اسرائيل تسابق الزمن لاستغلال ما بقي منها ، صفقة القرن التي تعني تصفية القضية الفلسطينية باثر رجعي ، حصار المشروع النهضوي الايراني في حرب ناعمة ولكنها قاسية ، والتطبيع العربي مع اسرائيل .
تنتهي او تكاد سياسة القطب الواحد ، امريكيا تتشبث بها بيديها واسنانها حتى ظن البعض انها مستعدة لاشعال حرب كونية مع الصين دفاعا عن تصدرها العالم ، ولكن في ظل تغير جوهري في تقنيات الحروب والتي تجعل من اي حرب مدمرة لطرفيها بدون ان يخرج احد منتصرا فان تلك الحرب مستبعدة الى حد الاستحالة ، اسرائيل تسابق الزمن لاستغلال بشع لكل لحظة في هذه المرحلة ، ولكن الزمن يمر وهيمنة امريكيا تتراجع ، والعالم يتجه الى مرحلة اكثر اتزانا .
الفلسطينيين وقضيتهم لم يخرجوا من تلك المرحلة بكامل عافيتهم ، وقعوا اتفاقية اوسلوا فوقعوا في مكيدة المرحلة ، وعلى الرغم من وجود مسالك اخرى اكثر صعوبة لتجاوز تلك المرحلة الا ان قيادتهم اختارت المسلك الاكثر سهولة ، فدفعوا الثمن اغلى .
وفي نهاية المرحلة اختار الفلسطينيين المسلك الاكثر وعورة ، رفضوا صفقة القرن والتي على درجة من السوء الى الحد الذي لا يترك مجالا الا للرفض . دخلوا في صدام مع الانظمة التي اختارت السير في الركب الامريكي الاسرائيلي وشاركت عبر صفقة القرن والتطبيع في محاولات تصفية القضية الفلسطينية ، صدام مستتر وناعم لكنه صدام مفصلي يخرج الفلسطينيين من محور مسكون بالهيمنة الامريكية ومسخر لخدمة استمرار هيمنتها كقطب وحيد على العالم . صحيح ان الفلسطينيين ينحنون قليلا او كثيرا لتمر العاصفة ، ولكن صمودهم امام الهجمة الامريكية الاسرائيلية موقفا يسجل لهم لا عليهم ، يدفع الفلسطينيين ثمنا باهظا للسير عكس التيار ، ولكنهم بسيرهم هذا يأخذون مسارا موازيا للمتغيرات الدولية القادمة ، يسيرون في السياق التاريخي للمتغيرات الكونية ، وامريكيا بفقدانها التربع على عرش العالم كقوة وحيدة تفقد مقدرتها على الاستحواذ .
نحن الان على بعد متر او اقل من نهاية تلك المرحلة ، ستكون المعارك في الربع ساعة اخيرة قاسية ومؤلمة ، ولكنها ستحدد المستقبل وستعطي للفلسطينيين افقا رحبا في المرحلة القادمة ، صحيح ان اثار مرحلة التسيد الامريكي على العالم لعشرات السنوات لن تنتهي بين ليلة وضحاها ، ستمتد لسنوات قادمة ولكنها ستمد باهتة ضعيفة ، وسيتعزز الوضع الفلسطيني متسلحا بهذا الصمود .
اثمرت سياسة الانقياد الفلسطيني للسياسات الامريكية في بدايتها ثمرا مرا وهو اتفاق اوسلو ، وسياسة الانعتاق من هذه السياسة في نهايتها تعكس اوضاعا صعبة ومؤلمة ولكنها ستثمر بما هو افضل وبما لا يقاس ، الطريق وعرة ومتعرجة ، الانحناء امام العاصفة ليس بتراجع او نكوص ولكنه ضرورة ولكن في نهاية الامر ستصمد القضية الفلسطينية ، التسلل عبر شقوق الواقع العربي المتشظي لن يضفي شرعية على مرحلة في نهايتها .
الانتخابات الامريكية الحالية ستسجل على انها توقيت مفصلي بين مرحلتين ، ستسجل على انها انتقال طوعي امريكيا من مرحلة تشبثها كقطب واحد في قيادة العالم الى المشاركة مع اخرين في قيادة هذا العالم ، الخاسرون من هذا الانتقال ستكون اولا اسرائيل وثانيا اسرائيل وثالثا اسرائيل وبعدها ستكون انظمة الخليج العربي . السؤال الذي يقف امام الفلسطينيين هو ما هي الاستراتيجية الفلسطينية للتعاطي مع المرحلة الجديدة .